بقلم : خالصة حمروني
أفريقيا برس – تونس. عبر القيادي المجمّد في حركة النهضة عماد الحمامي في تدخل اذاعي عن عمق الخلافات التي تعيشها حركة النهضة بعد حراك 25 يوليو / تموز قائلا بالحرف الواحد انه “لا وجود لشفافية ولا لحسن تسيير ولا وجود لاختيار على أساس الكفاءة”. وفي تدخله قال أيضا ” أن الإسلام السياسي انتهى وأن الغنوشي انتهى سياسيا”.
في حقيقة الأمر تصريحات الحمامي لا تتعلق بردّ فعل غاضب أو معزول له صلة بعملية تجميد عضويته في حركة النهضة التي أمضى عليها رئيس الحركة راشد الغنوشي بل هي مرتبطة بمدى الخلافات الداخلية للحركة الموجودة من قبل وخرجت للعيان بعد تاريخ 25 يوليو / تموز الماضي، خلافات ترجمت سابقا باستقالات من الحجم الثقيل من قيادات الصف الأول ولعل أبرزها استقالة عبد الحميد الجلاصي وخلافات أخرى ازدادت وضوحا مع تجميد عمل البرلمان وشل النشاط الحزبي ودخول أعضاء الحركة وقياداتها في دوامة من التخبط واللخبطة.
ضبابية المشهد الحزبي
المتابع للوضع السياسي عموما يدرك أن وضع حركة النهضة ماهو الا مشهد مصغر لما يحدث من صراعات وخلافات داخل الأحزاب الأخرى التي وجدت نفسها تعيش وضعا سياسيا لم تخطط له من قبل وغير خاضع لارادتها. فاليوم وبعد مرور شهر وحيف على قرارات 25 يوليو / تموز وجدت الأحزاب التونسية دورها يقتصر فقط في نشر بياناتها على المنصات الاجتماعية (فايسبوك وتويتر) أو توثيق مداخلات قياداتها في وسائل الإعلام بخصوص تقديراتها للوضع العام مستقبلا، الأمر الذي جعل من المشهد الحزبي تكسوه شيئ من الضبابية وينبئ بتغيرات عميقة.

وفي قراءة لهذا المشهد صرح المحلل السياسي حسان القصار لموقع “أفريقيا برس” أن المشهد الحزبي في تونس استقر منذ سنة 2011 تاريخ الثورة إلى سنة 2021 بين قطبين أحدهما محافظ وتمثله النهضة وبعض الأحزاب الأخرى المتقاربة في الفكر وآخر حداثي يمثله التيار وتحيا تونس وغيرها من الأحزاب ذات نفس التوجه الحداثي . وقد مثل ظهور الباجي قائد السيسي منعرجا في تاريخ المشهد الحزبي إذ التفت من حوله العديد من الأحزاب وانصهرت معه وفي المقابل بقيت النهضة متواجدة بقوة على الساحة السياسية بحكم كبر قاعدتها الشعبية وارتباط قياداتها بالخارج. وفي مرحلة متقدمة برزت العديد من الأحزاب الأخرى بعضها افتك مكانته في الساحة الحزبية فيما فشلت أحزاب أخرى.
اندثار بعض الأحزاب

القصار يرى أن تاريخ 25 يوليو / تموز 2021 فتح كل القيود الحزبية وقطع أي إمكانية لتوغل اي حزب فعادت جميع الأحزاب السياسية إلى نفس الحجم ونفس المستوى. ومع تجميد البرلمان انقطع النشاط الحزبي وأخذ بذلك رئيس الجمهورية قيس سعيد مطالب الأحزاب كلها على عاتقه، ما كانت تطالب به النهضة أو حزب الحر الدستوري أو تحيا تونس تحمل مسؤوليته وأخذه على عاتقه وبادر بنفسه لفتح ملفات الفساد والإصلاح. وحسب قوله “لا يمكن الحديث الآن عن مشهد حزبي بل يمكننا الحديث فقط عن مشهد سياسي عام متغير لم تلعب فيه الأحزاب أي دور يذكر”.
وعن مستقبل هذه الأحزاب والتي يفوق عددها المائتين يقول القصار أن أغلبها سيندثر وفسر قوله بأن أغلب الأحزاب لم تلتزم بقانون الأحزاب الذي يفرض عليها نشر معاملاتها المالية والتقيد ببرامجها الانتخابية لذلك ستحاسب قانونيا مستثنيا حركة النهضة التي ستبقى متواجدة على الساحة السياسية وناشطة في المشهد الحزبي لكن بمستوى ضعيف للغاية لاسيما في ظل التغيرات العالمية وخص بالذكر ما حصل في انتخابات المغرب حيث تراجعت مرتبة الحزب الإسلامي (حزب العدالة والتنمية) من المراتب الأولى إلى ذيل الترتيب أي في المرتبة قبل الأخيرة.
تشكل أحزاب شبابية

من جهته أكد المحلل السياسي رابح الخرايفي لموقع “أفريقيا برس” أن المشهد الحزبي قبل 25 يوليو / تموز وبعدها لن يكون ذاته، فمنظومة الأحزاب بالمفهوم السياسي لن تكون ذاتها لان أغلبها تتجه آليا نحو التفكك وذلك لسببين أولهما يتلخص في قيام هذه الأحزاب أساسا على منظومة الفساد (تمويل وبرامج) وبحكم أن المرحلة القادمة شعارها مقاومة كل أشكال الفساد فإن تفكك هذه الأحزاب من حصيل الحاصل والسبب الثاني يتمثل حسب قراءة الخرايفي في الوضع المالي لبعض الأحزاب وكثرة خلافاتها الداخلية للبعض الآخر على غرار وضع حركة النهضة وحزب التيار وحزب قلب تونس الذي يمر بفترة صعبة نتيجة إلقاء القبض على رئيس الحزب نبيل القروي وشقيقه وسجنهما. وأوضح محدثنا ان المشهد السياسي وبالتحديد الحزبي منه سيشهد تغيرات جذرية لانه في الفترة القادمة ستتكون أحزاب جديدة تطبق قانون الأحزاب وتجاري متطلبات المرحلة من شفافية ومصداقية وستقطع هذه الأحزاب التي ستكون شبابية مقاطعة لكل الممارسات القديمة.
مفترق الطريق

المحلل السياسي عبد الحميد بن مصباح صرح لـ “أفريقيا برس” أن الأحزاب اليوم في مفترق طريق يضعها في تحدّ مع حفاظها على تماسكها وعلى موقعها السياسي الذي خسرت جزءا منه بعد حراك 25 يوليو / تموز المنقضي مؤكدا أن المشهد الحزبي لن يكون على سالف حاله بل سيشهد بعض التغيرات لان المنظومة بأكملها ستتغير.
وحسب تحليله لقد تعودت الأحزاب المهمة بمعنى التي لها وزنها السياسي في تونس على مبدأ التناوب في الحكم متقاسمة بينها السلط الثلاث وهذه المنظومة ستنتهي لان الوضع السياسي لا يتطلب مزيد التعقيدات.
ويتوقع بن مصباح أن يتضائل درور الأحزاب التيقيس كانت تهيمن على المشهد الحزبي وفي المقابل سيتعزز هذا الأخير بأحزاب أخرى وأفكار جديدة. الأمر الذي أثبتته انتخابات البلدية والتي فاز في أغلب دوائرها قائمات مستقلة على حساب قائمات الأحزاب المعروفة.