آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. قيّمت النائبة التونسية بثينة الغانمي في حوارها مع “أفريقيا برس”، واقع الدبلوماسية التونسية، ورأت أنها بحاجة إلى “استشراف وقراءة صحيحة للمتغيرات الدولية، وإلى مزيد من الانفتاح خلال الفترة القادمة بهدف نصرة الشعوب الحرة، ووضع يدها في يد الشعوب الضعيفة في مواجهة الفاشية الجديدة والصهيونية التي تعمل على انتهاك حرية الشعوب خاصة حرية الشعب الفلسطيني”.
وأبدت الغانمي أملها في أن “تترجم تونس دعمها للقضية الفلسطينية عبر قانون تجريم التطبيع”، لافتة في سياق آخر إلى أن “أولويات الدولة في هذه المرحلة وذلك بعد فوز الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية هو القيام بثورة تشريعية حقيقية وتعزيز الدور الاجتماعي للدولة بهدف تحسين الواقع المعيشي للتونسيين”.
وبثينة الغانمي هي نائبة بالبرلمان التونسي عن دائرة “باجة الشمالية” وتنتمي إلى كتلة الخط الوطني السيادي.
ما هي قراءتكم للسياسة الخارجية التونسية في الولاية الثانية للرئيس قيس سعيد خاصة فيما يخص الملف الفلسطيني؟
في اعتقادي، إن السياسة الخارجية التونسية اختارت توجها جديدا قائما على التنويع في العلاقات الدبلوماسية وذلك بفتح نافذة نحو الشرق دون القطع مع الغرب، وقد انعكس ذلك من خلال تبادل الزيارات بين تونس والصين وروسيا وإندونيسيا في الآونة الأخيرة، وما أثمر بدوره عن شراكة ومشاريع مشتركة، وقد لاحظنا كيف تسعى تونس إلى توطيد وتنويع علاقاتها بين مختلف دول العالم.
وبرأيي فإن الدبلوماسية التونسية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بانتهاج مبدأ الاستشراف بمعنى القراءة الصحيحة للمتغيرات والتحولات الدولية، ومراجعة مواقفها أمام هذه التغيرات خاصة في ظل تشتت القرار العربي، وتراجع دور الجامعة العربية، وأمام انتشار ظاهرة التطبيع التي تتزايد يوما بعد يوم، وهو تطبيع مع الظلم والاستبداد المكرس على جميع الشعوب الضعيفة وخاصة التطبيع مع الكيان الصهيوني الإمبريالي الفاشي الذي يريد سلب الشعوب والشعب الفلسطيني خاصة حقه في الحياة. لذلك لا بد للدبلوماسية التونسية مزيدا من الانفتاح خلال الفترة القادمة بالترويج لثقافة حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في الدفاع عن ديمقراطيتها وكرامتها، ولا بد من مناصرة الشعوب المستضعفة في العالم بأكمله والتي على رأسها الشعب الفلسطيني، لا بد أيضا من زيادة التمثيل والمشاركة في المؤتمرات المناهضة للفاشية والعنصرية والداعية للتعايش السلمي والدفع نحو استرداد الشعوب حقها في تقرير مصيرها وبناء اقتصادها وتحقيق تنميتها الشاملة.
كما نلاحظ ضعفا وفتوراً في العلاقة بدبلوماسية التنمية لذلك فإنه لزاما على الدبلوماسية التونسية أن تتجه أكثر نحو الترويج لسلعها المحلية والترويج لاقتصادها وثقافتها وسياحتها، كما نعتقد أنه إقليميا لم تكن العلاقات الدبلوماسية لتونس ونعني دول الجوار ناجحة إلى حد بعيد بل هناك سياسة حياد تم انتهاجها في الملف الليبي حيث لم تراعي تونس مصالحها في هذا الملف، لذلك تونس مطالبة بالعودة إلى هذه العلاقة وإعادة النظر فيها والاستثمار فيها أكثر اقتصاديا حيث بوسع ليبيا أن تكون شريكا مهما في الحركة الاقتصادية من خلال المساهمة في إيجاد مناطق للتبادل الحر على المستوى التجاري وتوفير السلع والمواد الأساسية.
