إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. سجّل المرصد الاجتماعي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقريره الشهري للتحركات الشعبية في تونس تصاعدا في وتيرة الاحتجاجات التي عكست شعورا بالضيق وعدم الرضا المجتمعي وسط مؤشّرات تدعو إلى التساؤل؛ هل تتجه تونس من جديد نحو تصاعد الحراك الاجتماعي؟
يرجع رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، تصاعد وتيرة الاحتجاجات في تونس في الفترة الأخيرة، إلى “تأخر تحقيق المطالب التي انتظرها التونسيون وتنفيذ الوعود بالتشغيل وتحقق العدالة الاجتماعية”.
وشهد شهر نوفمبر، 330 تحركا احتجاجيا أي بزيادة 10 بالمئة مقارنة بالشهر الذي سبقه، مسجلا بذلك العدد الأعلى من حيث التحركات الاجتماعية على امتداد سنة اتسمت بتراجع واضح في المطلبية مردّه حملات ووعود عنوانها الأبرز “الحملة على الفساد والقضاء على سياسة الاحتكار” التي “جوّعت” التونسيين على حد تعبير الرئيس قيس سعيّد.
مدفوعون بالرغبة في الاستقرار والقطع مع الفوضى التي شهدتها البلاد خلال العقد الماضي، خفّف التونسيون من احتجاجاتهم في الشوارع واكتفوا بالتعبير عن مواقفهم وغضبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في الفترة الأخيرة عادت التحركات تدريجيا للشوارع والساحات.
ووفق رمضان بن عمر “بالنسبة لعودة الاحتجاجات الاجتماعية نلاحظ أن المؤشر بدأ في الارتفاع بنسبة 10 بالمئة وهذا الارتفاع رغم أنه طفيف فهو متوقع بعد الخروج من فترة الانتخابات وهي فترة سمع خلالها التونسيون الكثير من الوعود التي أطلقها رئيس الدولة في علاقة بالتشغيل الهش الخدمات العمومية الصحة والتعليم والنقل وغيرها”.
وكانت المطالب العمالية العنوان الأبرز لهذه التحرّكات. وكما شكّل الوضع الاجتماعي متمثلا أساسا في تصاعد العنف في المجتمع وسوء الخدمات العمومية بدوره دافعا إلى جملة من الاحتجاجات الشعبية، التي اتخذ أغلبها من فايسبوك منصة للتعبير والاحتجاج.
ويرصد التقرير تصاعدا تدريجيا في مستوى التحركات الاجتماعية، حيث شهدت مناطق مختلفة من البلاد خلال شهر أكتوبر 300 تحرك احتجاجي، وقد بلغ العدد في شهر سبتمبر 273 تحركا في شهر سبتمبر و234 تحركا خلال شهر أوت.
وفي شهر نوفمبر 2024، بلغت التحركات المنددة بالعنف والاعتداءات 126 تحركا، وهو ما يمثل نسبة 38% من المجموع العام للتحركات المرصودة باختلاف أشكالها. وأبرزها احتجاجات الأساتذة والمعلمون في أكثر من جهة على العنف الذي يتعرضون له سواء داخل المؤسسات التربوية أو خارجها، حتى أن حملة تنمر على أحد الأساتذة انتهت بانتحاره وانتظم على خلفيتها تحركات بساعتين في صفوف الأساتذة والتلاميذ في جميع ولايات البلاد.
جاءت التحركات المرتبطة بالمطالب المهنية في مرتبة ثانية خلال شهر نوفمبر بـ 62 تحركا. ورفعت خلالها مطالب بتسوية الوضعية المهنية للعمال والموظفين، وبتحسين ظروف العمل، وصرف المستحقات من أجور ومنح وتعويضات متخلدة، كما احتج العمال على الانتهاكات التي يتعرضون لها داخل مواقع العمل وجددوا مطالبهم بالتسريع في تنفيذ الاتفاقيات العالقة.
وكان للفلاحين نصيبا من الاحتجاجات بالتزامن مع حلول موسم جني الزيتون وما صاحبه من جدل حول أسعار زيت الزيتون. فقد شهد عدد من المدن المنتجة للزيتون احتجاجات وغضب وعدم رضا في صفوف الفلاحين بعد تدني أسعار تداول الزيتون والزيت نتيجة عدم الاستعداد الجيّد.
وعلى غرار الأشهر السابقة تتواصل تحركات الدكاترة وحاملي الشهائد العليا المعطلين عن العمل للمطالبة بحقهم في التشغيل. وتحركات القيمين والمرشدين وأعوان المخابر وعمال المناولة والمتعاقدين للمطالبة بوضع حد لحالة الهشاشة التي يعيشونها بعد أن تم التعهد من قبل أعلى هرم السلطة بالقطع معها وتسوية وضعياتهم المهنية.
وتتواصل تحركات منظمات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين، تنديدا بمحاولات تكميم الأفواه وسجن المعارضين والصحافيين. وتم تنظيم وقفات مساندة وطالبة بإطلاق سراح الموقوفين والمضي قدما في محاكمة القابعين في السجون دون تطور في ملفات القضايا المرفوعة ضدّهم.
واللافت في التقرير أن التحركات عادت إلى العاصمة تونس بعد أن خفتت وتيرتها لمدة، باستثناء بعض المظاهرات التي أعلن عنها خلل فترة الانتخابات ولم يكن لها صدى لافت.
واحتلت العاصمة صدارة الولايات الأكثر احتجاجا بـ44 تحركا. مع تسجيل انخراط لكل مناطق البلاد تقريبا في موجة الاحتجاج التي شهدها الشهر.
ويوضح رمضان بن عمر أن “الفاعلين الاجتماعيين يطالبون اليوم بتجسيم الوعود. لذلك رأينا جرأة في الخروج والاحتجاج من قبل فئات اجتماعية مختلفة تلقت وعود صريحة بإيجاد حلول لملفاتهم ومطالبهم”.
يخلص التقرير إلى أنه مع تواصل حالة عدم الرضا والغضب والسخط التي بدت واضحة في أشكال التحركات الاجتماعية المسجلة خلال شهر نوفمبر، يحافظ العنف على نفس ملامح التشدد والرغبة في التشفي ومن ذلك نرى أنه يرتبط في أسبابه الدافعة بالاعتداء والسرقة والترهيب والانتقام والتحرش والاعتداء في الفضاءين العام والافتراضي.
وهذا الوضع يعتبر من أبرز أسباب الانفجار الاجتماعي، الذي تسعى الحكومة إلى مواجهته بحلول مؤقتة واستمرار في إطلاق وعود ضمن سياسة لن تكون نتيجتها جيّدة على المدى المتوسّط خاصة وأن الحملة على الفساد التي يقوّي بها النظام حججه ويخفّف بها الغضب الاجتماعي.
يشير خبراء إلى أن الحملة على الفساد لم تقدّم إلى حد الآن نتائج ملموسة أفادت المواطن على أرض الواقع من حيث التخفيض في الأسعار أو القضاء على الاحتكار أو توفير المواد المفقودة بل بالعكس، بدأ المواطن يستشعر خطرا قادما بعد تحول البلاد إلى دولة جبائية بامتياز كما أن صار هناك شبه اقتناع بأن الدولة تسير في طريق إلغاء الدعم ولكن بطريقة غير مباشرة.
الزيت المدعم مثلا مازال غير متوفر وبالتالي المواطن مضطر لشراء ما يتوفر وبأسعار غالية، أيضا الحليب مع كل أزمة يغيب فيها عن السوق يعود وقد ارتفع سعر اللتر، وبالمثل حصل مع الأرز وحتى الخبز صار يتوفر بالوقت ومن فاته طابور الصباح يضطر لشراء الخبز غير المدعّم، وغير ذلك كثير من المواد الغذائية والخضر والغلال التي صار يفتقدها التونسي، وقد تسبب الغلاء في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف التجار وبصفة خاصة الجزارين فعدم إقبال المواطنين على شراء اللحوم الحمراء أدى إلى إفلاس الكثير منهم فغير بعضهم مجال عمله واضطر آخرون إلى إغلاق محلاتهم.
وفي هذا السياق يخلص رمضان بن عمر لافتا إلى أن “منسوب الحراك الاجتماعي يزيد وبدأ يغادر فترة الجزر والتراجع التي مر بها. ارتفاع منسوب جرأة المواطنين في التعبير على مطالبهم سيجعلنا نتوقع الفترة القادمة نسقا أكبر للاحتجاجات الاجتماعية ولو بشكل طفيف”، وهو أمر يرفع درجة الحذر في البلاد في ظلّ الأوضاع الأمنية الدولية وما شهدته سوريا والتي سيكون لها أثرها على الوضع في تونس على المدى القادم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس