تعديل القانون الانتخابي قبل الانتخابات الرئاسية: توسيع الفجوة بين السلطة والمعارضة في تونس

84
تعديل القانون الانتخابي قبيل الرئاسيات يعمق الفجوة بين السلطة والمعارضة في تونس
تعديل القانون الانتخابي قبيل الرئاسيات يعمق الفجوة بين السلطة والمعارضة في تونس

أفريقيا برس – تونس. أثار مصادقة البرلمان التونسي، على تعديل القانون الانتخابي قبل أيام من موعد الاقتراع الرئاسي جدلا واسعا في الشارع السياسي والشعبي التونسي بسبب سحب فصول القانون الجديد بساط مهمة مراقبة الانتخابات من تحت أقدام المحكمة الإدارية لصالح محكمة الاستئناف.

وأيد 116 نائبا تعديل القانون الذي سيتم على أساسه إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر القادم، فيما صوت ضده 12 نائبا، وتحفظ عليه 8 نواب، فيما توقع متابعون أن تزيد هذه الخطوة من تعميق الفجوة بين السلطة والمعارضة وبالتالي تأزيم المشهد السياسي أكثر.

ونقلت وسائل إعلامية عن رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة قوله إثر انتهاء عملية التصويت، إن “البرلمان استخدم صلاحياته الدستورية وهي التشريع عبر مناقشة والتصويت على مقترح تعديل القانون الانتخابي.”

ويأتي تعديل القانون أعقاب تصاعد الخلافات القانونية بين المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات حيث رفضت الهيئة قبول حكم للمحكمة الإدارية بإعادة 3 مرشحين للانتخابات الرئاسية لـ”أسباب إجرائية”، والمرشحون الثلاث الثلاثة هم أمين عام حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، والمنذر الزنايدي، وزير سابق بعهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي، مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.

لا مانع قانوني

انقسمت آراء الطيف السياسي والشعبي جراء هذا التعديل بين من أبدى تأييده له بسبب تجنيب البلد نزاعات ومعارك قانونية وانتخابية في غنى عنها، في حين اعتبرته الأصوات المعارضة محاولة لتزييف الإرادة الشعبية وحماية لحظوظ الرئيس قيس سعيد في الانتخابات عبر الاستقواء بالبرلمان في وجه خصومه ومنافسيه.

وأشار فتحي المشرقي النائب التونسي وهو من الممضين على مقترح تعديل القانون في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “الدولة التونسية هي دولة موحدة، ولا يوجد إشكال في تحييد المحكمة الإدارية وتعويضها بمحكمة الاستئناف والتي تعد أعلى محكمة في الهرم القضائي.”

وبين أنه “لا يوجد نص يمنع تعديل القانون الانتخابي”. مبررا توقيت تمريره إلى “ظهور نزاعات بشأن الاختصاص والصلاحيات بين هيئتين وظهور قضاة تفسر الأحكام وفق توجهاتها وتهدد بنسف المسار الانتخابي بعد 6 أكتوبر، وهذه من بعض العينات التي جعلت الوظيفة التشريعية تتدخل لتعديل القانون الانتخابي وتوحيد الإجراءات أمام القضاء العدلي لا غير.”

وأردف بالقول “نحن كنواب شعب ثقتنا عمياء بالقضاء بنظمه الثلاث لكن ارتأينا أنه يستوجب أن يكون النزاع بيد القضاء العدلي، وكل ذلك يعود للخلاف الصادر بين الهيئة والمحكمة الإدارية وظهور تشكيك من طرفي النزاع وهو ما نراه تهديدا لوحدة الدولة.”

وينص الفصل 46 من التعديل على أنه “يتم الطعن في قرارات هيئة الانتخابات من قبل المترشحين المقبولين من الهيئة أمام محكمة الاستئناف بتونس، وذلك في أجل أقصاه 48 ساعة من تاريخ التعليق أو الإعلام”.

أما الفصل 47، فينص على أن “يتم الطعن في القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف من قبل المترشحين المشمولين بتلك القرارات أو من قبل الهيئة أمام محكمة التعقيب في أجل 48 ساعة من تاريخ الإعلام بها”.

وبهذه التعديلات يكون قد وقع تحييد لدور المحكمة الإدارية وإقصاءها من الخوض في الشأن الانتخابي بعد أن كان من مشمولات القضاء الإداري النظر في الخلافات بين المواطنين ومؤسسات الدولة عبر جلسة يجتمع فيها 27 من القضاة.

ويؤكد مؤيدو التعديلات أنه لا مانع قانوني في تمريرها حتى يوم الانتخابات وأن توقيت التعديل يستقيم قانونيا وسياسيا خاصة لما أبدته المحكمة من عدم حيادية عبر حرصها وإصرارها على إعادة مرشحين بعينهم إلى السباق الرئاسي.

تغيير قواعد اللعبة

أحدث تعديل القانون الانتخابي انقسامات بين مؤيدي مسار 25 جويلية، وبينما رجحت أصوات عدم دستورية هذا التعديل رأى آخرون أنه من غير المسموح تغيير قواعد اللعبة الانتخابية أثناء العملية الانتخابية نفسها.

ويلفت صهيب المزريقي القيادي في حركة البعث في حديثه لـ “أفريقيا برس” إلى أنه “من ناحية المبدأ فلنكن صريحين أنه من غير المعقول تغيير قانون اللعبة ونحن داخل الملعب وفي زمن المباراة أو حتى ليلة المباراة وعليه فإن تعديل القانون الإنتخابي في هذا الظرف وفي للأسبوع الثاني من الحملة الانتخابية لا يستقيم.”

وتابع بالقول “هذا ما قاله حتى رئيس الجمهورية قيس سعيد في سنة 2019 في تصريح له وعليه كان لابد من إرجاء التعديلات إلى سنة بعد الانتخابات أو كان على النواب تناول الموضوع سنة قبل بدء الانتخابات حتى للمسؤولية التاريخية والقانونية لهم.”

ويتسق رأي المزريقي مع رأي الناشط السياسي حاتم المليكي الذي أبدى تساؤله خلال حديثه لـ “أفريقيا برس” ما إذا كان هناك طابعا استثنائيا أو إستعجاليا يستوجب خرق قاعدة ثابتة وراسخة عند الناس وهي عدم تغيير القانون الانتخابي قبل سنة من الانتخابات فما بالك خلال الانتخابات نفسها.”

ويشرح قائلا ” لم نسمع أي مس لحيادية المحكمة الإدارية من قبل المرشحين للرئاسيات والتي تحتم إجراء تعديلات من الجهات الرسمية حتى من قبل هيئة الانتخابات، من تحدث عن ذلك هم أنصار الرئيس المترشح قيس سعيد وهو ما يجرنا إلى نقطة أخرى وهي تغيير القانون الانتخابي أثناء الانتخابات لاعتبارات سياسية بالأساس.”

ويعتقد أنه “من آثار هذا التغيير هو ضربه للأمان القانوني حيث أن المبدأ المتفق عليه أن القوانين لا تطبق بأثر رجعي وخلال الانتخابات ولا يوجد داعي لتغيير قواعد اللعبة”.

وحسب المليكي فإن “الأثر الثاني لهذا التغيير هو المساس بمؤسسة عريقة من مؤسسات الدولة وهي المحكمة الإدارية، إضافة إلى المساس من نزاهة الانتخابات باعتبار أن طلب تعديل جاء من طرف سياسي لم يشمل طرف مؤسساتي أو طرف قانوني.”

واستنتج بالقول “في النهاية نحن نتحدث عن سابقة خطيرة تمس نزاهة الانتخابات ونزاهة مؤسسات الدولة، وفي تقديري لا يجوز القيام بهذه الخطوة.”

اغتيال للديمقراطية

أجمعت الأوساط المعارضة في تونس على أن تعديل قانون الانتخابات قبل أيام من السباق الرئاسي بمثابة ضرب واغتيال للديمقراطية في ظل مساعي السلطة الاستفراد بالحكم والتضييق على منافسيها وتزييف إرادة الشارع الحقيقية.

وتزامنت جلسة مناقشة تعديل القانون الانتخابي مع تظاهرة نظمها عشرات الناشطين أمام مجمع “مونبري باردو” التجاري بالقرب من مقر البرلمان، استجابة لدعوة من “الشبكة التونسية للحقوق والحريات”، وهو ائتلاف يضم جمعيات حقوقية وأحزاب ليبرالية ويسارية.

ورفع المتظاهرون لافتات تحمل شعارات مثل: “لا خوف ولا رعب.. الشارع ملك الشعب”،و”هايلة (رائعة) البلاد.. قمع واستبداد”، في الوقت ذاته، شهد محيط البرلمان إجراءات أمنية مشددة، حيث تم إغلاق جميع المنافذ والشوارع المؤدية إليه.

واختارت المعارضة النزول إلى الشارع للتعبير عن رفضها تعديل القانون وتنديدا بسياسة الخنق التي تستخدمها السلطة لضمان فوز الرئيس سعيد بولاية ثانية من خلال توظيفها هيئة الانتخابات والبرلمان لصالحها.

