تونس.. دعوات لطرد المهاجرين وحماية السلم الأهلي والأمن القومي

53
دعوات لطرد المهاجرين واتخاذ تدابير عاجلة لحماية السلم الأهلية والأمن القومي
دعوات لطرد المهاجرين واتخاذ تدابير عاجلة لحماية السلم الأهلية والأمن القومي

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. اتّخذت قضية المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس منحى تصاعديا مع التوتر الذي سجّل في مدينة صفاقس (جنوب) وسط جدل أثارته تصريحات حول سياسات “مشبوهة” تتعمّد إثارة الفوضى في تونس وسط تحرّكات ودعوات لطرد المهاجرين الأفارقة وعدم إعطاءهم أي مجال للتحرّك في البلاد.

استجدّت هذه التطورات إثر اشتباكات دارت بين مجموعة من الأهالي وعدد من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء انتهت بمقتل شاب من أبناء الجهة طعنا بسكين على يد أحد المهاجرين. وازداد الوضع توتّرا خلال موكب دفن الشاب البالغ من العمر 42 سنة.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (وات) عن الناطق باسم النيابة العامة في صفاقس فوزي مصمودي أن “الضحية طُعن حتى الموت في مواجهات بين سكان أحد أحياء صفاقس ومهاجرين منحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء”. وأضاف “أوقف ثلاثة مهاجرين يُشتبه في ضلوعهم في جريمة القتل هذه ويحملون الجنسية الكاميرونية، وفق المعلومات الأولية”.

في الأثناء، انتشرت عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فيديوهات توثق أحداث العنف. ومنها فيديو نشره النائب في البرلمان طارق المهدي من موقع الحادثة أظهرت الضحية مضرّجا في دمائه على قارعة الطريق الأمر الذي أجج فيسبوك وأثار موجة غضب عارمة.

ورافقت الجنازة غضب شعبي عارم عبّر عنه الأهالي المتواجدون في صفاقس بالخروج إلى الشوارع، وعبر عنه البعيدون عنها من خلال تدويناتهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وطالب المحتجّون السلطات بالتحرّك العاجل من أجل إجلاء المهاجرين غير النظاميين خارج المدينة، وذلك تفاديا “لمزيد من الاحتقان والاشتباكات والمخاطر المهدّدة للسلم الاجتماعي.

وقال شهود عيان لموقع أفريقيا برس “أعلنت حالة الطوارئ في صفاقس، حيث انتشرت وحدات أمنية بكثافة وتم تطويق مداخل المدينة وانتشرت الدوريات الأمنية للتثبت من هويات الأجانب، كما تم تسجيل تواجد عدد كبير من الأفارقة في محطات النقل الذين سعوا إلى مغادرة المدينة خشية تفاقم الوضع، وفي ظل إغلاق كل الأبواب في وجوههم حيث رفض الأهالي إيواءهم كما لم يقبل كثيرون التعامل معهم وبيعهم حتى أبسط الاحتياجات.

وبمتابعة عبر الهاتف مع نزار شبوب، المقيم في صفاقس، قال إن الوضع على صفيح ساخن وقد يتطور إلى الأسوأ، خاصة وأن حالة الاحتقان والغضب تنتقل إلى مدن أخرى يخشى سكّانها أن تكون قبلة الأفارقة “الهاربين” من صفاقس، على غرار سوسة والمهدية.

وأظهرت تدوينات وصور على فيسبوك هذه الحالة التي ولئن تصنّف ضمن التوجهات العنصرية إلا أنها تعكس في نفس الوقت قلقا شعبيا مجتمعيا وكيف تحوّل الأمر إلى قضية أمن قومي. ولا بدّ هنا من التوقف عند جذور الأزمة التي لا تعود إلى الاشتباكات الأخيرة ولا حتى إلى تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد في فبراير الماضي بشأن “تدفق أعداد كبيرة” من هؤلاء المهاجرين، معتبرا الأمر “ترتيبا إجراميا يهدف لتغيير تركيبة تونس الدّيمغرافية”.

