بقلم: خالصة حمروني
أفريقيا برس – تونس. جدد رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، لدى لقائه، رئيسة الحكومة، نجلاء بودن بحر الأسبوع الجاري الدعوة إلى التقشف في المال العام، ووجوب أن يشعر جميع المواطنين بأنهم معنيون بالسياسات التي تنتهجها الدولة، وفق ما أورده بلاغ لرئاسة الجمهورية.

سياسة التقشف التي تحدث عنها سعيد أكثر من مرة وضحها الخبير الاقتصادي أرام بالحاج: “هو توجه دولة ما إلى تقليص نفقاتها المالية لأنها تواجه خللا في مداخيلها، أي بمعنى أنها تلجأ إلى التقشف بهدف خفض العجز في الموازنة وعادة ما يترافق ذلك مع زيادة في الضرائب”.
وحسب تحليله فإن الدولة التي تتبع سياسة التقشف فإنها لن تعمد فقط تخفيض نفقاتها العمومية أي التوقف عن الزيادات في الأجور والحد من الانتدابات في الوظيفة العمومية، الأمرُ الذي سيتسبب في ارتفاع نسبة البطالة بل ستعمد أيضا إلى زيادة الضرائب التي تتحملها طبعا الطبقة المتوسطة وتكلفة هذا الإجراء ستكون باهظة لأن أغلب المؤسسات الصغرى والمتوسطة ستغلق أبوابها نتيجة للضغط الجبائي.
سياسة التقشف تعني أيضا التقليص في نفقات التنمية وهو ما يؤثر سلبا على الاستثمار العمومي في الجهات وبالتالي العجز عن استكمال المشاريع التنموية وهذا ما يزيد سخط المواطنين ويشجعهم على العودة للحركات الاحتجاجية و المطلبية المشطة.
جدل واسع
حسب ما صرح به بالحاج إلى موقع “إفريقيا برس” فإنه يصعب اعتماد سياسة التقشف التي دعا إليها رئيس الجمهورية “لأن تونس تشهد توازنات مالية “منخرمة” منذ سنوات”، مضيفا: “رغم أن رئيس الجمهورية حدد سياسة التقشف في المال العام إلا أن المواطنين يخافون أن تمس هذه السياسة التخفيض والتقليص في كتلة الدعم”. الأمر الذي من شأنه أن يزيد في نسبة التضخم ويؤدي لتدهور المقدرة الشرائية وبالتالي يخلق حالة احتقان شعبية.
وعلى مستوى التطبيقي أيضا، فإن ما سيترتب الآن عن اتباع سياسة التقشف سيكون لها آثارا سلبية على الاقتصاد التونسي الذي يشهد مرحلة من الانكماش والذي من الضروري دعمه ببرنامج إنعاش.

من جهته قال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي لموقع “إفريقيا برس” انه لم يفهم ما يريده رئيس الجمهورية بالدعوة إلى اتباع سياسة التقشف ” هل يقصد التخفيض في نفقات الدّولة او يدعو المواطنين إلى اتباع سياسة التقشف” وفي كلتا الحالتين فإنّ ذلك سيساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية خاصة أن تم التخفيض في نفقات الدّولة مثل المساس بكتلة الأجور في القطاع العمومي والتي تمثّل حوالي 55 في المئة والتي بمجرد الانطلاق في تطبيق سياسة التقشّف في النفقات سيتم المسّاس بهذه الكتلة وبالتالي التخفيض في الأجور وتسريح من وقع انتدابهم فوق طاقة استيعاب الدولة.

وخلافاً لرأي بالحاج و الشكندالي يرى الخبير الاقتصادي فيصل دربال أن “الحل في اتباع سياسة التقشف التي دعا إليها رئيس الجمهورية”.
دربال صرح لموقع “أفريقيا برس” أنه يتمنى أن الحكومة شرعت في تطبيق هذه السياسة منذ مدة خاصة لو يشمل برنامج التقشف نفقات المجلس الوطني التأسيسي المجمد أعماله والحكومة والوزارات والإدارات التي تعاني من تبذير كبير”.
وحسب تحليله فإن تونس أصبحت في حاجة ضرورية إلى اتباع سياسة تقشفية مع القيام بإصلاحات كبرى تمتد على سنوات خاصة أمام عجزها على الحصول على تمويلات خارجية لسد عجز الميزانية: ان حصول على تمويلات لتمويل الميزانية أصبح بالأمر الصعب خاصة مع تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ورفض بقية المؤسسات المانحة منح تونس قروضا لعدم وضوح الرؤية السياسية وانتظار خطوات ما بعد 25 يوليو الماضي.
الاصلاح ضروري
ولئن اختلف المتابعون للوضع الاقتصادي – الذين سبق ذكرهم – حول جدوى سياسة التقشف التي مازالت مجرد دعوة ولم تطبق بعد، فقد اتفق أغلبهم ان الوضع الاقتصادي تتطلب اولا القيام بإصلاحات هيكلية متعلقة بالقطاع العمومي ولها صلة بالشأن التربوي والتعليمي والنقل والصحة وأخرى تمس سوق الشغل دون أن تتغافل الحكومة على إصلاحات الوظيفة العمومية ومنظومة الدعم والاقتصاد الموازي ومجلة الصّرف والمديونية هي الضامن الأساسي لإعادة توازن المالية العمومية .
واتفقوا أيضا على ازمة الوضع الاقتصادي الذي يعاني صعوبات هيكلية كبيرة تتعلق أساسا بتمويل المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية المثقلة بالديون وتراجع مؤشرات الاستثمار والتصدير وخلق الثروة.
ولأنّ أزمة المالية العمومية متأتية – حسب تحليلهم- من عجز هيكلي تسببت أساسا في ارتفاع نسبة التداين الخارجي وتراجع نسق الاستثمار فإن الوضع الاقتصادي بات يتطلب سياسة إصلاح جذرية… سياسة إصلاح توفر موارد لخزينة الدولة وتضمن أجور الموظفين وتستجيب لمتطلعات التونسيين الذين يطالبون بحماية قدراتهم الشرائية ومحاربة الفساد…سياسة إصلاح تقوم على خلق منوال اقتصادي يخلق النموّ والثروة.