ويقول مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان لـ “أفريقيا برس” أن ” تمرير هذا التعديل هو أمر غريب على دولة مدنية محكومة بالقوانين ومحكومة بالهيئات ومحكومة بأسس الدولة المدنية.. لم يعرف التونسيون منذ الاستقلال انقلابا على القوانين كما نراه اليوم.”

وتساؤل ” كيف نعدل القانون أثناء العملية الانتخابية وقد قطعت خمسون بالمئة من مراحلها..كأننا نرى صراعا لمن له علوية القانون.”

ثم استدرك ” المحكمة الإدارية هي السلطة القضائية الأخيرة التي يمكن اللجوء إليها في كل نزاع إداري وقانوني وفي الخلافات الحاصلة بين الطرف المدني مقابل هيئة أو إدارة أو وزارة أو سلطة، ومن تبت نهائيا هي المحكمة الإدارية وقراراتها غير قابلة للطعن وهي نافذة ومجبرة لأي سلطة بما فيها رئاسة الجمهورية لتنفيذها.”

وفي تقديره فإن ” هذا التعديل هو محاولة للعودة بالبلد إلى الوراء، ونعتبر هذا العمل هو اغتيال حقيقي للجمهورية واغتيال لمبادئ وأركان الجمهورية خاصة في المجال القانوني لأن الدول التي تحترم الديمقراطية تقاس مدى مدنيتها بمدى احترام السلطة لتطبيق القوانين ومدى احترام السلطة للوصول المواطن إلى حقوقه.”

وأبدى أسفه ” لما نعيشه اليوم من مهزلة حقيقية والتي ستحيلنا إلى العودة إلى الوراء وتغيير صبغة الاختصاص في النظر في خلاف معين من طرف المخول له بالقانون إلى طرف آخر غير مخول له وهو القضاء العدلي وهذا خطير جدا.”

وعلق عبد الكبير بالقول “ستصبح العملية تحت الوصاية وبالتالي ستغتال الديمقراطية في تونس، واعتقد أنه من شأن ذلك أن يزيد الشكوك والطعون وعدم الاعتراف بمشروعية الانتخابات وبالنتائج للانتخابات الرئاسية المرتقبة وعلى الجميع التقاف المشهد، ونحن كمرصد تونسي للحقوق والحريات سنعمل على عدم المساس بمدنية الدولة وبمكاسب دولة الاستقلال”.

وسيضع توقيت تعديل القانوني الانتخابي مشروعية نتائج الانتخابات التي يتوقع غالبية المراقبين والمحللين فوز الرئيس سعيد بها، على المحك الأمر الذي ينذر بمزيد تعقيد المشهد السياسي بالبلد.

ويعتقد محللون أن تعديل القانون الانتخابي يعكس توجس الرئيس سعيد من نتائج الانتخابات في ظل عزوف الشارع عن الشأن العام وانشغاله بمشاغله اليومية ومتاعبه الاقتصادية، ورغم أنه مازال يحظى بالثقة وبشعبية واسعة لكن الشارع في المقابل لم يعد يكترث بوعود نخبه السياسية وبالشعارات التي تكتسح الحملات الانتخابية.

ويؤكد منذر ثابت المحلل السياسي في حديثه لـ “أفريقيا برس” إلى أنه ” لا يختلف اثنان أن قواعد اللعبة الانتخابية لا يمكن تغييرها أو المساس بها خلال السنة الانتخابية.. بل أكثر من هذا فإن مرجع النظر القضائي في علاقة الخصومات والإشكاليات الانتخابية لا يمكن أن تغير خلال العملية الانتخابية وانطلاق الحملة الانتخابية وهو ما يضع السلطة أمام خيار وحيد هدفه الحصول على تصويت مكثف يوم 6 أكتوبر القادم.”

وأضاف ” بمعنى أنه لو تمكن الرئيس قيس سعيد من الحصول على 4 ملاين من الأصوات لصالحه لكان الأمر محسوما من منطق الشرعية الشعبية المباشرة التي يمكنها أن تكون إجابة على كل من شكك أو انتقد هذه التعديلات المتواترة وفي علاقة بالمحكمة الإدارية بالخصوص ويسكت بذلك كل الأفواه حيث أن الشعب خلال تصويته المكثف قد بارك كل الإجراءات والتعديلات التي قام بها.”

وخلص بالقول ” لو نظرنا في تفاصيل القانون لوجدنا وفق الخبراء أنفسهم أنه حتى حسب الكفاءة العلمية فإن القضاء العدلي غير مؤهل للنظر في مثل هذه النزاعات وهي من اختصاص المحكمة الإدارية بالأساس”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here