الأزمة بدأت فعلا، عندما بدأ التونسيون يلاحظون ارتفاعا مريبا في أعداد الأفارقة الذين أصبحوا يتواجدون في كل مكان وحتى في مناطق غير تقليدية بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين وفي شكل تجمّعات تثير ريبة وقلق عدد من الأهالي. بعد ذلك صار المهاجرون الأفارقة يزاحمون التونسيين في مصدر رزقهم في وقت بدأت فيه الأزمة الاقتصادية تطل برأسها وأصبحوا يمثلون منافسا قويا في سوق اليد العاملة. وارتفع عدد العمال الأفارقة في السنوات الأخيرة بشكل لافت في مختلف القطاعات، كعمال في المقاهي والمطاعم والمنازل وفي قطاع البناء. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل في سنة 2020 منح عددا من العمال الأفارقة في تونس بطاقات انخراط.

وبين الفينة والأخرى تم تسجيل أعمال عنف متفرقة ومنفردة من قبل المهاجرين غير النظاميين، وأحيانا مبادرات عنصرية من التونسيين. ورغم أن عدد المهاجرين غير النظاميين لا يمكن حصره بصفة دقيقة فقد تم إحصاء 6000 مقيما غير قانوني من قبل المنظمة الدولية للهجرة مكتب تونس وصفاقس وبين 7 آلاف و8 آلاف من قبل المفوضية السامية للاجئين.

ووفق تقرير المسح الوطني للهجرة الدولية الذي أعدّه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة سجّل السكان المهاجرين من البلدان الأفريقية، من خارج منطقة المغرب العربي، أعلى نمو في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع العدد المقدّر من 7.200 فرد في عام 2014 (حسب آخر تعداد سكاني) إلى 21.466 وقت إجراء المسح 2021 سنة.

وتعتبر الحدود التونسية الليبية نقطة الدخول البرية الرئيسية إلى تونس. لكن، في عام 2021، وصل معظم المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء عن طريق البحر (69 ٪). ويمثل الإيفواريون الأكثر عددا، يليهم مواطنو جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا ومالي، الذين يمثل كل منهم حوالي عُشر إجمالي الأفارقة القادمين إلى تونس من خارج منطقة المغرب العربي، وغاية أغلبهم العبور إلى أوروبا.

فاطمة المسدي، نائبة في مجلس نواب الشعب

ومما زاد في تأجيج الوضع تصريحات بعض المسؤولين، كحديث النائبة في مجلس نواب الشعب فاطمة المسدي، وهي أصيلة صفاقس، عن أن ما يحدث في صفاقس في علاقة بالمهاجرين والأفارقة وتوتر الأجواء بينهم وبين الأهالي والذي بلغ ذروته بمقتل مواطن تونسي، “كارثة وخطرا داهما”.

وتحدّثت المسدي في تصريحات لإذاعة شمس أف أم الخاصة، عن “احتلال كبير” لصفاقس من المهاجرين الأفارقة، وأشارت إلى وجود استغلال سياسي كبير من أجل إشعال نار الفتنة والدفع نحو حرب أهلية. وبيّنت المسدي أنه تم ملاحظة تلقي أغلب المهاجرين الأفارقة قبل العيد لأموال كبيرة عبر حوالات بريدية، وتساءلت عن مصدر تمويل هؤلاء المهاجرين. وشدّدت على أن الحل يكمن في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وغلق الحدود ومراجعة الاتفاقيات وإعادة اعتماد التأشيرات.

وبينما اعتبر كثيرون أن في حديث النائبة في البرلمان مبالغة وحذّروا من تداعيات سلبية لمثل هذه التصريحات التي قد تشعل فتيل توجّه عنصري قاتل وخطير على الأمن القومي التونسي، لا ينفي المتابعون أن الوضع يستوجب فعلا القلق والتدخل العاجل من الحكومة والجهات المسؤولة لإيجاد حل ولتخفيف حالة الاحتقان.

وفي تطور لافت، دعا رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة، رئيس الدولة بالتدخل لإنقاذ صفاقس وحماية أمن تونس على إثر الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة صفاقس حول المهاجرين من جنوب الصحراء.