كما أن الدبلوماسية التونسية بحاجة إلى مراجعة في علاقة بالمجال الاقتصادي والثقافي والرياضي والصحي، خاصة وقد سجلت غيابا عن عديد المحافل الدولية كالقمم الاقتصادية والصحية، ولم تشارك في القمة الأفريقية الأخيرة على سبيل المثال، وأيضا لم تكن ضمن المرشحين للدبلوماسية الرياضية نقصد بذلك الفيفا، لذلك تونس في حاجة إلى العودة إلى خارطة العلاقات الدولية ومراجعة علاقاتها وتحالفاتها خاصة مع فرنسا، وحسب رأيي كان بالإمكان استغلال ملف الهجرة غير الشرعية وهو ملف مشترك مع الدول الأوروبية واستثماره في مقاربة اقتصادية وتنموية.
وفيما يخص الملف الفلسطيني، فإن تونس لطالما تعبر في كل المناسبات والمحافل عن دعمها اللامشروط للقضية الفلسطينية، وهذا الموقف عبر عنه الرئيس قيس سعيد في أكثر من مرة، وهو موقف صادق وثابت لدعم الفلسطينيين ومساندتهم في استرجاع حقهم، كما طالبت تونس بضرورة الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعمه بالأطباء وبكل سبل المساعدة، لكن نأمل أن يترجم هذا الدعم إلى نص قانوني من خلال تجريم التطبيع.
وتبعا لكل ما أسلف ذكره، فإنه يجب وضع اليد في اليد لأجل محاربة الفاشية الجديدة التي تريد السيطرة على الشعوب بهدف تحقيق مصالحها والاستحواذ على ثرواتها، لذلك لا بد لتونس من وضع يدها مع يد الشعوب الحرة لأجل مناهضة الفاشية وإيجاد حلول لتحقيق توازن في العالم، وتجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية التونسية تذكر دائما بموقفها الداعي إلى ضرورة الحد من كل أشكال الوصاية والاستبداد واحترام سيادة الشعوب، ونحن نلاحظ أن قوى صاعدة ومنظمات مثل “بريكس” و”شنغهاي” تريد شق عصا الطاعة أمام الدول العظمى، وعلى تونس السير على خطاها لمحاربة الظلم والاستبداد في العالم والحد من استضعاف الشعوب.
كنائبة في البرلمان، هل سيرى قانون تجريم التطبيع النور أم وقع قبره استجابة لضغوط دولية؟
المبادرة التي قدمها مجموعة من النواب وتحديدا كتلة الخط الوطني السيادي هي مبادرة هدفها إرساء قانون يجرم التطبيع، وقد مرر هذا القانون في جلسة عامة بمجلس نواب الشعب وانطلقت عملية المصادقة على فصليه الأولين ثم تعطلت الجلسة ورفعت دون أن تعود إلى سيرها، وهنا تطرح أسئلة عديدة خاصة أنه هناك إرادة من المشرعين نحو التعديل في النص المقدم من قبل هذه الكتلة لما يستجيب للمجلة الجزائية وحتى لا تكون القوانين الموجودة صلب تجريم التطبيع متناقضة مع ما ورد في المجلة، ونرجو طبعا أن لا يقبر هذا القانون وأن يعود مرة أخرى إلى طاولة مجلس النواب لمناقشته مجددا.
ما هو مصير المبادرات البرلمانية المطالبة بتعديل المرسوم 54 المثير للجدل؟
من بين المراسيم التي صدرت في الفترة الاستثنائية نذكر المرسوم عدد 54 لسنة 2022، وما يحسب لهذا المرسوم أنه ورد في سياق كثرت فيه الجرائم الالكترونية مثل الابتزاز والفبركة وسرقة البيانات، ونعتقد أن الجانب المضيء في هذا القانون هو الفصول التي تتعلق بمعاقبة كل من تثبت قيامه بهذا النوع من الجرائم، لكن في المقابل فإن الفصل 24 من هذا المرسوم يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات وبخطية مالية تقدر بـ500 دينار ونستشعر هنا نوع من المظلمة خاصة مع للصحفيين، وقد أقترح بعض النواب تعديل هذا الفصل وقاموا بلائحة للتسريع في النظر في هذا التعديل إلا أن الانشغال بمناقشة قانون المالية حالت دون ذلك، وسنقوم بالتذكير بهذا المرسوم وبضرورة تعديل الفصل 24 منه بعد الانتهاء من قانون الميزانية حتى نقع إنصاف الجميع ولا يتم المس بالحريات.
