الأزمة الاقتصادية تصرف أنظار التونسيين عن الانتخابات التشريعية

61
الانتخابات التشريعية - 17 ديسمبر 20222
الأزمة الاقتصادية تصرف أنظار التونسيين عن الانتخابات التشريعية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. صرفت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ترزح تحت وطأتها تونس، الأنظار عن الانتخابات التشريعية، حيث امتنع غالبية المواطنين عن التصويت، في خطوة اعتبرها متابعون ومحللون ردة فعل طبيعية نتيجة تردي الأوضاع المعيشية، ووسط تراجع الثقة في قدرة مشروع الرئيس قيس سعيد على احتواء الأزمة والنهوض بالبلد.

وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أن نسبة مشاركة التونسيين بلغت 8,8 بالمئة، ومن المرتقب أن تعلن النتائج الأولية للدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الاثنين، على أن تجرى دورة ثانية لحسم مصير عدد من المقاعد بين فيفري ومارس المقبلين.

وقال بوعسكر إن “نسبة المشاركة متواضعة وليست بمخجلة”، معتبرا أن “هذه الانتخابات هي الأنظف لأنها كانت خالية تماما من المال السياسي والتحويلات الأجنبية… ومن شراء الأصوات”.

وتحرج نسبة مشاركة الناخبين الضعيفة مشروع الرئيس سعيد الذي فشل في حشد الشارع يوم الاقتراع، حين قال إن“ هذه الانتخابات “فرصتكم التاريخية حتى تستردوا حقوقكم المشروعة”.

وتعتبر نسبة التصويت هي الأدنى منذ ثورة يناير2011 بعد نسب قياسية بلغت 70 بالمئة في الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014، وهي أقل بثلاث مرات من النسبة المسجلة إبان الاستفتاء على الدستور الجديد هذا الصيف (30,5 بالمئة) الذي شهد أصلا امتناعا قويا عن التصويت.

رسالة الشارع

يأتي الامتناع والمقاطعة الواسعة للانتخابات التشريعية التي تشكل آخر خطوة قبل مرور الرئيس سعيد نحو النظام الرئاسي الذي يسعى لتركيزه رغم الانتقادات والمعارضة الواسعة، رسالة من الشارع أن ما يهمه فقط هو وضعهم المعيشي المتدهور في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، مع تضخم بنسبة 10 بالمئة واستمرار فقدان بعض المواد الغذائية المتكرر على غرار الحليب والسكر.

وتزيد الأرقام والإحصائيات الأخيرة قلق الشارع، حيث سجل العجز التجاري الغذائي لتونس ارتفاعا حتى نهاية نوفمبر هذا العام، ليبلغ 8ر2 مليار دينار تونسي (حوالي 913 مليون دولار) تحت وطأة الحرب الروسية في أوكرانيا وارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأساسية.

وأرجع المعهد زيادة العجز إلى ارتفاع نسق واردات السكر والزيت النباتي والقمح الصلب وتفل الصويا، مضيفا أن هذه الزيادات ترتبط أساسا بتأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وفق ما نقلته وسائل إعلامية.

وأمام استفحال الأزمة الاقتصادية، لاحظ المتابعون تراجع الرهان على مشروع الرئيس سعيد، حيث بات مستبعدا في نظر الكثيرين أن يغير الأوضاع نحو الأفضل.

وتعكس نسبة التصويت الضعيفة غياب في الثقة من قدرة النخبة الجديدة على حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعتقد طيف واسع من التونسيين أن نخبه منهمكة في معركة السلطة والنفوذ على حساب مشاغلهم الحقيقية.

مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان

وأشار مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه لـ“أفريقيا برس“ أن“انتخابات 17 ديسمبر جاءت في ظروف غير عادية بمسار سياسي معطل بسبب أحداث سياسية خطيرة مرت بها تونس ووضع اقتصادي واجتماعي سيء وقابل للانفجار في أي لحظة“.

وتابع“مواطن يعيش حالة من الإحباط والقلق على مستقبله ومستقبل البلاد وسط غياب كل المؤشرات التفاؤلية لدى الشباب وهذا ما يفسر مغادرة أكثر من 13500 مواطن تونس في قوارب هجرة نحو الفضاء الأوروبي.“

وتأتي“الانتخابات بقانون غامض وغير منصف لكل الفئات مثل مشاركة المرضى و أصحاب الاحتياجات الخاصة الذين استبعدهم القانون الانتخابي أشياء عديدة تجل الانتخابات غير جاذبة وغير ذات معنى لدى غالب أفراد المجتمع“، حسب تعبيره.