وكان قيس سعيد قال خلال لقاءه بوزير الداخلية وعدد من القيادات الأمنية تناول الوضع بمدينة صفاقس إن تونس دولة لا تقبل بأن يقيم على أرضها إلا وفق قوانينها كما لا تقبل بأن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الإفريقية، ولا تقبل، أيضا، أن تكون حارسة إلا لحدودها.

وجدّد الحديث عن أن هناك شبكات إجرامية محمول على الدولة التونسية تفكيكها وأن هناك عديد القرائن الدالة كلها على أن هذا الوضع غير طبيعي فكيف يقطع هؤلاء الوافدون على تونس آلاف الكيلومترات ويتجهون إلى مدينة بعينها أو إلى حيّ بعينه فهل يعرفون هذه المدن أو الأحياء وهم في بلدانهم، وهل هؤلاء مهاجرون أو مهجّرون من قبل جماعات إجرامية تتاجر ببؤسهم وتتاجر بأعضائهم وتستهدف قبل هذا وذاك السلم الأهلية في تونس.وفي نفس هذا السياق، دعا رئيس الجمهورية إلى ضرورة فرض احترام القانون على من يستغل هؤلاء البؤساء في تونس فكراء محلات السكنى للأجانب يقتضي إعلام السلطات الأمنية والتشغيل يخضع للتشريعات التونسية.

بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجي والأمنية والعسكرية بتونس

وفي حديث مع موقع أفريقيا برس، استنكرت بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجي والأمنية والعسكرية بتونس الاعتداءات المتكررة التي تطال التونسيين في صفاقس، واعتبرت أن “أحداث العنف التي شهدتها المدينة غير مقبولة بالمرة وتستوجب اتخاذ التدابير الأمنية العاجلة من أجل حماية السلم الأهلية والأمن القومي”.

وأضافت أنه “من واجب الدولة اليوم وأكثر من أي وقت مضى رفع درجة الحيطة الأمنية والاجتماعية على طول الشريط الحدودي خاصة مع ليبيا والجزائر، وعلى السواحل وبين مفاصل الولايات لوضع حد لتدفق المهاجرين غير النظاميين”.

وفي بيان تلقى موقع أفرقيا برس نسخة منه، عبرت كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية كوناكت عن قلقها من ما تعيشه صفاقس من حالة احتقان كبرى بسبب توافد أفارقة جنوب الصحراء بأعداد كبيرة على المدينة من كل أبوابها وطرقاتها…”. وقال طارق بن عياد، رئيس المكتب الجهوي، “تحذّر كوناكت من خطورة ما يحدث في ولاية صفاقس و إمكانية امتداده لمدن أخرى، ونطالب السلطات بالتدخل الفوري والعاجل وإيجاد حلّ للمهاجرين غير النظاميين الذين يزداد عددهم بشكل كبير. كما تطالب كوناكت السلطات باتخاذ التدابير اللازمة لتطويق هذه الظاهرة التي نجمت عنها عديد التداعيات والانعكاسات السلبية على المستوى الإجتماعي والصحي والاقتصادي”.

لسنوات ظلت قضية المهاجرين الأفارقة في تونس نارا تحت الرمّاد، بين خوف من حصر الأمر في زاوية العنصرية وتحريف القضية عن تداعياتها الأمنية والمجتمعية التي تقلق فعلا التونسيين، حيث تقول رفيقة عبدالوارث، وهي مواطنة في العقد السادس من عمرها، إنها صارت تخشى فتح الباب للغرباء وخاصة الأفارقة وبعد أن كانت في السنوات الأولى تعطف على بعضهم بل وتستضيفهم في بيتها وتساعدهم.

صارت رفيقة تخشى القيام بذلك وسط تحذيرات أبنائها وجيرانها من التعاطي معهم عن قرب مستشهدين بأحداث عنف وبعض الجرائم التي حدثت ولئن كانت منفردة إلا أنها تؤثّر بشكل كبير في هذه القضية الحساسة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here