بقلم :خالصة حمروني
أفريقيا برس – تونس. شهدت تونس مؤخراً خروقات دستورية وحقوقية تتعلق أساساً بإصدار قرارات تتعلق بتقييد إقامة عديد الشخصيات السياسية والقضاة والمسؤولين السابقين دون قرار قضائي وأيضاً إصدار قرارات منعهم من السفر.
والملاحظ أيضا أنه ومنذ 25 يوليو الفائت، تمت محاكمة صحافيين من قبل القضاء العسكري بتهم الاعتداء على رئيس الجمهورية قيس سعيد أو على عناصر أمنية، الأمر الذي أثار قلق منظمات حقوق الإنسان وزاد من تخوفاتهم على مستقبل الحريات واحترام مكتسبات حقوق الإنسان.
وللتنبيه إلى خطورة الوضع والحد من هذه الخروقات، أصدرت عديد الجمعيات بيانات تطالب فيها معالجة الوضع وتبني سياسة جديدة بعيدة كل البعد عن المس بالحريات التي ضمنتها كل القوانين الوطنية والدولية.
رفض جماعي
النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، كانت أولى المنظمات التي أبدت قلقها مما وصفته بـ “تردي وضع الحريات في تونس”، مشيرة إلى “تصاعد وتيرة الاعتداءات والملاحقات بعد الإحالات الأخيرة على القضاء العسكري على خلفية الآراء والأفكار”. وحذّرت النقابة رفضها المطلق للمحاكمات العسكرية للمدنيين على خلفية آرائهم ومواقفهم ومنشوراتهم وتتبع الصحفيين وأصحاب الرأي على خلفية آرائهم وأفكارهم.

و بخصوص وضعية الصحفيين قال مهدي الجلاصي نقيب الصحفيين: “ان النقابة تعتبر أن الأخطاء المهنية وقضايا النشر مجالها الهيئات التعديلية للمهنة والمرسوم 115 للصحافة والطباعة والنشر”، لذلك تؤكد النقابة تمسكها بالمرسومين 115 و 116 كإطار وحيد لتنظيم المهنة، وتحمل النقابة الوطنية للصحفيين رئيس الجمهورية مسؤولية أي انتكاسة لمسار الحقوق والحريات العامة والفردية.
“جمعية مناهضة التعذيب” هي الأخرى قلقة إزاء ما تشهده البلاد من تحولات تخص حقوق الإنسان، وحسب ما ورد على لسان منذر الشارني الكاتب العام لهذه الجمعية “وضع حقوق الإنسان في تونس بـ”الخطير”، مشيراً إلى أنّ ذلك الوصف ينطلق من عدة مؤشرات، منها مسألة فرض الإقامة الجبرية ومنع السفر عن عديد الأشخاص، من بينهم قضاة وسياسيون وموظفون، دون معرفة الأسباب.
وقال الشارني إنّ الطعون التي قدمت أمام المحكمة الإدارية بغرض إيقاف تنفيذ الإقامة الجبرية انتهت بالرفض، مؤكداً مطالبة المحكمة الإدارية بإنشاء دوائر خاصة بالحقوق والحريات للنظر في “هذه القضايا الحقوقية التي تعتبر ذات طابع خاص تختلف عن القرارات الإدارية العادية”.
وأكد أنّ من بين الإشكاليات المتعلقة بالحقوق “محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وتحرك النيابة العسكرية ضد نواب وصحافيين”، مشدداً على أنّ القضاء العدلي المدني هو المتخصص في النظر في المخالفات والجرائم التي يرتكبها المدنيون.

“المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” يرى هو الآخر أنّ استمرار التضييق على الحقوق والحريات، وخاصة ما يتعلق بمسألة المحاكمات العسكرية للمدنيين، “أمر مقلق جداً بالنسبة إلى المنتدى”. وحسب ما صرح به رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى فإنه” ما يبعث على القلق محاكمة الصحافيين بعيداً عن المرسومين 115 و116 (الخاص بتنظيم الصحافة).
من جانبها، أكدت مجموعة “محامون لحماية الحقوق والحريات” في بيان لها صدر مؤخرا متابعتها “السياسة المستمرة منذ 25 يوليو الهادفة إلى تطويع الإعلام وتركيعه من خلال غلق المقرات كمقر قناة الجزيرة، وحجب موقع البرلمان الإلكتروني”. وانتقد البيان إحالة عدد من الإعلاميين مدنيا أو عسكريا بمقتضى أحكام الفصل 72 من المجلة الجزائية، بتأويل كل معارضة أو نقد لرئيس الجمهورية.

“الرابطة التونسية لحقوق الإنسان” ترى من جهتها إنّ “أكثر الانتهاكات المسجلة في تونس تتعلق بالمنع عن السفر من خلال القرارات التي تتخذها وزارة الداخلية دون قرار قضائي، وحسب ما أكده جمال المسلم رئيس الرابطة فإن قلق الرابطة يتزايد بشأن أوضاع حقوق الإنسان إثر تلقيها عشرات الشكاوى بعد 25 يوليو الفائت.
ولفت إلى أنّ “الرابطة التقت رئيس الجمهورية يوم 26 يوليو وأكدت ضرورة احترام منظومة الحقوق والحريات، فيما وعد الرئيس في عديد المناسبات بعدم المسّ بالحريات، كما أبقى على بابي الحقوق والحريات عند تعليق الدستور”. وأضاف أنه “رغم التطمينات، فإنّ الرابطة توصلت بعشرات الشكاوى المتعلقة بالمنع من السفر والوضع قيد الإقامة الجبرية”.
قلق خارجي
عبّر الاتحاد الدولي للصحفيين “الفيج” عن قلقه إزاء ما تشهده تونس من ما وصفه بتراجع الحريات لاسيما بعد اعتقال الصحفي بقناة “الزيتونة” ،عامر عياد. واعتبر”الفيج” أن ذلك يأتي في إطار سلسلة من الاعتداءات بحق الصحفيين سبق أن أدانها الاتحاد والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.
ونقل بيان للاتحاد عن أمينه العام أنتوني بيلانجي قوله: “إننا قلقون جدا بشأن الطريقة التي يتم بها اعتقال الصحفيين الذين ينتقدون السلطة ونطالب بالإفراج الفوري عن عامر عياد”.
وذكّر الاتحاد بالبيان الذي أصدرته نقابة الصحفيين التونسيين والذي عبرت فيه عن رفضها المطلق للمحاكمات العسكرية للمدنيين على خلفية آرائهم ومواقفهم ومنشوراتهم معتبرة ذلك انتكاسة لحرية التعبير وضرباً للديمقراطية.
الرفض لهذه الممارسات لم يثر قلق “الفيج” فقط على ما يبدو، بل تجاوز القلق أكثر من ذلك حتى أنه أثار حيرة الولايات المتحدة الأمريكية التي وحسب ما صرح به المتحدث باسم خارجيتها نيد برايس ” قلقة و خائبة الأمل حيال التقارير الأخيرة من تونس التي تتعلق بحرية الصحافة والتعبير واستخدام المحاكم العسكرية للتحقيق في قضايا مدنية”. وأضاف برايس في مؤتمره الصحافي “أنه من الهام أن تلتزم الحكومة التونسية بتعهداتها باحترام حقوق الإنسان كما هو محدد في الدستور التونسي وتم التأكيد عليه في المرسوم الرئاسي 117”.
“زووم” على الأحداث
قامت قوات الأمن يوم الأربعاء الماضي بإغلاق قناة الزيتونة ومن قبل أوقفت مقدم البرامج في قناة الزيتونة، عامر عياد، والنائب في البرلمان المجمّد، عبد اللطيف العلوي، بعدما انتقدا خلال حلقة تلفزيونية الرئيس، قيس سعيّد بشدة، وبعد المحاكمة تم إطلاق سراح العلوي، من قبل القضاء، لكنه يبقى على ذمة التحقيق، في حين أودع كل من عياد والحاج مبارك السجن. ومن الإيقافات نذكر أيضا إيقاف الصحفية، شذى الحاج مبارك، ومحاكمتها عسكريا.
كما سجلت في الفترة السابقة ملاحقات متتالية لمدونِين تونسيين وإحالتهم إلى القضاء العسكري بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية. وأصدر قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس في يونيو الماضي بطاقة إيداع بالسجن بحق المدون سليم الجبالي إثر شكاية تقدمت بها رئاسة الجمهورية، بعد نشره تدوينات اعتبرت مسيئة لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة.
قراءة قانونية وتوضيح

في قراءته لمدى قانونية هذه الأحداث، اعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي أن إحالة مدنيين إلى المحاكمات العسكرية بتهمة النيل من المؤسسة العسكرية أو الحط من معنويات الجيش، أمر يجيزه القانون والدستور. ولفت إلى أن الرئيس باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة مشمول بذلك باعتبار أن الإساءة له تعد إساءة للمؤسسة العسكرية وتوجب التتبع، حتى وإن كان المشتكى منه مدنيا، وفق قوله.
وأوضح الخرايفي أن مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية تنظم وتوصف جرائم كهذه، داعيا لضرورة التمييز بين حرية الرأي والتعبير، التي جاءت بها الثورة، وبين السباب وشتم رموز الدولة والتعدي على الحرمات والأعراض.
وبخصوص ما تعرضت له قناة الزيتونة يوم الأربعاء 6 أكتوبر يجدر الإشارة إلى أن عدداً من أعوان الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهايكا) وعدول تنفيذ وقوات أمن في تونس، نفذوا قرار حجز معدات البث لقناة الزيتونة الخاصة. وبحسب “الهايكا” فقد جاء قرار الحجز بعد عدة تنبيهات بإيقاف بث القناة لعدم حصولها على الإجازة القانونية ودعوتها إلى تسوية وضعيتها القانونية وبعد تسليط غرامات مالية، ولكن “دون أدنى أي تجاوب من القناة المذكورة”.