بقلم : خالصة حمروني
افريقيا برس – تونس. مرة أخرى وفي حركة غير متوقعة أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد قرارات جديدة صدرت في الرائد الرسمي باسم الأمر الرئاسي عدد 117. تمثلت القرارت الجديدة في مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.
كما تضمن هذا الفصل التدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية والتدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية إضافة إلى الإقرار في مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه، وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وتولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي.
وقد لاقت هذه القرارات جدلاً واسعاً داخل الساحة السياسية وخبراء القانون الدستوري بين من اعتبره توجه نحو الحكم الفردي ومن وصف القرارت بحركة تصحيحية للمسار الديمقراطي.
التصدي لهذه القرارات “ضروري”

حركة النهضة والتي كانت أولى الأحزاب التي اعتبرت قرارات سعيد يوم 25 يوليو انقلاباً على السلطة، أكد رئيس حزبها راشد الغنوشي رفض الحركة لقرارات الأمر عدد 117 وخاصة الأمر المتعلق بإلغاء الدستور وتوجه علني نحو تفكيك الدولة.
وقالت الحركة في بيان لها صدر بهذا الشأن إنّها “ترفض بشدة تأبيد الوضع الاستثنائي وتجميع قيس سعيد لكل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية واستغلاله لفرض خيارات وإجراءات غير دستورية.
الأمر الذي صرح به علنا محمد القوماني ،عضو المكتب التنفيذي للحركة النهضة قائلاً: “بهذا القرار يصبح في وضعية الانقلاب السافر على المسار الديمقراطي ومبادئ الثورة وإنه بهذه القرارات يضيف إلى مشاكل البلاد المعقدة، مشكلة شرعية الحكم في المستقبل وهو ما يهدد وحدة البلاد ويدفعها إلى منطقة مخاطر عالية”.
حركة النهضة لم تقتصر فقط على إصدار بيان تندد فيه بخطورة الوضع بل دعت كل القوى الحية إلى: “التعالي مؤقتا عن الخلافات الجزئية وتركها للمحاسبة في الوقت المناسب والتفرغ للدفاع عن وحدة البلاد من مخاطر خطاب التقسيم الذي يستعمله رئيس الجمهورية ومن يدّعون أنهم انصاره، والدفاع عن الديمقراطية الناشئة وعن حقوقنا وحرياتنا التي يتيحها لنا القانون والوسائل المشروعة”. دعوة تبناها رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي حين نادى إلى “النضال السلمي ضد الحكم الفردي المطلق الذي قامت الثورة ضده”. وفي هذا السياق قال الغنوشي “لم يعد هناك من مجال اليوم الاّ النضال، نحن حركة مدنية و نضالنا سلمي”.
والمتابع للشأن السياسي منذ يوم الأربعاء يدرك ان هذا الوضع لا يقلق فقط حركة النهضة وأن الدعوة إلى التوحد من أجل مصلحة الوطن دعوة لم تتبناها فقط بل أصبح مطلباً شبه جماعي تنادي به الكثير من الأحزاب السياسية الأخرى.
وغير بعيد عن موقف حركة النهضة اتفقت أحزاب “التيار الديمقراطي” و “آفاق تونس” و “الجمهوري” و “التكتل” على أن الأمر الرئاسي “عدد 117” الذي أصدره رئيس الجمهورية يعد خروجاً على الشرعية وانقلاباً على الدستور الذي أقسم رئيس الدولة على حمايته ودفعا بالبلاد نحو المجهول.
وفي بيان مشترك بينهم صدر الخميس، قالت الأحزاب الأربعة: “ان رئيس الجمهورية اصبح فاقداً لشرعيته بخروجه عن الدستور وأن كل ما بني على هذا الأساس باطل ولا يمثل الدولة التونسية وشعبها ومؤسساتها وتحمله مسؤولية كل التداعيات الممكنة لهذه الخطوة الخطيرة”.
وعلى خطى النهضة سارعت هذه الأحزاب المتحدة إلى دعوة بقية الأحزاب الديمقراطية والمنظمات الوطنية “لتشكيل جبهة مدنية سياسية تتصدى لهذا الانقلاب على الدستور وتستجيب للانتظارات المشروعة للتونسيات والتونسيين”.
لا لتكوين جبهة… نعم للحوار
من جهته اعتبر حزب التيار الشعبي أن التدابير الاستثنائية لرئيس الجمهورية المضمنة بالأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021، “خطوة مهمة نحو إسقاط منظومة الفساد والإرهاب والعمالة وتفكيكها”.
ولاحظ الحزب في بيان له صدر يوم الخميس، أن هذه التدابير هي “جسر للعودة الى المسار السليم لثورة 17 ديسمبر وبناء الدولة الوطنية على أسس استقلالية القرار الوطني والديمقراطية الشعبية والعدالة الاجتماعية”.
وبخصوص الدعوة إلى العمل صفا صفا مع بقية الأحزاب للتصدي لقرارات الرئيس يرى هذا الحزب أن قرارات سعيد تتماشى مع الدستور ولم تكن ابداً انقلابية.
وخلافاً لمطلب تشكيل جبهة لعرقلة نشاط الرئيس، نادى هذا الحزب بضرورة التعجيل بتشكيل حكومة وطنية مصغرة تتولى عملية الانقاذ الاقتصادي عبر إعادة الاعتبار للقطاع العام واستعادة دور الدولة المركزي في التنمية والتشغيل وبناء اقتصاد يقوم على الإنتاج والتحكم في الواردات وإلغاء استقلالية البنك المركزي عن الدولة والقيام بإصلاحات جذرية.
وشدد الحزب على “ضرورة أن تكون هذه الاصلاحات تشاركية من خلال حوار مجتمعي يجمع كافة القوى الوطنية الحية؛ حوار يهدف إلى احترام متطلبات المرحلة لا التصدي لها.

الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي هو الاخر يرى: ” إنّ التدابير الاستثنائيّة التي اتخذها رئيس الجمهوريّة قيس سعيد والمضمنة بالأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021، هي إصلاحات سياسية مهمة كانت طالبت بها مختلف النخب السياسية وحتى البعض من معارضي الرئيس”.
ويرى المغزاوي أن الباب المتعلق بالنظام السياسي في الدستور”خطر على الدولة وأدى إلى تفكيك وحدتها وتعطيل سير دواليبها”.
وساند المغزاوي موقف التيار الشعبي الرافض لكل أشكال التصدي لقرارات سعيد لأنها قرارت مهمة ولا تتعدى إصلاحات رئيس الجمهورية، واتفق ايضا مع حزب التيار الشعبي على ضرورة أن تكون هذه التعديلات تشاركية مع القوى والمنظمات الوطنية لا تفرض بالقوة او التحريض. وتلخصت دعوة المغزاوي في تحديد آجال هذه الفترة الاستثنائية وخاصة تحديد مواعيد المحطات الانتخابية القادمة.
اختلاف القراءات
الجدل الذي صاحب ما ورد في الأمر الرئاسي عدد 117 واختلاف المواقف عبر عنه أيضا أساتذة القانون الدستوري والناشطين السياسيين الذين اختلفوا فيما بينهم في شرعية ما قام به سعيد من عدمها وهل يستدعي الوضع حقا تكوين جبهة للتصدي لهذه القرارات؟

أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أكد في هذا الخصوص “أنّ الأمر الرئاسي عدد 117 مؤرخ في 22 سبتمبر 2021 فيه ضمانات لحماية الحقوق والحريات” مؤكّدا في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك أنّه ” لا خوف على الحقوق في تونس، وخاصة منها حقوق المرأة، والحريات”، وأشار في هذا السياق إلى الفصلين 4 و20 من الأمر المذكور.
ويرى محفوظ بأنّ المشروع الحقيقي الذي يقف وراء هذا الأمر الرئاسي، الذي حدّد فيها الرئيس ”تدابير استثنائية” لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية، “هو إرساء دولة القانون والمؤسسات. وهو ما تضمنه الفصل 22 من الأمر”.
محفوظ اقترح لحلحلة الوضع توحيد الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف عوض رفضه والتصدي له.

وخلافا لموقف محفوظ يرى الناشط السياسي عبد الحميد الجلاصي إن ما قام به رئيس الجمهورية جريمة في حق الدستور وحق تونس وحق شعبها.
وقال إن اتخاذ مثل هذه القرارت يصب في اتجاه النظام الرئاسي المنفرد ولا تخدم مصلحة الوطن والاقتصاد.
وقال: “لقد تمادى سعيد في صلاحياته واخترق بذلك كل القوانين، الأمر الذي يتطلب وقوف كل الأحزاب صفا واحدا والعمل معا من أجل الدفاع عن الديمقراطية المفقودة”.