إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. بدأ التونسيون يستقبلون عبر هواتفهم المحمولة إرساليات قصيرة تطلب منهم التثبت من مركز الاقتراع ما يعني أن هناك انتخابات على الأبواب، في وقت أصبح فيه الشارع التونسي “متشائما” من الانتخابات، وسط تساؤلات حول المزايا التنموية والاجتماعية المنتظرة منها ومن المجلس الوطني للأقاليم والجهات، الذي سيتولد عنها، وسيشكل الغرفة الرئيسية الثانية للبرلمان.
خلافا لما سبق من انتخابات لا تتّضح الصورة بشكل جليّ عند الكثير من عامة التونسيين الذين لم يستوعبوا تفاصيل هذا الاستحقاق الانتخابي وما المقصود باللامركزية ومصطلح “البناء القاعدي” الذي يتكرر كثيرا هذه الأيام في الإذاعات والحوارات السياسية.
تعوّد التونسيون على انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية، ورقة توضع في صندوق بعد أن يختار الناخب الشخص أو الحزب الذي سيعطيه صوته، لكن هذا الاستحقاق يبدو مختلفا ومساره معقدا.
العملية ستطلق من 2155 دائرة انتخابية وستتم وفقا لنظام الاقتراع على الأفراد، وعلى دورتين على غرار الانتخابات التشريعية، لاختيار 279 عضوا يمثلون المجالس المحلية على مستوى العمادة.
وبحسب المرسوم المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، تعتبر كل عمادة (أصغر قسم إداري) دائرة انتخابية، تنتخب ممثلا واحدا عنها، ويتم اختيار المجلس الجهوي عبر القرعة بين أعضاء المجلس المحلي. أما مجلس الإقليم فيتم الترشح له من الأعضاء المنتخبين في المجالس الجهوية، وكل مجلس جهوي ينتخب ممثلا واحدا له بمجلس الأقاليم والجهات (الغرفة الثانية في البرلمان).
وهذه العملية القائمة على التصعيد من الأسفل إلى الأعلى على مراحل، هي ما يعرف بالبناء القاعدي.
ويوضح المحلل السياسي التونسي نبيل الرابحي، في تصريح لموقع أفريقيا برس، إلى أنه “لا يمكن اعتبار هذه الانتخابات انتخابات حزبية باعتبار أن القانون يفرض التصويت على الأفراد يعني الأحزاب داعمة لمرشح ولا توجد قائمات تدل على انتماءات المرشحين يعني التصويت سيكون على الأفراد بالأساس”.
ووفق القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المتعلق بمجلة الجماعات المحلية تعتبر هذه الأخيرة “ذوات عمومية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتتكون من بلديات وجهات وأقاليم”. وتسيّر البلديات والجهات والأقاليم مجالس منتخبة.
ونصّ الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين للاقتراع في انتخابات المجالس المحلية على أنّ تراب البلاد التونسية يتكون من خمسة أقاليم تُضبط حدودها على النحو التالي:
الإقليم الأول: بنزرت وباجة وجندوبة والكاف.
الإقليم الثاني: تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنّوبة ونابل.
الإقليم الثالث: سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية.
الإقليم الرابع: توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة.
الإقليم الخامس: تطاوين وقابس وقبلي ومدنين.
وكان هذا التقسيم محل جدل كبير على منصات التواصل الاجتماعي وسط تباين في الآراء، بين رافض ومؤيد، إذ تساءل بعض المعلقين عن جدوى التقسيم الإداري الجديد، واعتبره آخرون “تهديدا لوحدة البلاد”، وفيما التهى الشارع التونسي عن ذلك بالبحث عن المفقود من الحاجيات الغذائية الأساسية وغرق في العودة المدرسية المكلفة، اتخذت المعارضة من هذا التقسيم ورقة جديدة للمواجهة مع الرئيس قيس سعيد وما تعتبره منظومة “25 جويلية”.
وأعلن الحزب الدستوري الحر عن اتخاذه إجراءات الطعن أمام المحكمة الإدارية في الأوامر المتعلقة بعملية الانتخابات المقبلة. وجدد الحزب في بيان تناقلته وسائل الإعلام، موقفه المبدئي بعدم الاعتراف بانتخابات أعضاء المجالس المحلية وبالتالي مقاطعتها، معتبرا أن المؤسسات التي ستنتجها باطلة لافتقادها إلى كل مقومات الشرعية والمشروعية.
ويعتزم هذا الحزب المعارض، أيضا، الطعن في كافة قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، معلنا عن تنظيم مسيرة احتجاجية يوم 15 أكتوبر القادم، وقد صدر هذا البيان قبل توقيف رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض عبير موسي.
في ذات السياق، قال عضو الهيئة التسييرية بحزب العمال عمار عمروسية إن حزبه قرر مقاطعة الانتخابات المحلية التي وصفها بأنها “خطوة متقدمة في بناء نظام هجين على الشعب التونسي سيزيد من تفتيت ما تبقى من الدولة”.
ويشرح المحلل السياسي منذر ثابت لموقع أفريقيا برس خلفيات هذا الموقف لافتا أنه “من زاوية أولى تعتبر المعارضة الراديكالية (18 أكتوبر) في نسختها الجديدة، يعني جبهة الخلاص، أن هذه الانتخابات لا معنى لها إذا ما اعتبرنا أن مرجع الشرعية بالنسبة للجبهة هي دستور 2014 بالتالي كل ما ترتب عن الدستور الجديد الذي يطلق عليه دستور الجمهورية الثالثة فهو باطل بالتالي ليست المسألة مطروحة بالنسبة إليها في مستوى بحث تفاصيل هذا الدستور وهذه المنظومة الجديدة”.
ويضيف ثابت “أما الزاوية الثانية هو على اعتبار أن المنظومة البرلمانية ضعيفة فاقدة لصلاحياتها الحقيقية ولا تقوم مقام السلطة المضادة ولا توازي ولا تقارب سلطة رئيس الجمهورية وبالتالي فالعملية الانتخابية تبدو بالنسبة لهذا الاتجاه الثاني داخل المعارضة فاقدة لكل معنى”.
وفي ذات السياق يذهب نبيل المرايحي لافتا إلى أن العديد من الأحزاب “فقدت بعد يوم 25 جويلية كل المنافع والامتيازات وكل التموقعات وطبيعة الحال ستكون مقاطعة للانتخابات ولكل المنظومة”.
وبالنظر إلى الخارطة السياسية يتضّح أن هناك أحزاب المعارضة المعروفة مثل حركة النهضة، وهناك الأحزاب التي لم تجد نفسها بعد 25 جويلية مثل التيار الديمقراطي الذي كان مع مسار التغيير ثم انقلب عليه أو مثلا من حركة الشعب الذي تحولت إلى وضعية النقد الايجابي وتركت حرية الاختيار للمشاركة في الانتخابات ولم تأخذ موقفا واضحا لكن هناك في المقابل أحزاب ستشارك في الانتخابات على قاعدة دعم الأفراد.
وفي موقف مؤيّد للانتخابات، كتبت الناشطة نوال المحمودي على صفحتها على فايسبوك أن “الانتخابات للمجالس المحلية والجهات والأقاليم فرصة تاريخية للقطع مع الماضي وبداية عهد جديد يعتمد على آرائكم ومقترحاتكم لإعادة البناء والتشييد فلا تفوتوها”.
ويبدو أن كثير من التونسيين يؤيدون موقف المحمودي أو على الأقل لا يشاركون المعارضة هواجسها وحتى مشاركتهم في الجدل حول الأقاليم الجديدة كان من باب التندر والتنفيس خاصة وأن الكثير من التونسيين غير مستوعب لكل الفكرة ولا لطبيعة هذه الانتخابات.
ويقول المرايحي “بالنسبة لملامح الانتخابات هناك تقصير من الهيئة العليا للانتخابات في التعريف بها وهناك أيضا غموض في النص الدستوري عن المقرات وعن مجلس الأقاليم والجهات وعلاقته بالبرلمان ومرورنا لنظام الغرفتين. صحيح هذا المجلس سيصادق على الميزانية فقط ومن مشمولاته التنمية ولكن هناك بعض النقاط يجب توضيحها في علاقة بالسلطة التنفيذية وبالمعتمدين والعمد”.
ويستطرد المرايحي “صحيح أن هناك بعض الغموض فيما يخص الجماعات المحلية والبلديات لكن يجب على المواطنين الانخراط في الشأن العام وكل سيدلو بدلوه فيما يخص السياسة التنموية في جهته”.
يبدو أن هذا الموقف هو الأقرب لتصور الشارع التونسي الذي فاجأ المتابعين، داخل البلاد وخارجها في مناسبات انتخابية بإقباله على انتخابات، على غير المتوقع، أو بما حققه من نتائج، من ذلك الانتخابات البلدية لسنة 2018 التي وجّه فيها الناخب صفعة للأحزاب السياسية ودعم القوائم المستقلة في رسالة شعبية كانت واضحة وعبرت عن موقف شعبي فاجأ الأحزاب والطبقة السياسية وكانت بداية الانهيار الفعلي للمنظومة الحاكمة في تونس منذ 2011.
وفي مسعى لمعرفة بعض آراء الناس في الشارع توجه موقع أفريقيا برس بالسؤال إلى السيد أحمد بن عامر، وهو موظف بمؤسسة عمومية في عقده الخامس، مقيم في العاصمة لكنه أصيل منطقة القيروان التي أصبحت وفق التقسيم الجديد ضمن الإقليم الثالث، وكان ردّه أنه لم يقرر بعد إن كان سيشارك في الانتخابات أم لا لكن الأكيد هو أنها “تجربة يجب خوضها فربما تكون بداية جيدة وإن فشلت فإنها لن تكون أسوأ مما سبقها”.
في السنوات الأخيرة أصبح الصندوق الانتخابي أداة رئيسية للشارع التونسي ليعبر عن رأيه من المنظومة السياسية الحاكمة، سواء بالمشاركة المكثفة أو بالمقاطعة. وسيكون الأمر بالمثل في انتخابات 24 ديسمبر 2023، وما سيأتي بعدها من تعليقات ومتابعة وتقييم شعبي لمجريات عمل المجالس المحلية ومجلس الأقاليم.
يقول جعفر فريعة، كبير خبراء التنمية الحضرية في البنك الدولي “لكي تنجح اللامركزية، يجب تمكين دوائر الحكم المحلي، وتدعيم قدراتها، وضمان خضوعها للمساءلة”، فهل تنجح تونس في أن تخطو خطوتها الأولى نحو اللامركزية الحقيقية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس