بقلم: سيرين عامر قديش
أفريقيا برس – تونس. عندما أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده، يوم 17 ديسمبر كانون الأوّل سنة 2010، محتجا على تردي وضعه الاجتماعي، لم يكن يعلم أنه سيغيّر مسار شعب بل شعوب عربية أهلكها الفقر والخصاصة وتدني مستوى المعيشة. وقد تابع العالم حينها نجاح ثورة الياسمين التي انطلقت من تونس، لينسج على منوالها المصريون من قلب ميدان التحرير ثم الليبيون فاليمنيون مطلقين شعار “الشعاب يريد”.
ويرى المتابعون للوضع العام والمهتمين بالتحركات الاحتجاجية أن الإعلام كان له دور فعّال في إنجاح الثورات العربية. حيث يمكن اعتبار أن السلطة الإعلامية استمدت قوتها من الانتفاضات الشعبية، فلم يعد الصحفيون يخشون براثن القوى الحاكمة، وانضمت أقلامهم إلى أصوات المحتجين واعتلت صور الشوارع الساخنة شاشات التلفزيون.
السلطة الرابعة كانت السهم الذي أصاب قلب الأنظمة العربية التي عاشت القمع وإسكات صوت الحق. فالحرية والتعددية لم يكن لها أثراً غير الحبر الذي يُكتب في خطابات الحاكمين. وفي لحظة ما حوّل المغردون منصات التواصل الاجتماعي إلى وسيلة لنشر المعلومات والفيديوهات المباشرة، ترصد أوضاع المناطق الداخلية التي لم تصلها الكاميرا أو حتى ميكروفون سابقاً.
فما هو وضع الصحافة اليوم بعد “الربيع العربي”؟
الصحافة ما قبل الثورة
لا أحد ينكر أن جميع السلطات الحاكمة في الدول التي عاشت ثورة، كانت تهيمن وتتدخل في الإعلام، حتى أنها سجنت مئات الصحفيين وأحيانا قتلتهم، وأوقفت إصدار النشريات والصحف ولم تكن تمول غير الأبواق الناطقة والهاتفة باسم العائلة الحاكمة والموالين لها.
ففي تونس اقتصر المشهد الإعلامي على أربع قنوات تلفزيونية ونشريات لم تتجاوز العشرين عنواناً حتى الإذاعات كانت خمس محطات فقط وانحصر نشاطها على موالاة النظام. أما الصحف المعارضة كانت تخضع إلى رقابة مشددة لا تتصالح مع منتقدي الأسرة الحاكمة.
ولم يكن وضع الصحافة بالهيّن في اليمن، رغم التحولات الكبرى التي شهدها المشهد الإعلامي إبان إعلان الوحدة اليمنية سنة 1990، وبداية اندثار هيمنة الدولة على قطاع الإعلام. فقد خلقت المعارضة اليمنية مشهداً إعلامياً موازياً ساهم إلى حد كبير في تأزم الوضع السياسي.
ودعونا نعود بالذاكرة إلى التقارير التي نشرتها منظمة “مراسلون بلا حدود” قبيل انطلاق “الربيع العربي”، حيث أشارت أن البلدان العربية تحتل المراتب الأخيرة في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، خاصة سوريا واليمن والسودان مضيفة أن بعض الدول العربية تعيش تحت وطأة القمع وتقييد الحريات.
الثورة الإعلامية العربية
إبان الإطاحة بالرؤساء العرب، خاصة في تونس ومصر أصبح المشهد الإعلامي يتميز أكثر بالثراء والتنوع ومع ظهور التحركات الإسلامية واعتلاءها الحكم، برزت صحافة بديلة ولم يتردد الساسة لحظة في خلق وسائل إعلامية تعبّر عن أفكارهم وتتسارع لتعويض سنوات الحرمان وتكميم الأفواه.