ويستنتج عبد الكبير“المواطن همه قوت يومه المهدد ومستقبله ومستقبل أبناءه الغير مضمون.. هي انتخابات فاشلة وغير شرعية في قناعة المواطن التونسي بمختلف مشاربه السياسية، كما اعتبر أن هذه الانتخابات تقدم على طريق مسدود وحتى إن نجحت فلن تعمر طويلا.“

وبينما يذهب محللون بالاعتقاد أن الانتخابات ستسهل مع ذلك علاقات تونس مع شركائها الخارجيين الرئيسيين، من خلال إنهاء 17 شهرًا من عدم اليقين الدستوري، إلا أنها أثبتت في المقابل خسارة سعيد لنسبة كبيرة من مؤيديه، ما يضع تساؤلات حقيقية بشأن مستقبله السياسي.

برلمان صوري

تعد الانتخابات التشريعية استكمالا للنظام السياسي الذي فرضه الرئيس سعيد منذ 25 جويلية في العام الماضي، ومن المتوقع أن يمضي سعيد في مشروع رغم توسع دائرة معارضيه.

وبينما يعتبر الرئيس تعديلاته السياسية على أنها ضرورية لإنقاذ تونس من سنوات من الشلل السياسي والركود الاقتصادي في العقد الأخير، تتهمه المعارضة بإصراره على احتكار السلطات وتعمده إضعاف دور البرلمان لتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين.

وتعرض مشروع الرئاسة لانتقادات حادة بسبب إقصائه للأحزاب ورفضه الحوار معهم، كما جرت الانتخابات وسط مقاطعة غالبية الأحزاب وأبرزها حركة النهضة التي ترى في هذا المشروع انقلابا على البرلمان السابق.

ويضم البرلمان الجديد 161 نائبا، وسيحل محل البرلمان السابق الذي جمّد أعماله سعيّد في 25 جويلية وحلّه لاحقا، لكن هذا البرلمان الجديد، سيكون مجرّدا من السلطات استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره اثر استفتاء شعبي في يوليو الماضي، وشارك فيه نحو 30 في المئة من الناخبين.

وبموجب هذا الدستور، لن يكون بوسع نواب البرلمان إقالة الرئيس ولا إسقاط الحكومة إلاّ بتوفر شروط تُعد صعبة التحقيق، في المقابل يمكن لمجموع النواب تقديم مقترحات ومشاريع قوانين لكن يبقى للرئيس الأولوية في ذلك.

 

محمد الحامدي، قيادي في حزب التيار الديمقراطي

واعتبر محمد الحامدي القيادي بحزب التيار الديمقراطي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن هذه الانتخابات تأتي ضمن مسار انقلابي وستفضي إلى برلمان صوري بلا صلاحية فما يسمى بدستور قيس سعيد على خلاف كل الدساتير لم يأت لتقييد سلطة الحاكم بل لإطلاق يده ومنحه صلاحيات إمبراطورية وكذلك قانونه الانتخابي جاء لإنهاء السياسة والسياسيين“.

وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات. وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتها بدون انتماءات سياسية.

ورأى الحامدي أن“الانتخابات شأنها شأن ماسمي بالاستشارة الوطنية وما سمي بالاستفتاء ليست استحقاقا وطنيا بل محطة من محطات خطة قيس سعيد للانقلاب على المسار الديمقراطي وتجريف الحياة السياسية. “

وخلص بالقول “المشاركة هزيلة مثلها مثل الترشحات، وهي في كل الحالات فاقدة للمشروعية ولا قيمة لما سينتج عنها“.

وحسب متابعين ومحللين فإنه من العوامل الأخرى التي تفسر الإحجام الواسع عن التصويت أن المرشحين وعددهم 1055 غالبيتهم غير معروفين، وتمثل نسبة النساء منهم أقل من 12 بالمئة.

يذكر أن الانتخابات قد تمت على أساس الترشحات الفردية وليس الحزبية، ووفق تقسيم جديد للدوائر جعلها أصغر بكثير من السابق.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here