بقلم : خالصة حمروني
أفريقيا برس – تونس. من محافظة سيدي بوزيد “ولاية تقع في الوسط الغربي للبلاد التونسية” بالتحديد، وبعد قرابة الشهرين من تاريخ الإعلان عن إجراءات 25 يوليو “جويلية”، اختار الرئيس قيس سعيد أن يخاطب التونسيين مساء يوم الاثنين في اجتماع شعبي مباشر.
ووسط هتافات تطالب بحل البرلمان، قال سعيد إنه جاء ليلقي كلمته “من مهد الثورة لا من مُدرجات المسرح البلدي؛ “إننا نقوم بحركة تصحيحية للانفجار الثوري”، الذي اندلع في كانون الأول ديسمبر 2010، مؤكدا أنه لا مجال للتراجع أو الحيرة أو الارتباك.
وبهذه المناسبة أعلن رئيس الجمهورية “أن العمل سيتواصل بالتدابير الاستثنائية الصادرة في 25 يوليو الماضي، وأنه تم وضع أحكام انتقالية لاعتمادها في إدارة البلاد” مشيرا إلى أنه سيتم تكليف رئيس حكومة ووضع قانون انتخابي جديد.
خطاب جديد لسعيد قدمه من مكان له رمزية تاريخية وأعلن من خلاله عن جملة من الإجراءات السياسية التي أسالت مرة أخرى الكثير من الحبر وأثارت الكثير من الجدل بين المؤيد لتصريحات رئيس الجمهورية والمشكك فيها.
“أفريقيا برس” تابعت في هذا التقرير مواقف بعض الأحزاب السياسية وآراء المنظمات الوطنية إزاء هذه التصريحات مثرية الموضوع ببعض القراءات الدستورية في هذا الشأن.
خطاب مطمئن

صرح القيادي بحزب حركة الشعب عبد الرزاق عويدات، أن “خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد في مجمله مطمئن” والمطمئن فيه “ربطه ثورة 17 ديسمبر 2010 بالإجراءات الاستثنائية ل 25 يوليو 2021” معتبراً أن هذين الموعدين هما المحدّدين لمسار الثورة، حيث أن 25 يوليو هو استكمال لما كان انطلق في 17 ديسمبر.
وبخصوص مواصلة العمل بإجراءات، أوضح عويدات أن المدخل إلى الإجراءات التي سيقوم بها سعيّد سيكون الفصل الثالث من الدّستور، الذي ينصّ على أنّ السيادة للشعب يمارسها عبر ممثّليه المنتخبين أو عن طريق الاستفتاء، والتالي فإن تحركات الرئيس تتماشى مع القانون ولا مشيبة فيها.
من جانبه ثمن حزب التحالف من أجل تونس، ما جاء في الكلمة التي ألقاها رئيس الدولة مساء الإثنين مباشرة من سيدي بوزيد، “من إيضاحات وإشارات مطمئنة بالثبات على العهد، والتزام بالمضيّ قُدُمًا في الوفاء بمطالب الشعب وتكريس سيادته وإرادته، وبقرب الإعلان عن مزيد من القرارات التي تهيئ الأرضية المناسبة لحكومة تخدم الشعب وتعمل على تحقيق التنمية العادلة في مناخ ديمقراطي يضمن الحقوق والحرّيات”.
ودعا الحزب رئيس الجمهورية، الى التعجيل بإعلان تلك القرارات وخاصة منها المرسوم المنظم للسلط، وإعلان حلّ البرلمان المعلّق، وتعديل دستور 2014 “لتنقيته من الشوائب والاخلالات” وكذلك النظام الانتخابي، ومراجعة المرسومين المنظمين للأحزاب والجمعيات.
وجدد الحزب مساندته للقرارات التاريخية التي أقرها سعيّد مؤخراً استجابة لإرادة الشعب التونسي، ودعمه للمسار الإصلاحي الذي رسمه، داعياً الوطنيين المخلصين لتونس ولشعبها إلى الوقوف مع الوطن في هذه المرحلة التي وصفها ب “التاريخية”.

زهير حمدي الأمين العام لحزب التيار الشعبي، هو الآخر أكد إن خطاب الرئيس هو بمثابة “ضبط ملامح المرحلة، في انتظار تحويل ما اعلنه الى إجراءات ملموسة”، مؤكداً أن حزبه كان قد طالب بهذه الإجراءات وبضرورة أن تتحول إلى قرارات سارية المفعول، ضمن رؤية متكاملة وواضحة ومحددة بآجال مضبوطة، على غرار الإعلان عن حلّ البرلمان نهائيا، والتعجيل بإعلان مضمون الأحكام الانتقالية والآجال سريانها.
وأكد حمدي على ضرورة تكوين حكومة انتقالية مصغّرة على ضوء الأحكام الانتقالية، وتكليفها بمهام محدّدة لإنقاذ الاقتصاد الوطني ومقاومة الفساد والحد من عبث عصابات المافيا بالأسعار وبقوت التونسيين، على أن تعلن عن برنامجها الذي يتوجب أن يقطع مع سياسات المنظومة المنهارة، ويكون بمثابة بداية مشروع تنموي وطني سيادي منتج ومستقل، يلبي مطالب التونسيين الذين طال انتظارهم.
كما أبرز ضرورة الإعلان عن فتح حوار مجتمعي حول النظام الانتخابي الجديد والتعديلات الدستورية، وكذلك مراجعة كل التشريعات ذات الصلة بالمناخ الانتخابي كقانون الأحزاب والجمعيات والإعلام ومراكز سبر الآراء.
ردة فعل قاسية

في المقابل، اعتبر القيادي بحزب تحيا تونس مصطفى بن أحمد، أن الكلمة التي وجهها رئيس الجمهورية للشعب التونسي من سيدي بوزيد، هي بمثابة “ردة فعل قاسية على الوقفة الاحتجاجية الذي انتظمت السبت الفائت بالعاصمة ضد الاجراءات التي أقرها سعيّد يوم 25 يوليو”.
وأضاف أن رئيس الدولة لم يقدم خلال هذه الكلمة الآليات الكفيلة بترجمة قراراته الجديدة على أرض الواقع، مؤكداً أن الدستور “هو وحدة متكاملة وليس قطع غيار يمكن تغييرها، ولا يمكن الأخذ ببعضه وترك البعض الآخر” على حد قوله، “في اشارة الى اعتزام سعيّد تحوير فصول في دستور 2014 واستعمال بعض فصوله الأخرى في الاجراءات المتخذة لاحقا”.
وشدد على أن “الخروج عن الدستور هو خروج عن الشرعية”، مبرزاً ضرورة انتهاج مبدأ الحوار قصد ايجاد حلول جماعية، بعيداً عن استثمار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية التي تعيشها البلاد، وفق تقديره.

وفي سياق متصل اعتبر عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري، أن خطاب رئيس الجمهورية “يبعث على القلق على مستقبل البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة لملامح توجهاته، خاصة مع إصراره على تعليق العمل بالدستور وسن أحكام انتقالية”.
وأكد الشابي أن حزبه “يرفض وصف المعارضين بالأشرار والخونة مقابل وصف الأنصار بالأخيار والوطنيين، ويرفض أن يستفرد أي شخص مهما كانت شرعيته بجميع السلط، ويرفض أيضا تعديل القانون الانتخابي أو الدستور دون حوار وطني”، منبهاً من توجه سعيّد “نحو الاستحواذ على السلط والعودة إلى الاستبداد”، وفق تقديره.
“منظمات” على الخط
تصريحات قيس سعيد في ولاية سيدي بوزيد لم تثر فقط تحفظات الأحزاب السياسية بل أثارت ايضا فضيلة عدد من المنظمات الوطنية التي طالما تابعت تطور الأوضاع السياسية عن قرب.

أولى هذه المنظمات والتي كان لها موقف من خطاب رئيس الجمهورية نذكر المنظمة الشغيلة أو بالأحرى اتحاد الشغل والذي جاء على لسان أمينه العام نور الدين الطبوبي: “انه من غير الممكن بقاء تونس لأكثر من شهرين دون سلطة تنفيذية ودون حكومة”.
وبخصوص محتوى الخطاب قال الطبوبي “فليتواصل الاختلاف في ما هو سياسي إلا أن الاقتصادي والاجتماعي لا ينتظر”.
وأوضح ان الاتحاد يطالب بالتسريع في تشكيل حكومة لأن الحكومة أمر ضروري: “السلطة التنفيذية تغطي الفراغات وتحل المشاكل”.

من جانبه قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم: ” إن خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد حول الدستور وإقرار قانون انتخابي جديد يشوبه الغموض ولايحمل رؤية واضحة حول البرنامج الذي وضعه بخصوص اعتماد هذا الدستور أو إلغاؤه كلياً أو تغيير القانون الانتخابي.
واعتبر ان الغموض الذي يشوب قرارات سعيد مؤخرا أثرت على منسوب الثقة لدى مناصري قرارات يوم 25 يوليو الماضي خاصة وأن ما أعلنه حول القانون الانتخابي يتطلب طرحاً واضحاً حول ملف تنظيم السلط التي جمعها بمجملها لديه وخاصة ما وضعه من برنامج يتعلق بتحديات الأزمة العميقة اقتصادياً ومالياً وأخلاقياً وصحياً.
ودعا جمال مسلم رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تقديم برنامج الأدنى بالخصوص واعتبر أن الحديث عن المتآمرين و’السراق’ لا يقابله أي تواجد لملفات متكاملة وجاهزة مستوفية العناصر.

رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة زغلامي ترى من جانبها “أن إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن تغيير القانون الانتخابي الذي أقصى سابقا النساء من مواقع القرار والمشهد السياسي وحظوظهن في القيادة والريادة في مجتمع ومجال رجالي بامتياز؛ خطوة جديدة غير أن خطاب الرئيس يبقى” غامض”.
وأضافت أن الخطاب الاستشرافي المعتمد على “سوف” و”سوف” حول تنظيم استفتاء واتخاذ إجراءات استثنائية لا يطمئن المجتمع الدولي ولا المدني ولا المواطنات والمواطنين خاصة في ظل إلغاء رئيس الجمهورية الأحزاب وكل ما يمكن أن يقيد سلطته وجمعه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وترأسه للنيابة العمومية.
قراءات قانونية
ولأن لأهل القانون رأي في هذا الخصوص خاصة وأن قراءتهم الدستورية لما أقدم عليه الرئيس من خطوة جديدة من شأنها أن تضع حدا للجدل القائم، استعانت “أفريقيا برس” بقراءات أستاذي القانون الدستوري: عبد الرزاق المختار ورابح الخرايفي.

أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار يرى أن إعلان رئيس الجمهورية العمل بأحكام انتقالية يؤدي آلياً إلى تعليق الدستور وإلغاء العمل به وإنهائه، دون سند دستوري، مؤكداً أن محاولة إيجاد حلول من خارج الدستور” لن تؤدي إلا تعميق المخاطر”.
وكحل لحلحلة الوضع قال المختار: “أنه لا خروج من هذه الوضعية إلا برؤية تشاركية حول خارطة طريق دستورية وسياسية للمرحلة القادمة تحظى بأوسع توافق ممكن لإيجاد حلول من داخل الدستور”.
وأضاف المختار إن الأحكام الانتقالية التي يطرحها رئيس الجمهورية تعني وضع تنظيم مؤقت للسلط العمومية، مشيراً إلى أن رئيس الدولة لم يوضح إنْ كان هذا التنظيم المؤقت سيتم عبر تعديل الدستور، وهو أمر غير ممكن إجرائيا في ظل تعليق عمل البرلمان، كما أنه غير مقبول موضوعياً ومن الناحية الدستورية باعتبار ان الفصل 80 لا يمكن من سلطة تعديل الدستور.
وأضاف أن تطبيق الفصل 80 من الدستور والمتضمن اجراءات الحالة الاستثنائية، صنع واقعاً سياسياً جديداً معتبراً إنه “بقدر ما مثل هذا الفصل حلاًّ، بقدر ما خلق مأزقاً خاصة في مسألة تكوين الحكومة وكيفية إدارة مرحلة ما بعد 25 يوليو من الناحية الدستورية”.
المختار أشار إلى أن الشكل الذي طبق به رئيس الجمهورية الفصل 80 من الدستور لإعفاء الحكومة وتعليق عمل البرلمان، مثل إشكالا بخصوص تكوين الحكومة لاحقا، وفي مدى الالتزام بدستور 2014 أو الخروج منه.

من جهته اعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي “أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد لم يميز في خطابه الأخير بين الأحكام الانتقالية والقانون المؤقت للسلط العمومية” .
وأوضح الخرايفي أن مضي الرئيس في هذه الخيارات ستمكنه من اكتساب صفة المشرع بمقتضى النص باعتبار أن القانون الجديد سيتخذ امتياز المرسوم، وبالتالي سيعمل رئيس الجمهورية على تسيير شؤون الدولة بآلية الأوامر الرئاسية التي نص عليها الدستور وآلية إصدار المراسيم.
واعتبر الخرايفي أن رئيس الجمهورية يستند في قراراته إلى الشرعية الدستورية باعتباره لم يخرج عن دستور 2014 والمشروعية الشعبية، مضيفا أن اختيار سعيد مخاطبة الشعب من ولاية سيدي بوزيد يعكس ثورية عمله.
وقال الخرايفي: “إن خطاب الرئيس كشف توجهه إلى تعديل عميق للدستور”، مضيفا أن صياغة النصوص يمكن أن تعهد إلى لجنة مضيقة تحيل مشروع عملها إلى رئيس الجمهورية الذي يعطيها صبغة المراسيم أو الأوامر الرئاسية.
وبخصوص التنقيحات الممكن إدخالها على الدستور في باب السلطة التنفيذية، بين الخرايفي بأن تغيير النظام السياسي سينهي تقسيم السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ويصبح رئيس الدولة ماسكا بالسلطة التنفيذية بمفرده بمساعدة معاونين وهو ما يعني الخروج من منطق الحكومة إلى منطق الوزراء المساعدين المسؤولين أمام رئيس الدولة.