بدر الدين عبد الكافي لـ”أفريقيا برس”: الحوار الإقصائي يعمّق أزمة تونس

42
بدر الدين عبد الكافي: الحوار الإقصائي يعمّق أزمة تونس
بدر الدين عبد الكافي: الحوار الإقصائي يعمّق أزمة تونس

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبر القيادي في حركة النهضة، بدر الدين عبد الكافي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “توجه السلطة نحو حوار إقصائي باستبعاد أطراف سياسية بعينها يُعدّ بمثابة تعميق لأزمة تونس”، مؤكدًا أن “هذا التوجه لا يمكن أن يعيد البلاد إلى سكة الديمقراطية والتنمية”، وفق تقديره.

وأشار إلى “ما يشوب المشهد اليوم من موت للحياة السياسية في ظل استمرار محاكمة رموز المعارضة، وغلق الفضاء العام، والتضييق على الحريات”، مؤكدًا “مواصلة الحركة نضالها السلمي والمدني من أجل إطلاق سراح قياداتها السياسية القابعة في السجون”، ورافضًا “تداول المشاكل الداخلية في الخارج، بل يستوجب تداولها فقط بين أبناء الوطن الواحد”.

وبيّن أن “الحركة ليست في قطيعة مع الرأي العام، وأن تزعزع ثقة الشارع في الحياة السياسية لا يقتصر فقط على المنظومة المحسوبة على العشرية السابقة، بل يشمل أيضًا مسار 25 جويلية، بسبب انعدام الشعور بالأمان عقب هذه المرحلة”، وبرأيه “تكمن الحلول لإصلاح الأوضاع والخروج من الأزمة في الديمقراطية والتجميع، فهذا هو الطريق الوحيد لإصلاح ما تم إفساده”، وفق تعبيره.

وبدر الدين عبد الكافي هو سياسي تونسي وقيادي بارز في حركة النهضة، وقد انتُخب بعد الثورة التونسية، في انتخابات 23 أكتوبر 2011، نائبًا في المجلس الوطني التأسيسي عن دائرة صفاقس الثانية الانتخابية، ثم نائبًا في مجلس نواب الشعب بعد انتخابات 26 أكتوبر 2014، ممثلًا عن حركة النهضة في كلا الحالتين.

ما هو تقييمكم للوضع السياسي الحالي في تونس في ظل استمرار محاكمة قيادات حركة النهضة وإغلاق مقراتها؟

يتميز الوضع في تونس بشهادة كل ملاحظ موضوعي أو سياسي متجرد من كل خلفية بأننا نشهد موتا للحياة السياسية، وذلك لانعدام مقوماتها،والتي من أهمها حرية الإعلام وغلق الفضاء أمام كل القوى الفاعلة وعدم التمكن من الوصول إلى الرأي العام، إضافة إلى التضييق على الأنشطة الحزبية المعارضة، دون أن ننسى القضايا الملفقة لغالبية أمناء الأحزاب السياسية ورؤساءها المعارضين، وأيضا لغياب قضاء مستقل وغير خاضع وغير موظف، وإضافة إلى هذا الموت للاعتبارات المذكورة، نلاحظ غلق مقرات الأحزاب وحرمانها من كل نشاط حزبي، مع تسليط سيف المرسوم 54 على المدونين والإعلاميين.

هذا الوضع مع تعداد هذه الخروقات الكبيرة وهو نتيجة طبيعية لانقلاب السلطة على الحكم في25 جويلية 2021 والتحكم في كل مفاصل الدولة وضرب كل الوسائط والهيئات التعديلية، هذا الوضع نبهت إليه حركة النهضة منذ الليلة الفاصلة ل25 جويلية و26 جويلية، عند الانقلاب على الشرعية والقطع مع الخيارات الديمقراطية، وهو بلا شك ما لا يقبله كل إنسان حر وكل إنسان عاش الثورة من أجل حياة سليمة وحرة وقابلة لتطوير كل الآراء الموجودة في تونس، واعتقال هؤلاء ومحاكمتهم أي قيادات النهضة يتنزل في هذا الإطار، الذي لم يقتصر على قيادات الحركة، بل على كل القيادات المعارضة.

في ظل الدعوات المتكررة لإطلاق سراح المساجين السياسيين، ما هي الخطوات التي تتخذها حركة النهضة لتحقيق هذا الهدف؟

إطلاق سراح المساجين هو مطلب وطني بامتياز باعتبارها مظلمة مسلطة بغير وجه حق، حركة النهضة تواصل نضالها حسب الإطار المتاح في ظل التضييقات المذكورة والمتواصلة والحرمان من الحقوق الدنيا لممارسة العمل السياسي، وخيارها هو العمل السلمي وضمن القانون للمطالبة بإطلاق سراح المساجين، وأيضا ضمن العودة للشرعية والديمقراطية القائمة على اختيار المواطن الحر عبر انتخابات حرة ونزيهة، وهذه العودة لا يمكن أن تتم إلا من خلال حوار وطني جامع لا يقصي أحدا، إضافة إلى العودة إلى الشرعية، لذلك تواصل حركة النهضة نضالها الحقوقي السلمي لرفع كل هذه المظالم الناجمة عن النهج الاستبدادي والتسلطي للسلطة.

ما هو ردكم على التقارير التي تشير إلى وجود اتصالات غير معلنة لحوار سياسي يستثني حركة النهضة؟

الحديث عن حوار إقصائي لأي طرف كان، إن وجد فهو مازال مستبعدا، وربما هذا الحديث هو مجرد أوهام أو تمنيات للذين ساندوا قيس سعيد في 25 جويلية، وهم ساندوه مراهنة على إقصاء طرف سياسي فقط وليس اقتناعا بما قام به، وبرأيي الاتجاه نحو حوار إقصائي هو تعميق لأزمة تونس، ولا يمكن أن يحقق ديمقراطية تعيد تموقع تونس في العالم الديمقراطي، ويضعها على سكة التنمية.

كيف ترون مستقبل الحوار الوطني في ظل الأزمة الحالية؟

رغم الحوار الوطني المطلوب والمشار إليه، يبدو كأنه من باب المستحيل اليوم تنظيمه، في ظل مخلفات العشرية الماضية من صراعات سياسية ومن تشبث بالأيديولجيا والمصالح الذاتية، لكنه الحل الوحيد لكل الأزمات التي يمكن أن تمر بها الشعوب والتي تسعى إلى تجاوزها.

لا يلوح في القريب الذهاب نحو الحوار بسبب تعمق الأزمة السياسية وانغلاق سلطة أمر الواقع برفضها كل الأصوات المعارضة والتي شملت حتى أصوات البرلمان، في البرلمان الحالي الغير شعبي وغير الشرعي، إضافة إلى اقتناع الجميع بمن فيهم من ساند 25 جويلية، والتدرج نحو الإقرار بأن مصلحة البلاد العليا تقتضي اليوم تجاوز هذا المسار المدمر، الذي يعمق يوما بعد آخر حالة البؤس لدى التونسيين، وتظهر تجلياته في المعاناة المتزايدة للمواطن اليوم.

ما هي رؤيتكم لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس حاليًا؟ وكيف يمكن لحركة النهضة المساهمة في ذلك؟

هذه المعاناة هي وليدة هذا التخبط السياسي وهو تأكيد لوجود أزمة اقتصادية واجتماعية، أكدتها كل المؤشرات الموجودة من خلال ارتفاع نسبة البطالة، ومن خلال تفاقم العجز التجاري مؤخرا وفق ما نشره معهد الإحصاء التونسي، مؤشرات أخرى تأكدت بعد 25 جويلية وهو النقص الحاد للمواد الأساسية، بعد عشرية الوفرة ندخل في سنوات عجاف، إضافة إلى غلاء المعيشة، وتراجع الاستثمار نتيجة الخطابات الشعبوية، واستهداف رجال الأعمال في ظل انعدام قضاء مستقل وفي ظل وجود قضاء خاضع للتعليمات.

لا شك أن الخروج من هذه الأزمة هو من خلال الديمقراطية والتجميع، هذا هو الطريق الوحيد لإصلاح ما تم إفساده، فلا تنمية بدون ديمقراطية، باعتبار أن الديمقراطية تعيد الاعتبار للمبادرة الخاصة سواء لدى أصحاب المال أو لدى الشباب والكفاءات، هذه المقدمات والقواعد الرئيسية والأرضية التي تستوجب الانطلاق في إصلاحات كبيرة من خلال الانفتاح على كل الكفاءات الاقتصادية التي تدق في الإعلام ناقوس الخطر حول الإفلاس.

وبالنسبة لدور المعارضة ومن ضمنها حركة النهضة، هو الاكتفاء بالتنبيه إلى ذلك، والرجوع إلى المقدمات الرئيسية لإصلاح الاقتصاد باعتباره محروما من كل الوسائل الممكنة التي تتيح تقديم مقترحات وبرامج، مع التأكيد أن البحث عن حلول للأزمة الاقتصادية ليست وليدة اللحظة، ففي المرحلة السابقة كان من خلال ربط الحرية التي يتمتع بها التونسيون بقضايا الاقتصاد والحلول والاستراتيجيات المطلوبة.

كيف تردون على الانتقادات الموجهة لحركة النهضة بشأن تراجع شعبيتها وعدم إجراء مراجعات داخلية؟

حركة النهضة هي عنصر ضمن المشهد السياسي العام وتخضع للتأثيرات الواقعية وليست بمعزل عنها، ولذلك نلاحظ أن الحياة السياسية باتت تشهد عزوفا كاملا باعتبار تزعزع الثقة من خلال تجربة العشرية، وأيضا من خلال انعدام الأمان بعد 25 جويلية، بنشر خطابات الكراهية، لذلك تقلص المشاركة السياسية ليس مقتصرا على الأحزاب المعارضة، يعني يمس كذلك سلطة الأمر الواقع، ولاحظنا تجليات ذلك من خلال الإقبال الضعيف على الانتخابات مؤخرا.

ضمن هذه السياقات المطلوب والهدف الرئيسي لإصلاح أو تنشيط الحياة السياسية هو العمل المشترك مع كل المقتنعين بعودة الديمقراطية واحترام المؤسسات والحقوق، هذا هو الخيار الوحيد الذي يوفر المناخ للحكم على الأحزاب، فالمشكل اليوم لا يكمن في كيف تستعيد النهضة شعبيتها، بل المشكل الرئيسي كيف تعمل النهضة اليوم من أجل عودة حياة سياسية منفتحة تضمن حقوق كل الفاعلين السياسيين، وبذلك توفر المناخ المناسب لكل المراجعات الممكنة، والمشاركة الفاعلة فيما ينفع المواطن، دون أن ننسى أنها كانت مستعدة ولا تزال لقراءة موضوعية لتجربة الحكم بعد الثورة، والوقوف على السلبيات والايجابيات دون أية عقد، لكن بشرط أن يكون تقييما شاملا يضع كل الأطراف التي كانت فاعلة في موقع السلطة والمعارضة أمام المرآة، سواء كانوا سياسيين وإعلاميين أو نقابيين أو فاعلين في المجتمع المدني، ولذلك المطلوب من الجميع أن نلتقي على طاولة لقراءة ذلك، والاتجاه نحو المستقبل وتجاوز ما تعيشه تونس اليوم.

ما هي خططكم المستقبلية لاستعادة ثقة الشارع التونسي؟

كما أشرت إليه هو العمل المشترك مع كل القوى السياسية للاجتماع على قراءة موضوعية لما سبق، والتقدم بخطاب محفز للرأي العام يحمله مسؤوليته في بناء مستقبل تونس لكن في نفس الوقت يجعله يشعر بالأمان في الانخراط بالعمل السياسي، ونحن لسنا بمعزل أو في قطيعة مع الرأي العام، نحن جزء منه نشاركه أوجاعه التي هي أوجاعنا، فالوضع الاقتصادي الحاد هو مسألة مشتركة بين كل التونسيين عموما.

ما هي إستراتيجيتكم لمواجهة ما تصفونه بـ”الحملة الممنهجة” ضد حركة النهضة وقياداتها؟ وهل هناك نية لإعادة هيكلة الحركة أو تغيير في قيادتها؟

النهضة في ظل هذا الوضع أمام تواصل التضييقات والمتابعات بعد اعتقال رئيس الحركة راشد الغنوشي لمدة ما يقارب السنتين، ثم بعد ذلك تعرض من تحمل المسؤولية بعده الدكتور منذر الونيسي إلى مظلمة كبيرة، ثم بعد ذلك اعتقال الأمين العام الأستاذ العجمي الوريمي، كل هذه المعطيات لا توفر المناخ المناسب للحديث في مثل ذلك، رغم أن الاستعدادات وصلت إلى نهايتها حتى بعد 25 جويلية، وقد شرعت اللجنة المضمونية في الإعداد للمؤتمر وضبط اللوائح الخاصة لمستقبل الحركة والتي تناولت سواء هيكلة الحزب وآفاق عمله المستقبلية أو الموضوع القيادي، وبالتالي المسائل مطروحة نظريا، لكن لم تتوفر المناخات المناسبة لتناولها داخل أوسع ما يكون من قواعد النهضة، وبقيت لدى اللجنة ولدى مجلس الشورى.

كيف تقيمون دور فرنسا والولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة السياسية في تونس، وماهو تقييمكم لتعيين بيل بزِّي سفيرا للولايات المتحدة في تونس، خاصة وأنه ينحدر من خلفية عسكرية؟

الدول والحكومات لها مصالحها في بناء علاقاتها، فلا نهتم كثيرا لمواقف دول أجنبية مثل فرنسا أو أميركا أو كيف تعين من يمثلها، شرط احترام سيادة تونس واستقلال قرارها وإرادة شعبها، وفق ما يستوجب من الالتزامات القائمة بيننا أو المعاهدات الممضاة معنا، فمواقف هذه الدول يمكن أن تكون متقلبة، لكن في الأخير نحن نلاحظ مدى التزامها بما يجمعها بتونس.

هل صحيح أن هناك عقوبات أمريكية تحضر ضد تونس بسبب سياسات الرئيس قيس سعيد؟

أميركا لها دعم معلوم لتونس، والسياسة الأميركية اليوم قائمة على تقليص النفقات بالعالم، بالتالي كل الفرضيات ممكنة. لكن بالنسبة لنا كأشخاص وطنيين ومن داخل تونس، يهمنا أن تبقى مشاكلنا الداخلية تخص التونسيين فقط وفيما بينهم. وكل تداول للأزمة الحالية يكون بين أبناء الوطن الواحد الذي يجمعه الاستعداد لمناهضة الظلم والدفاع عن حياة حرة وكريمة، ويجمعهم الخوف على مستقبل البلاد، وهو ما يتطلب منهم مواصلة النضال والعمل المشترك، رغم أننا لا ننكر أن تونس في القضايا ذات البعد الدولي، قد فقدت إشعاعها كديمقراطية ناشئة ومحترمة.

كنتم كحركة من المدافعين عن تغيير نظام بشار الأسد في سوريا، الآن وبعد أشهر من سيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني على السلطة، ماهو تقييمكم للوضع في تعاطيها مع الطوائف، والحريات وممارسة الديمقراطية؟

في الواقع الموقف مما يدور حولنا يقوم على أساس احترام اختيار الشعوب واختيار من يحكمهم، والتعاون معها على أساس الاحترام المتبادل، يهمنا الدفاع على الحرية وعلى القيم الأساسية، التي من دونها يفقد الإنسان إنسانيته ويخسر بها كرامته.

وقد كان الالتقاء مع الشعب السوري في ثورته باعتبارها رفعت نفس شعارات ثورة تونس، ثورة الحرية والكرامة، وكانت تطمح للحرية كأي شعب في العالم، والثورة السورية عادت من بعيد رغم التهجير القسري، الذي اعتمده بشار الأسد لأكثر من عشرة مليون سوري، كان مؤلما وجود سوريين في شوارع بلدان عديدة، وقتل آلاف وسجن آلاف آخرين، كل ذلك يسجل وصمة عار على الإنسانية وعلى النظام السوري ولكل من سانده.

نحن نقف مع الشعب السوري ونسعد بثورته، ونأمل أن يتجاوز كل العقبات الموجودة التي تواجه كل ثورة كما تعرضت لها الثورة التونسية على قاعدة احترام حقوق الإنسان خصوصا أن سوريا تشهد تعدد عرقي وطائفي وديني وهو وضع معقد جدا، ومؤلم أن يقع الحكم دون التحقق في حقيقة ما يحدث بالبلاد، على كل حال النظام السوري اعترف بوقوع تجاوزات، ونحن نؤكد التزامنا بقضايا كل المظلومين مهما كان دينهم وطائفتهم، وإن صح أن السلطة اعترفت بذلك فهل يعني أن هذه التجاوزات تحولت إلى سياسة دولة؟، في الواقع أنا استبعد ذلك باعتبار أن الشعب السوري مازال فرحا بالإعلان الدستوري، وأظنه لن يفرط بحرية نالها بدمه، لا نستعجل في الحكم على الأحداث الأخيرة بأنها سياسة دولة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here