استبعاد وزير الداخلية: إعادة ترتيب للبيت أم صراع نفوذ بين صقور الرئيس

54
استبعاد وزير الداخلية: إعادة ترتيب للبيت أم صراع نفوذ بين صقور الرئيس
استبعاد وزير الداخلية: إعادة ترتيب للبيت أم صراع نفوذ بين صقور الرئيس

أفريقيا برس – تونس. تطرح استقالة وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين مؤخرا عن منصبه، تساؤلات عن دوافعها عما إذا كانت محاولة من الرئاسة لإعادة ترتيب بيتها أمام تزايد الانتقادات لإداراتها أزمات البلاد خاصة المتعلقة بملف الحريات، أم أنها تعكس خلافات وصراع للنفوذ بين صقور قيس سعيد، لتظهر بذلك إلى العلن.

وبينما أشار شرف الدين أنه استغنى عن منصبه لأسباب شخصية، أصدر الرئيس سعيد أمرين رئاسيين يقضي الأول بإنهاء مهامه ما يرجح أنه تم إقالته برغبة من الرئاسة كما استنتجت ذلك أوساط سياسية على عكس مبررات شرف الدين، أما الأمر الثاني فهو إعطاء هذه الحقيبة الوزارية لكمال الفقي الذي شغل منصب والي تونس حتى يوم تعيينه على رأس الوزارة.

ويعتبر الفقي من أبرز المساندين للرئيس سعيد ومساره، وهو زوج الناشطة السياسية سنية الشربطي وواحدة من المؤسسين لمشروع سعيد وأحد عناصر حملته الرئاسية لسنة 2019، رفقة رضا المكي المعروف بـ “رضا لينين” نسبة لنشاطه السياسي في الجامعة التونسية في ثمانينات القرن الماضي المتبني للفكر الماركسي اللينيني.

ويفسر متابعون ومحللون استبعاد شرف الدين على وجود انقسامات بين المقربين من الرئيس سعيد، حيث لم تحظى سياساته خاصة في التعامل مع معارضيه بعد شنه حملة اعتقالات واسعة بتأييد شرف الدين الأمر الذي قاد إلى قرار تنحيته، في حين يؤيد شق آخر التشدد مع الخصوم وكل من يستهدف إرباك أو التشويش على مشروع الرئيس ومساعيه لإرساء الجمهورية الثالثة.

خلافات الحمائم والقصور

توفيق شرف الدين، وزير الداخلية التونسي

كان توفيق شرف الدين يعتبر في مرحلة ما أقرب مسؤول تونسي إلى الرئيس لكنهما لم يظهرا معا في العلن كثيرا خلال الشهور القليلة الماضية، ما فسره البعض بسبب وجود خلافات حول نهج الرئاسة في إدارة الملفات الساخنة، في حين أشارت المعارضة أن استقالة شرف الدين تعود لخلاف كبير مع الرئيس بسبب “رفضه” تنفيذ تعليماته المتعلقة بسلسلة الاعتقالات الأخيرة.

واختارت الرئاسة الفقي أحد أبرز أنصارها والمعروف عنه انتقاده اللاذع للمعارضة التي وصفها عدة مرات بأنها“ بلا أخلاق ولا وزن لها،“ وقد رفض هذا الشهر الترخيص لجبهة الخلاص المعارضة بالاحتجاج، قائلا إن“ قياداتها متورطة في التآمر على أمن الدولة، لكن وزارة الداخلية لم تتصدى لهم وسمحت لهم بالوصول لشارع الحبيب بورقيبة للتظاهر“.

وتعكس بذلك استقالة شرف الدين عن وجود تخبط حقيقي في طريقة التعامل مع خصوم الرئيس وسط انتقادات محلية ودولية لإدارة ملف الحقوق والحريات بالبلد، وتذمر شعبي بسبب سوء إدارة الأزمة الاقتصادية، بينما لا تصغي الرئاسة لكل هذه الانتقادات وماضية في مشروعها دون الالتفات إليها وسط دعم المواليين من الصقور الذين يدعمون نهجها الانفرادي وصرامتها في التعامل مع المعارضة وفرض مشروعها بسياسة الأمر الواقع والتشدد في القمع.

منذر ثابت، محلل سياسي تونسي

ويشير المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه لـ“أفريقيا برس“ أنه “يمكن الحديث عن صراع حول الرئيس سعيد بين حرس الصف الأول حرس المؤسسيين للجمهورية الثالثة وبين سياسيين الذين انتموا إلى 25 جويلية لكن بهاجس المعادلة والتوفيق بين أطراف متناقضة في منطق الحد من الخسائر ومنطق الحد من جبهة الأعداء. “

وشرح بالقول:“واضح أن وزير الداخلية المستقيل أو المقال ينتمي إلى الصف الثاني صف الحمائم إن صح التعبير، الذين يعتبرون أنه بالإمكان الرئيس الحد من الأعداء وعدم فتح أكثر من جبهة، أما الصقور فهم يعتبرون أن هذا التمشي هو تنازل لا يتفق مع طبيعة المرحلة مع لحظة تاريخية هي لحظة تأسيس، وبالتالي الخسائر معقولة ومقبولة في إطار إرساء مؤسسات جمهورية جديدة تقطع مع الديمقراطية التمثيلية بكل ما فيها من أمراض وفساد وصاية وتزييف لإرادة الشعب “.

ويرى ثابت أن“ هذا الخطاب هو الذي يمثل خط التباين والتماس بين الصقور والحمائم حول قيس سعيد“.

وحسب تقديره فإن“ الصراع بين الصقور والحمائم اتجه نحو الإطاحة برموز الاعتدال إن صح التعبير في معنى الخط السياسي فالصقور يعتبرون انه لا مجال للتنازل أو المهادنة آو التردد وهم مستعدين لخوض المعارك الكبرى على صعيد داخلي وخارجي وكل من يرى نفسه غير معني بهذه المعركة فهو بالضرورة مشبوه وهو بالضرورة موضوع لملاحقة وأيضا استبعاد، حيث أن الطرف الفاعل والمنتصر هو الخط الراديكالي المحيط بقيس سعيد“.

هروب إلى الأمام

تذهب أوساط سياسية بالاعتقاد إلى أن خطوة إقالة شرف الدين مردها التنصل من الاتهامات الموجهة للرئاسة بتشددها في التعامل مع خصومها، حيث قامت باستبعاده في خطوة ضمنية تحمله مسؤولية الاعتقالات الأخيرة التي طالت رجال أعمال وقيادات سياسية وصحفيين بتهم خطيرة منها التأمر على أمن الدولة.

واعتبرت جبهة الخلاص المعارضة، أن تعيين الفقي وزيرا للداخلية في البلاد خلفا لشرف الدين،“استمرار في سياسة الهروب إلى الأمام في وجه الأزمة السياسية والاجتماعية”.

ويدل تعيين الفقي حسب رأيها على أن“ النظام لم يستنتج أي درس من فشله وأنه مستمر في الهروب إلى الأمام في وجه الأزمة السياسية والاجتماعية المحتدمة، ممعنًا في خطاب التقسيم والتخوين وفي التشدد على قمع الحريات”. وأضافت أن “هذا الخروج المفاجئ (الاستقالة) مهما كانت أسبابه ومسبباته يشير إلى أن أحد الأعمدة الأساسية للنظام قد سقط نتيجة اشتداد الضغط عليه بالداخل والخارج وفشله في إدارة الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تعصف بالبلاد”.

وتريد الرئاسة حفظ ماء وجهها وسط هذه الانتقادات بإقالة وزير الداخلية النافذ، كما تبعث بحملة الإقالات والتعيينات الجديدة رسالة إلى الشارع مفادها بأنها تعمل حل الأزمات الحادة التي ترزح تحت وطأتها البلاد،والتي تعمقت من اتخاذ الرئيس سعيد إجراءات استثنائية في 25 جويلية 2021.

وبينما يجمع غالبية المتابعين بأن حكومة نجلاء بودن أدائها ضعيف ولم تنجح في إدارة الأزمة الاقتصادية حيث تعمل على تطبيق املاءات المانحين الدوليين دون مراعاة المعيشي للمواطن الذي بات مترديا، ترى الرئاسة أن تجديد الوزراء والتعديلات الحكومية خطوة تطمئن التونسيين بمساعيها للإصلاح وتحسين أوضاعهم.

مع ذلك، فان التعيينات الجديدة تحت مقاس الرئاسة التي تختار كل من يواليها ويعمل على إنجاح مشروعها ويؤيد كل خطواتها خاصة مع اقتراب استكمال المسار الذي وضعه سعيد منذ إعلانه تدابير 25 جويلية مع بداية أشغال البرلمان الجديد.

مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان

ويلفت مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه ل“أفريقيا برس“ أنه“ يجب التأكيد أولا على أن مغادرة وزير الداخلية هو بسبب إقالته من طرف رئيس الجمهورية وليس استقالة والأمر حسم منذ أكثر من 20 يوما قبل الإعلان على المغادرة والدليل أن الرئيس قام بزيارة الوزارة وأيضا شارع لحبيب بورقيبة في غياب وزير الداخلية ووقع حينها التكتم على سبب الغياب. “

وتابع عبد الكبير “وزير الداخلية هو طرف محسوب على الرئيس وجاء به الرئيس ولكن سرعان ما برزت أطراف أخرى جعلت منه خصما وأربكت العمل داخل وزارته الهدف منه إضعافه وإنهاءه وهذا ماحصل فعلا، فعمل وزير الداخلية من أكثر من 6 أشهر أصبح مرتبكا وتكرر ت الأخطاء داخل وزارته الشيء الذي عجل برحيله، وقد غادر الوزير ولم يترك بصمة عمل حقيقية بل ترك عدة ملفات قد تجره إلى القضاء والمحاسبة. “

واستنتج بالقول:“بالمحصلة اليوم وزارة الداخلية يقودها شخص من طرف مقرب من الرئيس ولكن كل المؤشرات تدل على أنه إما أن يكون تحت تعليمات القصر إما سيكون خارج الوزارة كسابقه، الأيام كفيلة بذلك“.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here