كما تسارعت وسائل الإعلام لنقل الأخبار والتنافس على تقديم الأفضل، فلم تعد السلطة الرابعة رهن إشارة السلطة الأولى، فور السماح للمستشهرين بعرض خدماتهم.
ولكن، أكثر ما أعاق دور الصحفي هو التدخل السياسي في صناديق الاقتراع التي تحدد الاتجاه الجديد الذي سيسير عليه البلد. وهنا عادت بلدان الربيع العربي إلى النقطة صفر.
فللأسف بعض السياسيين العرب لا زالوا تلاميذ في المدرسة الديمقراطية، وقد يخيفهم خسارة مكانتهم السلطوية، لذا يسعون جاهدين لتحويل الوسائل الإعلامية إلى بوق دعاية. ومع اندلاع الربيع العربي أصبح لكل منهم قانونه الخاص، وتوظفت الوسائل الإعلامية الجديدة لخدمة النظام الجديد.
يقول الصحفي المصري محمد الحمامصي في مقال نشره في موقع “إيلاف”؛ أن “الصحافة في مصر لا تزال تسير على نفس النهج الذي كانت تسير عليه في ظل النظام السابق من تأليه وتقديس، وكأن الأمر مجرد استبدال أسماء نظام بآخر”.
وأشار الصحافي السوداني أحمد يوسف التاي، الذي عمل من قبل رئيساً لتحرير صحيفة “الصيحة” في مقال نشره في “العربي الجديد”؛ إنّه “غير متفائل لأيّ دور يمكن أن تلعبه الصحافة في المرحلة المقبلة لأن القائمين عليها غير قادرين على تجاوز الحواجز النفسيّة التي خلفها النظام السابق”.
كما لا يخفى تقييم الوضع الإعلامي الحالي في تونس رغم السعي إلى وضع قانون جديد للصحافة وسن المرسوم 115و116 المنظم للقطاع، إلا أن التحركات الاحتجاجية الأخيرة للصحفيين في يناير 2021 المطالبين برفع القيود عن الصحافة، تجعلنا نتبين أن الأنظمة الحالية تدرك تماما أن الصحافة لها دورٌ فعّالٌ في تغيير الوضع العام وقد تصل إلى قلب النظام كما حدث في ليبيا. لذا تتحول المساعي إلى السيطرة على المشهد الإعلامي خاصة الإعلام المحلي.
ولكن لا نستطيع إنكار أن وضع الصحافة والصحفيين في دول عربية عدة إبان الثورات قد تغير للأحسن. ورغم وجود عراقيل إلا أن الأخبار تنشر وتصل إلى أعداد كبيرة من المهتمين بالشأن العام.
من جهة أخرى، ساهمت الثورة الرقمية في خدمة القطاع الصحفي من خلال خلق وسائل إعلامية إلكترونية تنشر المعلومات بأكثر سرعة وبتفاصيل أدق.
يرى باسم الطويسي عميد معهد الإعلام الأردني، في دراسة نشرها معهد الجزيرة للإعلام، أن “بعد الربيع العربي أصبحت الصحف العربية وخاصة الإلكترونية أكثر حرفية ومصداقية”. ويضيف أن “التطور الكمي أيضا لهذه المواقع قد ساهم تدريجيا في التقليل من سياسة القمع وتقييد الحريات”.
رغم الكم الهائل من العثرات والتغيرات التي عاشتها الصحافة العربية طيلة عشر سنوات من اندلاع الربيع العربي، يرى الخبير الألماني لشؤون الشرق الأوسط، شتيفان بوخن، أن “هناك تحسنٌ في أوضاع الصحافة في دول الربيع العربي، مثل تونس ومصر والمغرب، خاصة بعد تطور الوسائل الإعلامية وتعددها”.
أخيرا، تبقى الإشكالية في أن بعض السياسيين في الأنظمة العربية أو حتى الغربية لن يتخلوا عن خلق وسائل إعلامية خاصة متحدثة باسم النظام، وتبقى مسألة الحياد والديمقراطية رهن عقلية النظام الحاكم.