المقاومة وخطة ترامب: من معادلة السلاح إلى معادلة السياسة

المقاومة وخطة ترامب: من معادلة السلاح إلى معادلة السياسة
المقاومة وخطة ترامب: من معادلة السلاح إلى معادلة السياسة

النفطي حولة، ناشط نقابي وسياسي قومي تونسي

أفريقيا برس – تونس. أولا وقبل كل شيء لا بد من وضع خطة ترامب لما يسمى السلام في سياقها الجيوسياسي والجيو استراتيجي من المحلي إلى الإقليمي إلى الدولي. وفي أي إطار تتنزل هذه الخطة؟

وللجواب على هذه الأسئلة المفاتيحية في سياق تحليلنا ورؤيتنا الشاملة لهذه الخطة المفخخة لترامب لا بد أن ندرك أنها جاءت في ظرف:

أولا: يمر فيه العدو الصهيوني بعزلة دولية لم يعشها منذ احتلال فلسطين. فحتى المستوطنين داخل الكيان المحتل باتوا يرددون شعار “إسرائيل المنبوذة”. ولعل كل العالم شاهد صورة نتنياهو، وهو يعتلي منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ليلقي كلمة دولة الاحتلال التي نقلتها كل القنوات العالمية على الهواء مباشرة وكل وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة، وهو مضطرب، ومندهش، ومرتبك، وكأنه يسترجع أمام أعينه لحظات يوم 7 أكتوبر المجيد. ذلك اليوم الذي دشنت فيه المقاومة بزعامة كتائب عزالدين القسام وكتائب سرايا القدس عملية طوفان الأقصى المباركة، التي كانت تمثل خطة استباقية هجومية في دولة الاحتلال. تمكنت من خلالها المقاومة المسلّحة من اختراق مخابرات العدو المدجج بكل أنواع تكنولوجيا التنصّت والكاميراوات دقيقة الصنع. ليس ذلك فحسب، بل يمتلك كل أنواع الأقمار الصناعية ومدعوم بأكبر القواعد العسكرية الأمريكية والبوارج المتواجدة على بعد ساعات من العدو القادرة على مساعدته في كشف كل شيء يتحرك على حدود دولة الاحتلال. وحتى الأطلسية للحلف الناتوي الأطلنطي الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني باعتباره يمثل القاعدة المتقدمة للامبريالية العالمية بزعامة أمريكا.

من هنا تصبح تلك الصورة لنتنياهو وذلك المشهد الذي تفرّج فيه كل الكون وهو على تلك الحالة من الارتباك الشديد تعبر بكل وضوح وبأكثر الأشكال مصداقية على أن هذا الكيان صار معزولا ومنبوذا حتى من المحيط الأوروبي الغربي الذي كان يمنحه القوة والمناعة.

ثانيا: وهو تعبير مكثف عن عزلة العدو التي جات في البند السابق: في ظرف يقع فيه الانقلاب الجذري لسردية العدو الصهيوني لصالح السردية الفلسطينية. وهكذا انقلب السحر على الساحر ليؤكد أن هذا العدو المحتل والمغتصب لأرض شعب فلسطين، الذي يملك الحق التاريخي في أرضه من النهر إلى البحر لصالح شعب “إسرائيل” الذي جاء من كل أصقاع الدنيا وهم شعب شذاذ الآفاق، وهو لا يملك حق الأرض أصلا. فهي أرض عربية لبني كنعان بن بني قحطان أَب عن جد أهدتها الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية لشعب اليهود باسم وعد بلفور في 2 نوفمبر 2017 أي مباشرة بعد اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا اللذان قاما بتقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية الرجل المريض في تلك المرحلة التي خرجت فيها من الحرب العالمية الأولى مهزومة ومنهكة.

ثالثا: تأكد فيه لكل شعوب العالم عنصرية ونازية وغطرسة، بل وحشية العدو الصهيوني التيس تتماهى مع طبيعته العقدية في العقيدة التوراتية. وهنا يشهد شاهد من أهلها. فهذا يوآف غالانت وزير الحرب السابق يقول ” نحن نقاتل حيوانات بشرية و نتصرف وفقا لذلك. والآخر نيسيمفتوري / نائب صهيوني يقول،” الحل الوحيد هو إحراق كل غزة بأهلها مرة واحدة” و” هدفنا محو قطاع غزة من على وجه الأرض”. أما الوزير بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الصهيوني يقول: أنه ” لا يوجد شعب فلسطيني” “وسوف نترك غزة ركاما… الجيش لن يبقي فيها حجرا على حجر”. ويزيد وزير التراث الصهيوني عميحاي إلياهو في الوحشية والسادية ليقول” يجب أن نجد طرقا أكثر ألما من الموت… القتل ليس كافيا”. ويأتي كبير الفاشيين والإرهابيين من دواعش السادية الصهيونية إيتمار بن غفير ليقول: “لن نسمح بإدخال غرام واحد من من المساعدات…غزة يجب أن تسوّى بالأرض، لا يوجد شيء اسمه أبرياء”. وتتعدّد أنواع السادية عند الصهاينة، فهذا النائب الصهيوني موشيه فيغلن يقول: “كل طفل في غزة عدو…علينا احتلال غزة حتى لا يبقى فيها طفل واحد”.

وهكذا تتماهى أقوال هؤلاء مع العقيدة اليهودية حيث تقول التوراة ” اقتلوهم جميعا حتى الرضع”. وفي هذا الإطار يقول مؤلفو كتاب ” توراة الملك وقتل الفلسطينيين” للمؤلفين: الحاخام إسحاق شابيرا و الحاخام يوسف إليتسور / ترجمة الأستاذ الفلسطيني محمود محارب: “وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب هو مجرد غيض من فيض من الأفكار المتطرفة والعنصرية والمعادية للإنسانية التي تسمم عقول الطلاب المجندين في المدارس الدينية اليهودية في مستوطنات الضفة الغربية، بالإضافة إلى حاخامات يثيرون الكراهية والعنصرية والعداء بين أتباعهم في المستوطنات أو المدارس الدينية أو خارجها تجاه الفلسطينيين. تهدف إلى تحديد موقف التوراة والشريعة اليهودية من غير اليهود أو بالعبرية (توراة الملك الغوينم)، والذي يجب على الدولة اليهودية واليهود الالتزام به والتمسك به. يصنف الكتاب البشر إلى مراتب متعددة.. ووفقا لهذا التصنيف يصنف اليهود في مرتبة أعلى، فهم، بلا حدود، أفضل من أي كائن بشري آخر. ويُعتبر اليهود هم البشر الحقيقيون الوحيدون، بينما يُعتبر غير اليهود أدنى مرتبة – أقرب إلى مرتبة الحيوانات.

لذلك، ينبغي على الدولة اليهودية واليهود اتخاذ مواقف تمييزية تجاههم، في أحسن الأحوال، أو السماح بقتلهم، أو في كثير من الأحيان، لا سيما في أوقات الحرب إلى تحديد موقف التوراة والشريعة اليهودية من غير اليهود (أو ” الغوييم ” بالعبرية)، والذي يجب على الدولة اليهودية واليهود الالتزام به والتمسك به. يُصنّف الكتاب البشر إلى مراتب متعددة. ووفقًا لهذا التصنيف، يُصنّف اليهود في مرتبة أعلى، فهم، بلا حدود، أفضل من أي كائن بشري آخر.. لذلك، ينبغي على الدولة اليهودية واليهود اتخاذ مواقف تمييزية تجاههم، في أحسن الأحوال، أو السماح بقتلهم، أو في كثير من الأحيان، لا سيما في أوقات الحرب”.

وبالتالي هذه هي القاعدة الفكرية والعقدية التي تبني عليها الحركة الصهيونية العالمية وتشرعن توحشها اللامحدود.

فهل يُتْرَك العدو المحتل المشبع بالنازية الجديدة ما بعد الهتليرية يقوم بالإبادة الجماعية الوحشية للبشر والشجر والحجر، وما هو أكثر من ذلك بربرية في عالم انقلبت فيه القيم الإنسانية، حيث غابت أو غُيِّبَتْ فيه الشرعية الدولية و مواثيقها ومعاهداتها و قوانينها لتمنع إقامة مذابح و مسالخ ومحارق للحم الفلسطيني؟ أفلا تخجل من نفسها هذه المنظومة الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تكيل بمكيالين أو أكثر؟ فهل تترك هذه المنظومة التي باتت تنظر بعيون صهيونية وترى بعيون صهيونية و تسمع بأذن صهيونية وهي لا تكاد تقرأ أيضا إلاّ الرواية الصهيونية مثل معزوفة الدفاع عن النفس”؟ فمن يدافع عمن؟ أيدافع الظالم المستبد النازي مغتصب حقوق الشعب الفلسطيني المدجج بكل أنواع الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة، والمدعوم بالقوة الأمريكية والأطلسية التي تشارك هذا الظالم المستبد نفس المعزوفة السخيفة ” الدفاع عن النفس” عن نفسه؟ هل يصبح اللامعقول في عالم اليوم معقولا بالقوة؟ فهل أصبح عالم اليوم يمشي على رأسه؟ بمعنى أصبحنا نعيش اليوم في عالم الوحوش والذئاب الكاسرة؟ يأكل القوي منا الضعيف؟ فهل انقلبت مفاهيم عالم اليوم؟

رابعا: انحياز كل شعوب العالم مع فلسطين القضية العادلة لتتشكل حول العنوان الفلسطيني و من أجل عدالة القضية الفلسطينية جبهة أممية فرضت نفسها على أمريكا وأوروبا خاصة. من هنا فرضت هذه الجبهة الشعبية الأممية على تلك الأنظمة مثل بريطانيا وفرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حل الدولتين. وهذا بالمعنى السياسي والدبلوماسي يعتبر تغييرا في المعادلة لصالح فلسطين القضية بكل المعاني.

أما السياق الذي جاءت فيه هذه الخطة الملغمة لترامب فلعلها عبرت عن نفسها في أنها:

1- لم تكن مِنّة من أحد، بل فرضتها معادلة اشتباك المقاومة و أكثر منها إرادة المقاومة، بل وإرادة قوة المقاومة والجهاد والقتال من أجل الحق. في مقابل إرادة القوة العسكرية بكل ثقلها وأنواعها مع العدو الصهيوني مدعما بأساطيل و بوارج وكل الدعم العسكري الأمريكي والغربي. تلك المقاومة التي صمدت ولازالت في الميدان باعتبارها شكلت مقاومة عنيدة لا تكلّ ولا تملّ فهي الظاهرة المعجزة في وقت انتهت فيه المعجزات. وكذلك مقاومة شعب عظيم وهو شعب الجبارين المرابط في أرض الرباط متمسكا بكل ذرة تراب على أرض غزة وفلسطين التاريخ والبوصلة.

2- جاءت في سياق الطوفان الأممي لشعوب العالم ضد الغطرسة الأمريكية والصهيونية ولحلفائها من الدول الأوروبية. تلك الدول التي فزعت في السابع من أكتوبر تذرف الدموع متباكية عمّا سموه زورا وبهتانا وقتئذ بقتل حماس “الإرهابية” للرضع و أشياء أخرى من قبيل الكذب والدجل. لتشرّع جرائم النازية الجديدة باسم شعار ” الدفاع عن النفس”.وهكذا كانت الزيارات الماراطونية للرئيس الأمريكي أولا في أول زيارة له ليقدم كل الدعم للابن المدلل ” إسرائيل” على الفور. وقد صرّح بأنه “لو لم توجد “إسرائيل” لأوجدناها”. وتلتها زيارة وزير خارجيته ليقول “جئت باسمي كوني يهوديا أولا لأدافع عن “إسرائيل”. وبعده مباشرة كل من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون و رئيس الحكومة البريطانية ليقدموا كل الدعم للكيان المحتل.

بيد أنه لم يمض عام حتى انقلبت المعادلة رأسا على عقب بفعل انتصار السردية الفلسطينية التي فرضتها شعوبهم الذين افتكوا حقهم السلمي في التظاهر بعد منعهم والتنكيل بهم. فهبوا بالآلاف و بعشرات الآلاف، بل وبمآت الآلاف لاحتلال الشارع وفضح جرائم العدو والتنديد به في وقت أصبح رئيسه نتن ياهو مطلوبا لدى محكمة الجنايات الدولية كمجرم الحرب.

وتبعا لذلك كان رد حركة حماس على خطة ترامب تحت عنوان ” السلام بالقوة” هو المحافظة أولا وقف الإبادة ضد شعب اكتوى بها طيلة عامين كاملين في ظل موازين قوى مختلة وتواطئ عربي صريح على المقاومة. ولا سيما في ظل إجماع دولي على خطة ترامب. وحرصا منها على أهل القطاع كان التنازل التكتيكي مدعوما ومشروطا بحالة الإجماع الفلسطيني من حركتي الجبهة الشعبية الجهاد الإسلامي. وهكذا في ظل صراع وجود تاريخي مع العدو المركزي والاستراتيجي للأمة العربية يتواصل الصراع و يتواصل الاشتباك. لتتحول معادلة قوة إرادة المقاومة المسلحة في مقابل إرادة القوة العسكرية إلى معادلة قوة إرادة فرض الحق بالتفاوض والمناورة والتكتيك بغاية فسح المجال لشعب بات محاصرا بالتجويع والتعطيش وصناعة الموت بكل الأنواع والطرق وحشية وعنصرية في واقع إقليمي ودولي مازالت تتحكم فيه الغطرسة الامبريالية الأمريكية. على الرغم مما يتشكل حولها وفي أطرافها من إعادة استقطاب وتوازن جديد في المعادلة الدولية.

وهكذا سنشهد في الأيام المقبلة أياما عصيبة في مفاوضات ماراطونية مليئة بالفخاخ وملغومة و موجعة ستستحضر فيها قوى الممانعة معاني الصبر الاستراتيجي. تحت عنوان يد تبني ويد تقاوم بالسياسة كما هي تقاوم بالبندقية. فهي في كل الحالات في ساحة المواجهة المفتوحة.

ومن هنا تتحول المعركة مؤقتا من معادلة الاشتباك العسكري إلى معادلة الاشتباك السياسي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here