إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. أعاد تأكيد الرئيس قيس سعيّد خلال لقاء بوزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي على ثوابت الدبلوماسية التونسية ومبادئها، تسليط الأضواء على السياسة الخارجية التونسية في السنوات الأخيرة، وإلى مدى المحافظة على مبدأ الحياد و”عدم الانحياز” إلى المحاور الذي تميّزت به منذ دولة الاستقلال؟
جاء هذا اللقاء ضمن الأحداث في الشرق الأوسط وما جرى في سوريا من تطورات أفضت إلى إسقاط النظام السوري وإمساك هيئة تحرير الشام بمقاليد الحكم.
وقد أكّد سعيّد خلال اللقاء على أن “العالم اليوم يشهد تطورات متسارعة غير مسبوقة ويجب أن تكون الدبلوماسية التونسية مستشرفة لكل الأوضاع التي يمكن أن تستجدّ للذود عن مصالح تونس” التي كانت أعادت منذ سنة علاقاتها الدبلوماسية بدمشق، بعد قطيعة سنوات.
وكان سعيد انتقد حينها ضمنيا قرار الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بقطع تونس علاقاتها مع سوريا من جانب واحد، معتبرا أن “هذا القرار تجاهل تقاليد الدبلوماسية التونسية التي اختارت الحياد لفترة طويلة”.
ووفق الدبلوماسي التونسي السابق عبدالله العبيدي فإن “تونس لا تريد أن تدخل في سياسة المحاور وممثل أي قيادة لأي دولة فإن مسؤوليتها الأولى هي شعبها، أمنه ونموه وتقدمه”.
ويضيف العبيدي في تصريحات لـ”أفريقيا برس”: “نحن نرى أن الجامعة العربية، وهي المؤسسة الأساسية بهذا الخصوص، غائبة تماما أو حتى في بعض الحالات متواطئة لأن الغياب عن المسؤولية هو إخلال بالواجب وهذا ما نعيشه اليوم مع الجامعة العربية”.
منذ إرساء دولة الاستقلال، اكتسبت تونس مكانة خاصة تمنحها رؤية دولية متزايدة، وهي تنتهج تقليديا سياسة خارجية تتميز بالبحث عن الحياد والتوافق والحفاظ على علاقات جيدة مع الجميع وخاصة جيرانها.
لكن، شهدت سياسة الحياد التي تتبعها تونس منذ استقلالها حيادا عن بعض مبدئها خلال حكم الترويكا مع اصطفاف الإسلاميين إلى جانب عرّابتهم تركيا، لذلك اعتبر حينها قرار قطع العلاقات مع سوريا خطأ دبلوماسي يتعارض مع سياسة تونس الخارجية القائمة على مبدأ عدم التدخل في سياسة الدول الداخلية.
اليوم، وضمن تطورات الملف السوري تحديدا، يعود الضوء ليسلّط على السياسة الخارجية التونسية وسط تساؤلات حول كيفية تعامل النظام برئاسة قيس سعيّد مع القيادة الجديدة في سوريا وهو الذي سبق وأن “رحّب بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، معربا عن الأمل في أن يستعيد هذا البلد الشقيق عافيته ويحافظ على وحدته واستقراره ويحسم”، (2023).
منذ أحداث ما اصطلح على تسميته بـ”الربيع العربي”، بدا واضحا أن العالم يسير في اتجاه سياسة المحاور خاصة مع صعود روسيا ودورها في سوريا، ودخول تركيا على الخط من هنا وهناك. وهذا الوضع فرض على دول مثل تونس، التي تجد نفسها متورطة في صراعات دولية تلحق ضررا بسياساتها الخارجية، أن تراجع دبلوماسيتها بشكل يجعلها تمسك العصا من الوسط، فتحافظ على علاقاتها التاريخية مع الأوروبيين والأميركيين من جهة، وتتحالف مع الروس وحلفاءهم من جهة أخرى، وهو ما سعت إليه أيضا دول أخرى على غرار مصر.
وهنا ترى النائبة فاطمة المسدي، أنه “وفي ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه تونس، أصبح من الضروري رسم رؤية إستراتيجية شاملة للسياسة الخارجية، تتسم بالوضوح والاستمرارية، وتستند إلى المصالح الوطنية والقيم الإنسانية التي تسعى تونس إلى تعزيزها على الساحة الدولية”.
ويعتبر دبلوماسيون تونسيون مخضرمون، على غرار وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، أن تونس كانت دائما ذات مواقف معتدلة وسياسة خارجية تقوم على الشراكة وبالتالي من المشروع إقامة علاقات مع دول الشرق مثل دول المحور الغربي.
وفي ذات السياق يذهب عبدالله العبيدي لافتا إلى أن “تونس تفكر بإرادة جماعية مثل ما فكر بورقيبة ومثل كان يردد بدعوته للتمسك بالشرعية الدولية، لكننا اليوم حتى الشرعية الدولية لا نجيد التمسك بها… لكن “هنا نتساءل كيف يمكن لتونس أن تخرج من عدم حيادها بينما لم تستطع الدبلوماسية التونسية صياغة موقف يستند إلى الشرعية الدولية ويتماشى مع المدرسة البورقيبية في التعاطي مع الملف الفلسطيني بالقانون، هناك تخاذل لا يشجع تونس على مزيد من التقدم في هذا الملف”.
شهد أداء الدبلوماسية التونسية في السنوات الماضية تراجعا، تأثر بتوجهات الحكام السابقين وأيضا بالشغورات وبعض الفوضى الحاصلة على مستوى القنصليات والسفارات. ومعالجعة هذه الشغورات وهذا الضعف يعتبر نقطة هامة في توجهات السياسة الخارجية التونسية القادمة وجهودها الدبلوماسية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس