بقلم : حياة ين يادم
على غير المنتظر، فان رئيس الجمهورية لم يستقبل الاحزاب الممثلة في البرلمان للتشاور حول الشخصية الاقدر لتكليفها بتشكيل الحكومة بل اختار المراسلة الكتابية عملا بأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 89 من الدستور واضعا الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية والتي ائتمنهم الشعب على أصواتهم، و لقطع الطريق على المفاوضات المغلقة للاحزاب صاحبة المواقف المتلونة وكأني بحال لسانه يقول هذه بضاعتكم ردّت اليكم.
تأتي هذه الخطوة لتحديد مصدر الشخصية المقترحة و هم الكتل النيابية الممثلة في البرلمان فقط و هي رسالة واضحة و مضمونة الوصول في عدم تشريك المنظمات الوطنية في اقتراح الشخصية.
بعد سقوط حكومة الجملي، شهدنا تحولا جذريا في مواقف الاحزاب فالتيار الديمقراطي اصبح مستعدا للتنازل عن مطالبه السابقة والتعامل مع قلب تونس وذلك لان الوضع حساس حيث قال عبو ” في تصريح يوم 14 جانفي 2020 “هذه مصلحة تونس بقطع النظر على المصالح الحزبية” لا ادري ماذا تغير بعد 10 جانفي لتصبح المصلحة الوطنية متقدمة على المصلحة الحزبية؟
أما حركة الشعب فالنهضة اصبحت بقدرة قادر مكون اساسي في البلاد.
اما تحيا تونس و حسب امينها العام، فإنها لا تتعامل بمنطق الاقصاء مع النهضة نافيا ان يكون التنسيق بين الاطراف الخمسة والمقصود بهم تحيا تونس و قلب تونس و حركة الشعب و كتلة الاصلاح و كتلة المستقبل هو عزل النهضة قائلا “هذه ليست فلسفتنا..نسعى فقط لتقريب وجهات النظر” كما انه اوضح انهم بصدد التشاور مع التيار وحركة الشعب على امل تقديم قائمة موحدة لرئاسة الجمهورية في الاسماء المقترحة لتشكيل الحكومة المرتقبة.
تأتي هذه المشاورات حول اسم الشخصية الاقدر لتشكيل الحكومة في ظل اجواء احتفالية باهتة بذكرى مرور 9 سنوات على الثورة والتي حذّرت الاحزاب جميعها من دقّة الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ليصلنا صوت الاتحاد بساحة محمد علي بنبرة تصعيدية وتهديدية محتكرا الثورة لنفسه حيث صرح امينها العام “و أن اتحاد الشغل هو حاضن الثورة ومؤطرها الاساسي و الدافع لها”. ربما مردّه عدم استشارته حول الشخصية المرتقبة لتشكيل الحكومة.
أما على أرض الواقع و في توقيت مستراب، و في غفلة من الشعب الذي انغمس في مواكبة مسلسل حكومة الجملي، و كذلك في غفلة من مؤسسات الدولة، و في جنح الظلام، تقوم حكومة تصريف الاعمال و دون اعلام مسبق و دون اخذ المسار الاداري الطبيعي، بحزمة من الزيادات شملت قطاعات حساسة منها الادوية و غالبية المواد الغذائية المدعمة و قطاعات اخرى و من بين الزيادات على سبيل المثال و ليس الحصر فان كلغ السكر اصبح ب 1050 م بعد ان كان 970 م. و كلغ الملح من 600 م بعد أن كان 400 م. و كلغ المقرونة 440 م بعد أن كان 410 م و القائمة تطول. فهل هذه هدية الشاهد لرئيس الحكومة القادم؟
في ظل كل هذا تعيش حدودنا حالة من التوتر حيث الهدنة المعلنة في ليبيا يتم اختراقها يوميا من طرف ميليشيات حفتر.اما حركة النهضة الحزب الاكبر في البلاد و التي اصبحت بقدرة قادر المكون الاساسي في المشهد السياسي من طرف جميع الاحزاب التي استنفرت يوم 10 جانفي 2020 لاسقاط حكومتها، فهي تعيش على وقع استقالات قيادات شبابية وازنة حيث اعلن كل من زياد بومخلة و هشام العريض استقالتهما من الحزب و الاكيد و انها من تداعيات سقوط حكومة الجملي، و انها تحمل في طياتها رسالة احتجاجية للاطراف المتصارعة داخل الجسم النهضاوي و التي يتم نشر غسيل صراعهم على مخرجات المؤتمر القادم على قنوات اعلام العار من طرف بعض قياداتها.
اما عن الشخصية المقترحة لترأس الحكومة المرتقبة، فقد رشحت بعض الاخبار ان قلب تونس و تحيا تونس و كتلة الاصلاح الوطني على قلب رجل واحد و هو قلب رضا بن مصباح وزير المنظومة القديمة وهو نفسه الذي تم عرضه سابقا على مجلس شورى حركة النهضة و الذي يتم نسج حزام سياسي له و ذلك بالتشاور مع كل من التيار و حركة الشعب كما اسلفنا سابقا.
اما التيار فيؤكد ان تكون الشخصية ذات خلفية اقتصادية و ان يكون نظيفا و لا تتعلق به شبهات فساد و هذا لا يتعارض مع ما تطمح له النهضة التي تدعو الى حكومة وطنية توافقية.
بعد “التفوريخ السياسي” الذي عشناه على وقع تشكيل حكومة الجملي، يستفيق الجميع من سكرتهم و يصبح التوافق هو الحل و ان النهضة هي المكون الاساسي للمشهد السياسي … ربما الخوف من اعادة الانتخابات ساعد البعض على التنازل على لغة التعالي و كأني بحال النهضة أحسن حالا مما كانت عليه قبل 10 جانفي 2020 في مفاوضات تشكيل حكومة الجملي، لكنها ليست باحسن حال فيما يخص مطبخها الداخلي.
و كأني بحال لسان النهضة يقول “خلّوني نتلهى في همّي” و اختاروا من شئتم فإنه خياري. مستحضرة قولة هارون الرشيد “امطري حيث شئت فخراجك لي”.