إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. كان الشباب التونسي أبرز الغائبين في مراكز الاقتراع يوم 6 أكتوبر 2024. وشدّد الملاحظون المحليّون والدوليون على أن الاقبال الضعيف للشباب على التصويت ظاهرة يجب التوقّف عندها، ومتابعتها بجدّية وسط حالة استسلام ولامبالاة بدت مسيطرة على غالبة الشباب الذي لم يعد يفكر إلا كيف يغادر البلاد على الرغم من أن التعبئة التي يقودها الشباب في طليعة النشاط الاجتماعي.
وفق أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بلغ عدد المسجلين من فئة الشباب (18-35 سنة) 32.6 بالمئة، لم يصوّت منهم غير 6 بالمئة، فيما بلغت نسبة الكهول (إناثا وذكورا بين 36- 60 سنة) 65 بالمئة و29 بالمئة ممن هم فوق الـ60 سنة.
وقالت آمال بن خوذة، مديرة مشروع ملاحظة الانتخابات في جمعية شباب بلا حدود، إن نسبة الإقبال على مراكز الاقتراع كانت “مقبولة نسبيا” مقارنة بالمحطات الانتخابية السابقة، لكنها أعربت عن أسفها لضعف إقبال فئة الشباب.
واعتبر كومي سيلوم كلاسو، الوزير الأول الأسبق لجمهورية الطوغو ورئيس بعثة الاتحاد الإفريقي لملاحظة الانتخابات الرئاسية بتونس، أن نسبة مشاركة شريحة الشباب في العملية الانتخابية كانت منخفضة وهو ما يجب تلافيه في المحطات القادمة.
تحتاج هذه الأرقام والملاحظات إلى التوقف عندها ومتابعتها فالأمر يتجاوز كونه عزوفا نتيجة الإحباط وفقدان الأمل. عمر الفئة المعنية من الشباب الذين لم يصوّتوا بل وأبدى بعضهم عدم اهتمام لافت خلال حديثنا معهم مهم جدا في دراسة أسباب عزوف الشباب وفي مختلف الدراسات الاجتماعية التي تهتم بالشباب في تونس بعد 2011.
كثيرون ممن يحقّ لهم التصويت لوصوله السنّ القانونية كانوا قبل 13 سنة، في عمر الطفولة، وكبروا على مدار السنوات التي أعقبت سقوط نظام زين العابدين بن علي في 2011، وسط التعقيدات السياسية التي شهدتها البلاد من فوضى سياسية وبرلمانية وإرهاب وتراجع اقتصادي واجتماعي وقيمي.
هذه الفئة تكاد تكون في صدام مع “الدولة” ومع الفئة العمرية الأخرى (الأكثر اقبلا على التصويت). فئة الشباب الذين يبلغون اليوم بين 19 و23 سنة تأثّروا بكل الأجواء السياسية وكبروا مع فكرة عجز الدولة عن تحقيق الوعود الانتخابية وأن كل من يصل للسلطة لن يخدم إلا مصالحه ودائرته الضيقة.
يؤكد على ذلك فخرالدين بن محمد، (شاب يبلغ 23 سنة من عمره)، لافتا في تصريح لـ”أفريقيا برس” إلى أنه “لم يذهب للتصويت لأنه يعلم مسبقا النتيجة ولأنه غير مهتم سوى بالهجرة (تحديدا الحرقة)”. يقول فخرالدين: “مهما كان الرئيس فإن الوضع نفسه والحديث يتكرّر.. كان من الممكن أن أذهب وأدلي بصوتي كما فعلت من قبل لكن هذه المرة لم أرغب في ذلك لأنني لم أعد اهتم و”صوتك يصنع الفارق” كذبة انتخابية لم أعد أريد تصديقها”.
في المقابل، بدت الطالبة آمال شبشوب (21 سنة) أكثر تفاؤلاً وهي “أفريقيا برس” عن أن “الانتخابات واجب وطني، حتى لو لزم الأمر نذهب للتصويت ونقدم ورقة بيضاء”. وتشدد آمال على ضرورة العمل على تنمية فكرة الواجب الانتخابي في صفوف الأطفال والأجيال الصاعدة.
وفي هذا السباق، دعت بن حوذ، خلال ندوة صحفية، إلى ضرورة وضع إستراتيجية على المدى الطويل لتوعية الشباب والعمل على تكثيف الحملات التحسيسية والتوعوية الموجهة للشباب عبر وسائل الاتصال والتواصل المختلفة قصد تعزيز الوعي بالانتخابات والمشاركة المكثفة فيها.