ما هو تقييمكم لجهود الرئاسة في معركتها ضد الفساد؟
طبعا ملف الفساد هو من أهم الملفات التي تعيق الحركة الاقتصادية وتشل التنمية وتعرقل عملية التحول نحو الخيارات الاجتماعية للدولة خاصة أنه يمتد إلى كل القطاعات وإلى كل المجالات ويؤثر بشكل كبير على سير التنمية وتطور الاقتصاد وتحقيق النمو، ومن المؤكد حين تتواجد ملفات فساد من الضروري البحث فيها وحلها خاصة إذا كانت في علاقة بثروات البلاد وبالأموال المصادرة وبالموارد الطبيعة التي ثبت التفويت فيها، ومن شأن فتح هذه الملفات أن تساهم في تجميع قسط كبير من الثروة وتحسين التنمية، مع ذلك ملف الفساد غير كاف لتحسين الظروف الاقتصادية للبلاد.
وللإشارة فإن الفساد يمكن أن يتم مباشرة عن طريق نهب أموال الدولة ونهب مقدرات الشعب مثل الاستحواذ على أراض فلاحية أو أموال كما حدث في الرئيس الأسبق زين العابدين عهد بن علي. مظاهر الفساد يمكن أن تشمل عدة سلوكيات وهي متواجدة إلى الآن وتخل باقتصاد البلاد مثل الاحتكار والتهريب والتجارة الموازنة، كل هذا معرقل أمام تحقيق اقتصاد متكامل تنتعش به البلاد، مع ذلك فإن الفساد ليس المتسبب الوحيد في تراجع نسبة النمو وفي تدهور الاقتصاد بل هناك عوامل أخرى مساهمة في ذلك.
هل يمكن أن تؤدي تسوية ملف الفساد إلى تحقيق نتائج هامة وأن يدر على البلاد عائدات هامة يمكن استغلالها لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية؟
نعم مقاومة الفساد من شأنها أن تنعش الاقتصاد التونسي لكن لابد بالتوازي مع ذلك اعتماد الدولة على سياسة وإستراتيجيات جديدة من خلال مساعدة المؤسسات المتوسطة والصغرى على تجاوز الصعوبات التي تمر بها وإعادة الحياة للقطاعات التي تكاد تندثر كقطاع النسيج وصناعة الجلود والملابس وخلق أسواق جديدة تعرف بالسلع المحلية والتشجيع على الاستثمار وتحسين مناخه ومزيد من الاعتناء بالأراضي الفلاحية وتشجيع الشباب على بعث مشاريع خاصة.
ما هي الأولويات التي يجب على الرئيس المباشرة فيها في ولايته الجديدة لتحسين الأوضاع بالبلاد؟
نعتقد أنه من أوكد الأولويات التي يجب أن تشتغل عليها الدولة خلال الولاية الثانية للرئيس سعيد هو العمل على مراجعة التشريعات والقوانين، نحن نعلم أن الثورة التشريعية تنطلق مما تقدمه الحكومة من مشاريع قوانين لمجلس النواب إضافة إلى ما يسعى إليه البرلمان من مقترحات قوانين من شأنها أن تكون ثورية وذات علاقة بخيارات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وعلينا العمل على مراجعة العديد من القوانين مثل قانون مجلة المياه ومجلة التشغيل وخاصة مجلة الاستثمار التي تحتاجها الدولة لتغيير منحى الاقتصاد وتشجيع فرص الاستثمار ببلدنا أكثر.
لذلك نترقب الثورة التشريعية وتعزيز دور الدولة الاجتماعية في الولاية الثانية للرئيس سعيد لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وستسعى الدولة في هذه المرحلة على تحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة الجبائية ودعم المواد الأساسية، أيضا دعم منظومة الحبوب لرعاية القطاع الفلاحي القادر على تحقيق النمو للدولة ودعم نفقات الاستثمار، واستكمال المشاريع المعطلة خاصة المتعلقة بالبنية التحتية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس