تجاهل السلطة التونسية لدعوات الحوار الوطني

73
تجاهل السلطة التونسية لدعوات الحوار الوطني
تجاهل السلطة التونسية لدعوات الحوار الوطني

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. تتتالى في تونس دعوات الذهاب إلى حوار وطني شامل بشكل لافت في الآونة الأخيرة، بهدف الخروج من حالة الانسداد السياسي وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فيما تكتفي السلطة القائمة بالصمت متجاهلة هذه الدعوات وهذا الخيار الذي يراهن عليه طيف سياسي وشعبي واسع، بصفته الحل الأمثل لتحصين البلاد في مواجهة الأزمات المتعددة داخليا وخارجيا.

وبينما تحدث الرئيس قيس سعيد مؤخرا عن حاجة البلاد إلى “وحدة وطنية صماء”، إلا أنه لم يفتح الباب لمناقشة فرضية الذهاب إلى الحوار الوطني حتی مع الأحزاب المؤيدة لمسار 25 جويلية، ما يعني أنه لم يراجع موقفه من الأحزاب والأجسام الوسيطة التي يحملها مسؤولية تردي أوضاع التونسيين في العشرية الماضية، وبالتالي مازالت شروط الحوار غير متوفرة.

ورغم أن دعوات تنظيم الحوار تبدو بلا أفق، إلا أن الأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية في شقيها الموالي والمعارض تواصل ضغطها لأجل قبول السلطة بإجراء الحوار والعودة إلى الحلول التشاركية والتوافقية والتنحي عن إدارة وتسيير البلاد بشكل فردي وإقصائي.

وجددت حركة “مواطنون أنصار الوطن” خلال مؤتمر صحفي نظمته الأربعاء، بالعاصمة التونسية، دعوتها إلى “حوار وطني لأجل تحقيق الوحدة وتجميع مختلف الأطراف السياسية باستثناء من أجرم في حق البلاد وأثبت القضاء ذلك أو من رفض المشاركة في الحوار”.

وأوضح سهيل نمري رئيس حركة “مواطنون أنصار الوطن” في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه “رغم تعدد المبادرات الداعية إلى إجراء حوار وطني، إلا أن الحركة كانت من الأوائل التي عرضت هذه المبادرة على الرأي العام”.

وأضاف “للأسف بعض الأطراف أرادت العودة بنا من خلال هذه المبادرة إلى منطق ما قبل 25 جويلية، حيث كانت المحاصصة مستشرية، والصراع على النفوذ هو السائد في المناخ السياسي، ونحن نرفض العودة إلى ذلك”.

وبين أن “الحركة تقبل الحوار مع كل الأطراف وتتماشى مع دعوة الرئاسة في تحقيق وحدة وطنية صماء، غير أنه ترفض مشاركة الأطراف السياسية التي فشلت في إدارة الحكم، والتي تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع طيلة عقد من الزمن”.

وعلق “ما عدى ذلك، نحن لسنا في اختلاف مع أي طرف، وندعم الذهاب إلى الحوار، وكنا أول حركة من داخل مسار 25 جويلية من تدعوا وتطالب بذلك”.

وأوضح بالقول “نريد حوار قائم على مرتكزات واضحة، نرفض العودة إلى الوراء، وفي نفس الوقت لدينا القدرة على إدارة أي اختلاف، والمرحلة تقتضي إحداث تقارب في وجهات النظر وحلحلة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، كل هذا يلزمه جرأة وتنازلات، لذلك لا نستطيع الدخول في حوار راديكالي بشروط مسبقة”.

وأبدى أمله في “تفاعل السلطة مع هذه الدعوات ايجابيا باعتبار صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الوضع الجيو سياسي، وهو ما يتطلب تفعيل هذا الحوار”. مستدركا “لذلك علينا الاتفاق على قواعد وقبول تنظيم الحوار، والذهاب نحو وحدة صماء لتحصين البلاد، والعمل على النهوض بالبلاد وفق قواسم مشتركة”.

وتؤكد أوساط سياسية أن البلاد بحاجة إلى التسيير بشكل تشاركي خاصة وسط تزايد التحركات الاجتماعية في الأشهر الأخيرة، ووسط تذمر الشارع من سياسة المماطلة والوعود التي تنتهجها السلطة وعجزها عن ترجمة من ترفعه من شعارات على أرض الواقع.

ويعتقد هؤلاء أنه ليس المهم الذهاب إلى حوار لأجل التجميع فقط، بل ضرورة التعرف عن أهدافه وتصوراته وما سيطرحه من حلول لأجل تحسين الأوضاع وإنقاذ البلاد، وعدم توظيفه لهذه الدعوة بغاية العودة إلى الساحة السياسية.

ويشير المحلل السياسي باسل ترجمان في تصريح لـ “أفريقيا برس” إلى أن “الأطراف التي تتحدث وتدعو إلى إطلاق حوار شامل ومجتمعي ووحدة وطنية في الآونة الأخيرة، عليها أن توضح قبل كل شيء، ماهي أسباب دعواتها لهذا الحوار، خاصة أن الرئيس قيس سعيد قالها صراحة أنه لا يوجد مبرر للحوار”.

وأردف “كلنا نعلم أننا في مشهد سياسي ما بعد المنظومة السياسية والحزبية التي تشكلت في العشرية السابقة، والتي تؤسس لمرحلة جديدة بعيدا عن تلك المرحلة والتجربة”.

وفي تقديره فإن “السؤال المهم هو مع من سيكون هذا الحوار، وماهي غايته، خاصة أن هناك أطراف تنادي به وقد سبق لها أن افتعلت أزمات، وقد وقفت ضد كل ما جرى منذ 25 جويلية 2021، واختارت أن تصطف إلى جانب قوى سياسية لفظها الشارع التونسي، وأصبحت عاجزة عن التواجد بالمشهد”.

واستنتج بالقول “بالتالي الحوار اليوم مع هذه الأطراف هي محاولة لكي تعطي لنفسها دور مهم في المشهد السياسي، وفي اعتقادي من لفظهم الشارع، لا يمكن أن تعيدهم الحوارات إلى الواجهة السياسية من جديد”.

وسبق أن كشفت تقارير إعلامية عن نية الرئيس سعيد الذهاب إلى حوار وطني باستثناء حركة النهضة، غير أن السلطة لم تعلق عن كل ما راج عن ذلك، في خطوة تعكس تمسكه بموقفه الذي لا يرى أي أهمية للحوار في هذه المرحلة، وأن ما يعنيه بـ “الوحدة الوطنية الصماء” هو رسالة مفادها طمأنة الشارع التونسي وتقليل مخاوفه بشأن أوضاعه المعيشية، حتى لا يستجيب إلى دعوات التظاهر والاحتجاج التي من شأنها أن تزيد الضغوط على السلطة وتشوش على أدائها.

وحسب محللين، فإن تراجع دور اتحاد الشغل، المنظمة النقابية ذات الثقل بالبلد، بسبب ما يعانيه من أزمة داخلية، كان له تأثير كبير في فشل تنظيم الحوار الوطني، حيث لم يعد له دور سياسي مؤثر الذي كان يتمتع به مع الحكومات السابقة، وذلك بعد أن نجحت السلطة في تقليص نفوذه.

وفيما أشرف الاتحاد على تنظيم الحوار الوطني في 2013، لكن الأمر مختلف تماما بعد مسار 25 جويلية حيث قوبلت كل دعواته في هذا الصدد برفض السلطة التي لم تعد أي مبرر للذهاب إلى حوار، بعد نجاحها في عملية بناء المؤسسات وتحقيق الاستقرار السياسي.

ويقول صبري الزغيدي الصحفي والمحلل السياسي في حديثه مع “أفريقيا برس” إلى أن “الدعوات إلى حوار وطني تشارك فيه جميع القوى الديمقراطية ما عدى من تورط في الجرائم الإرهابية أو الانتخابية هي دعوات قديمة، وكانت منسوبة أساسا إلى اتحاد الشغل، وهي متعقلة بإصلاح المنظومة السياسية والانتخابية والوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”.

ولفت إلى أن “الاتحاد قد تقدم بمعية منظمات المجتمع المدني إلى رئيس السلطة التنفيذية بمبادرة لتنظيم حوار وطني لكن للأسف تمت مواجهة هذه الدعوات من أجل إصلاح توافقي وتشاركي بالتجاهل، وهو يعكس إصرار السلطة التنفيذية إلى حد الآن على إدارة الشأن العام بشكل انفرادي”.

وتوقع أن “يكون لهذا النهج الذي تتبعه السلطة في الحكم ” تداعيات سلبية على جميع الأصعدة خاصة في ظل تواصل انتهاك الحقوق والحريات وعلى رأسها حرية الصحافة، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهو ما يدق ناقوس الخطر”.

وخلص بالقول “على السلطة أن تتحلى بإرادة سياسية معقولة حتى تفتح يدها أمام القوى الحية بالبلاد من منظمات وأحزاب وشخصيات وطنية، للدخول إلى حوار له مخرجات تكون ملزمة على الدولة لأجل تنفيذها على كافة المستويات”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here