وتشير المبادرة العربية في دراسة حول الانتخابات التونسية وإقبال الشباب إلى أن “ثورة 2011 كانت بمثابة انتقال واعد نحو الديمقراطية، قادها شباب تصوّروا مستقبلا عادلا اجتماعيا. لكن بعد مرور عقد من الزمن، تجاوز التحول الديمقراطي الموعود إلى حد كبير هؤلاء الشباب مما أدى إلى خيبة أمل كبيرة في أوساطهم”.
ولا يتعلق الأمر باقتناع بشخصية الرئيس أو خلفيته بقدر ما هي حالة إحباط عامة، فعند سؤال أغلب الشباب الذين تحدثت “أفريقيا برس” معهم، وحتى في أوساط العائلة والأصدقاء، تكاد تكون الإجابة واحدة وهي أن قيس سعيّد “الأفضل بين المرشّحين”، حتى في ظل ما يردده الحقوقيون عن حملات قمع الحريات وسجن المعارضة، ويعتبرون أنه قام بحملة مهمة ضدّ “الفساد”. لكن ذلك لا يكفي ليكون محفّزا للذهاب إلى مركز الاقتراع والتصويت، خاصة وأن النتيجة “محسومة” على حدّ تعبيرهم.
“الحسّ الوطني” الذي يتمتع به الكهول يختلف عن “الحس الوطني” لدى الشباب الذي يفكر أغلبه في مغادرة البلاد، وهو شباب لم يعش الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي لا يمكن أن نلومه على غضبه ولا مبالاته وحتى استسلامه ومقاطعته.
ووفق نتيجة استطلاع نشرتها مؤسسة “الباروميتر العربي”، أعرب سبعة من كل عشرة تونسيين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما عن رغبتهم في الهجرة. وتظهر الأرقام الرسمية أن حوالي 40 % من الشباب التونسيين عاطل عن العمل وأكثر من نصفهم حاصل على شهادات جامعية.
الباحث في علم الاجتماع، الطيب الطويلي، أكد أن شباب الجيل الحالي في تونس يختلف عن جيل الشباب الذين أشعلوا الثورة، فقد نشأ في بيئة سياسية مشحونة بالصراعات السياسية والحزبية وتفتقر للإنجازات الحقيقية، مما جعلهم يفقدون الثقة في العملية السياسية برمتها.
وأضاف في حوار مع “أفريقيا برس”، أن ارتفاع البطالة وغياب فرص التشغيل والتهميش الاجتماعي يزيد من الشعور بالإحباط، حيث جعل الشباب يوجهون اهتمامهم نحو الهجرة إلى الخارج بحثًا عن فرص عمل أكثر استقرارًا وعدلاً. وشدد على أن الدولة لم تنجح في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلات، مما يعمق الأزمات ويبعد الشباب عن المسارات السياسية. وأكد أن عزوف الشباب عن الانتخابات بنسبة 6% يعكس خيبة أملهم، ويجب العمل على إعادة بناء الثقة من خلال تحسين ظروفهم المعيشية ومحاربة الفساد في مؤسسات الدولة.
لا شكّ في أن عزوف الشباب عن التصويت يعتبر من الأولويات أكثر منه مجرّد تخوفات، فهذا الجيل هو الذي سيكون الخزان الانتخابي في مختلف الانتخابات القادمة محلية أو تشريعية أو رئاسية.
لكن، معالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى جانب الدراسات الاجتماعية والمتابعات المختصة، توقف المعارضة عن خطابها التقليدي سواء الداعم للمقاطعة، أو الخطاب الهجومي الذي أصبح ينفّر وبعيد عن اهتمام الشارع، فمثلا تدوينة عماد الدايمي، المستشار السابق للرئيس المنصف المرزوقي، عماد الدايمي، بأن: “قيس سعيّد لا يريد أن يفهم الدرس. هناك 7 ملايين ناخب على الأقل لا يؤيدونه منهم 94% من شباب تونس. بن علي تحصل على 90% في انتخابات 2009، ولكن لم ينتهي العام إلا وانطلقت ثورة شعبية غيرت كل المعطيات”.
قد يكون حديث الدايمي، وهو أحد المرشحين الذين تم رفض ترشحهم للانتخابات الرئاسية، لكن المحكمة الإدارية في تونس قبلت استئنافهم للسماح له بالعودة إلى السباق الرئاسي، مع ذلك لم يتم قبلوهم، صحيحا فيما يتعلّق بالثورة على بن علي وعلاقة ذلك بفكرة الإحباط الاجتماعي، مع ذلك لا يشفع هذا الخطاب للمعارضة ولا يمكن أن يكون نافذة لإقناع الشارع التونسي مرة أخرى بعد أن شاهدها في البرلمان وسمعها في مختلف المنابر وعايش عدم تحقق وعودها بالمشاريع الضخمة وفرص التشغيل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس