بقلم : حياة بن يادم
ما إن أبدى الرئيس التونسي رأيه في مسألة من مسائل الدستور، على خلفية ما صرح به رئيس كتلة النهضة نورالدين البحيري حول الحلّ في صورة اذا ما تم اسقاط حكومة الفخفاخ في اختبار منح الثقة بالبرلمان، حيث أشار إلى وجود حل دستوري آخر يجنب اعادة الانتخابات، يتمثل في سحب الثقة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومنح الثقة لرئيس حكومة جديد يشكل حكومته قبل انقضاء مدة الأربعة أشهر التي يمكن لرئيس الجمهورية بعد انقضائها حل البرلمان. بما أن صاحب السيادة الأصلية هو مجلس النواب.
حيث رد الرئيس على الموضوع بان الـفصل 89 من الدستور واضح، ومن يبحث عن سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال فهو خارج إطار الدستور لأن حكومة تصريف الأعمال هي حكومة غير مسؤولة وانبثقت من أغلبية كانت في البرلمان السابق وهي ليست موجودة اليوم. حتى انهمرت الآراء المؤيدة و المعارضة لكلا الرؤيتين من أهل الاختصاص و من غير أهل الاختصاص. و اصبحت منصات التواصل الاجتماعي عبارة على منتديات للنقاش حول تأويل قراءة النص الدستوري.
حيث نشر الأستاذ بوبكر الطيب المحامي الدولي الرد التالي:
“ليس صحيحا….لاوجود دستوريا ل”حكومة تصريف اعمال”، حكومة الشاهد لم تستقل ولم تسحب منها الثقة سابقا.ما ورد على لسان السيد رئيس الجمهورية اليوم بانه لا يمكن سحب الثقة من حكومة الشاهد وتعليله ذلك بسببين، هذا الراي لا اساس قانوني له.
برر السيد الرئيس عدم جواز سحب الثقة من حكومة الشاهد دستورا بامرين: انها حكومة تصريف اعمال وان هذا البرلمان لم يمنحها الثقة حتى يسعه سحبها منها ذلك ان ثقة حكومة الشاهد انما نالتها من البرلمان السابق.الحقيقة ان هذا الراي القانوني من السيد الرئيس غاية غاية في الهزال حتى انه لا يحتاج في الاصل الى تعليق.
السقطة الاولى للسيد الرئيس هي في مبرره الاول” هذه حكومة تصريف اعمال” والحقيقة انه لا وجود في الدستور التونسي ل “حكومة تصريف اعمال” بل حكومة وفقط. ومحاولة تبريره بعدم جواز سحب الثقة من حكومة الشاهد بناء على انها حكومة تصريف اعمال راي عدم لان حكومة تصريف الاعمال لا وجود له في الدستور اصلا.
زيادة عليه الدستور ينظم وضع الحكومة وطرق انتهاء مهمها وهي اما الاستقالة او سحب الثقة منها اما من البرلمان ( الفصل 97) او رئيس الجمهورية ( الفصل 99).
وحكومة الشاهد لم تستقل ولم يتم قبول استقالتها من قبل الرئيس، التي لم تقدمها اصلا. وطالما انها لم تستقل فانه يمكن ان تفعل ضدها اجراءات سحب الثقة وفق الفصلين 97 او 99.
اما المبرر الثاني الذي قدمه السيد الرئيس فهو مؤسف ان يصدر عن طالب قانون فضلا عن مدرسه قوله ان ثقة حكومة الشاهد من البرلمان السابق وعليه لا يحق للبرلمان الحالي سحب الثقة منها وهذا امر يفوق الغرابة فالعبرة بمؤسسة البرلمان ولا تلازم طبعا ان يكون نفس برلمان هو المانح للثقة والساحب لها. انما جعل القيد زمنيا اي لا تقديم لسحب ثقة ضد نفس الحكومة مرتين خلال السنة الواحدة.
مؤسف اخر ان السيد الرئيس ردد في موقفه ان حكومة الشاهد هي حكومة غير مسؤولة وهذا غير صحيح. فحتى لو كانت حكومة الشاهد هي فعلا حكومة تصريف اعمال، وفقا للاعراف الدستورية وليس وفقا للدستور التونسي طبعا لانه لا ينص ولا يذكر حكومة تصريف اعمال، فان حكومة تصريف الاعمال حكومة مسؤولة وتسأل على وجوه مختلفة للمساءلة مثل الاسئلة البرلمانية وو …
ولا مجال للحديث عن حكومة غير مسؤولة امام البرلمان حتى لو كانت حكومة تصريف الاعمال. التمييز القانوني بين الحكومة العادية او حكومة تصريف الاعمال من جهة المسؤولية امام البرلمان هما امران الاستقالة او سحب الثقة منها لانها ان كانت حكومة تصريف اعمال فان ذلك اما بسبب الاستقالة او سحب الثقة.
وعليه فانه يمكن ، قانونيا، تفعيل الفصل 97 ضد حكومة الشاهد طالما انها لم تقدم استقالتها وتقبل وطالما انه لم يسبق تقديم سحب ثقة ضدها خلال سنة”.
أما من بين التعليقات على منصات التواصل الإجتماعي نجد:
*”حسب الفصل 73 من دستور 2014 الرئيس يلزم يسكن في تونس العاصمة”
*” قيس سعيد أقسم أمام البرلمان السابق ، إذن لا يمكنه حل البرلمان اللاحق”
*” تسريبات عن توجيه الدعوة لنواب مجلس الشعب السابق و رئيسه محمد الناصر خلال الساعات القادمة لسحب الثقة من حكومة الشاهد”.
*”رئيس الجمهورية يعوض المحكمة الدستورية”.
في ظل عدم وجود محكمة دستورية، فإن الذي يحدث اليوم في تونس هي إزمة سياسية بامتياز، على الرغم من وجود ضبابية في تأويل قراءة النص الدستوري و نحتاج في هذه اللحظة التاريخية الى سياسيين يجيدون التعاطي مع الاشكال المطروح بعقلية التوافق على حلّ يخرج البلاد من وضعية “البلوكاج”.اما التفاسير الفقهية للدستور فهي ليست حكرا على أي شخص مهما علا منصبه. و لتجنب المزايدات في هذا الموضوع، ارى الى حين إرساء المحكمة الدستورية، الالتجاء إلى المحكمة الإدارية و إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين و الاستئناس بآراء خبراء الفقه الدستوري.
لكن مهما تعددت و تناقضت آراء السياسيين حول تأويل النص الدستوري الذي يتعلق باللحظة التاريخية التي يعيشها انتقالنا الديمقراطي، فهي دليل على مناخ الحرية الذي تتمتع به تونس دونا عن بقية الوطن العربي، وظاهرة صحية و دربة على بناء الدولة على أسس دستور الثورة، و تعتبر مؤشرات إيجابية على بداية نضج الطبقة السياسية، فإننا نحمد الله أننا نتراشق بالدستور و لا نتراشق بالبراميل المتفجرة.