بقلم: خالصة حمروني
أفريقيا برس – تونس. اجتمعت السلطات الاقتصادية والمالية التونسية، ممثلة بمروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي، وسمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط، وسهام نمسية وزيرة المالية، يوم الخميس 4 نوفمبر الجاري عن بعد، مع وفد من صندوق النقد الدولي حسب ما جاء في بلاغ صدر مؤخرا عن البنك المركزي التونسي.
وركز هذا الاجتماع – الذي يأتي في إطار المناقشات الفنية بين موظفي الصندوق والحكومة اعلى استعراض التطورات الاقتصادية ومدى تقدم الإصلاحات التي تتوخاها تونس والتي يمكن أن تحظى بدعم الشركاء الدوليين وعلى وجه الخصوص صندوق النقد الدولي.
والمتابع للوضع الاقتصادي في تونس يدرك أن حرص هذه الأخيرة على استئناف المفاوضات مع هذه المؤسسة الدولية يعود بالأساس الى عجزها عن توفير الموارد المالية للميزانية 2022 بسبب ركود الوضع المالي والاقتصادي للبلاد والذي اختلفت الآراء في تشخيصه.
“أفريقيا برس” حاولت في هذا التقرير تسليط الضوء عن حقيقة الوضع الاقتصادي ودور صندوق النقد الدولي في تحسين هذا الوضع.
وضع سيء أو صعب جدا

في تحليله للحقيقة الوضع المالي والاقتصادي لتونس وزير المالية الأسبق حسين الديماسي قال من جهته “ان الوضع المالي والاقتصادي اليوم سيئ للغاية وكل المؤشرات المتعلقة بنسق النمو وعجز ميزانية الدولة والميزان التجاري كارثية”.
وفسّر الخبير ما وصلت إليه البلاد من “هبوط حاد في مردودية بعض القطاعات الحساسة وتسجيل خسائر اقتصادية ” بتأثيرات جائحة كورونا على النشاط الاقتصادي من جهة وتتالي الحركات الاحتجاجية من حين لآخر جهويا وفئويا وقطاعيا من جهة أخرى.
المشهد السياسي المتذبذب والضبابي هو الآخر مثل سببا في تراجع صورة تونس سواء بالنسبة للمستثمرين او الدائنين في الخارج والذين باتوا يراقبون الوضع من بعيد دون المجازفة.
وأكد الديماسي: “إننا نعيش وضعا اقتصاديا لم تعرف له البلاد مثيلا حتى في أحلك الأزمات التي شهدتها في سنوات الاحتلال الفرنسي وسنوات 1978 و1986” بأزماتها الاقتصادية والاجتماعية.

من جهته أوضح الاستاذ الجامعي في المالية والتصرف حسن بن جنانة “ان الوضع الاقتصادي والمالي صعب بل صعب جدا لكنه ليس بالكارثي كما يدعي البعض”.
وفسر قوله بأن جل المؤشرات الاقتصادية لم تتعافى بعد وان نسبة النمو لم تروح 2 بالمائة منذ سنوات لكن هذا لا يعني ان تونس على حافة الإفلاس لان اغلب القطاعات عادت للنشاط ولو بصفة بطىيئة: “لقد سجلت تونس عودة قطاع الفسفاط والبترول بسبب انتهاء الحركات الاحتجاجية وعاد السياح ولو قليل إلى تونس. بن جنانة قال ان تونس تملك ثروات طبيعية قادرة على عودة نسب نمو محترمة ان أحسنت الحكومة استغلالها وتحسين مروديتها”.
وهذه الثروات والتي لخصها في قطاع المحروقات والمناجم والفلاحة من شأنها أن تدر على خزينة الدولة امولا طائلة وتغنيها عن التداين الخارجي الذي ارتفعت قيمته في السنوات الأخيرة وعمق صعوبات الاقتصادي الوطني عوض إنعاشه.
وفي قراءته للوضع المالي قال بن جنانة ان الدولة تبحث عن موارد للميزانية السنة القادمة عبر التداين الداخلي من البنوك التونسية والمواطنين وفي مرحلة ثانية مع صندوق النقد الدولي.
ولئن رأى الديماسي انه لا حل لتونس لتوفير موارد مالية لخزينة الدولة عموما وتوفير موارد لحاجات ميزانية 2022 الا النجاح في اقناع صندوق النقد الدولي والتقدم من المشاورات التقنية الى مرحلة المفاوضات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي لأن كل المانحين حينها سيصطفوا وراء موقفه، فإن بن جنانة أكد ان الحل يكمن في العمل الجاد على إعادة الدورة الاقتصادية اولا عبر الاهتمام بالقطاع الفلاحي الذي سيخفف عبء الميزان التجاري وترشيد الوردات وثانيا حث قطاعي المناجم والبترول على تحسين الإنتاج لان الرجوع إلى نسق إنتاج الفوسفات المعتاد عليه قبل الثورة يغني الدولة عن مزيد التداين.
تاريخ علاقة تونس بصندوق النقد الدولي
تاريخيا تعود علاقة تونس بالصندوق النقد الدولي إلى سنة 1957 (سنة بعد تاريخ استقلال تونس التي تحصلت عليه في 1956) والتي ضبط تفاصيل انخراطها في الصندوق قانون عدد 78-57 المؤرخ في 31 ديسمبر 1957 من خلال مساهمة مالية بحصة أولية مقدارها 12 مليون دولار أمريكي، أي ما يقارب 22.7 مليون دينار تونسي.
وحسب القانون ذاته وافقت الدولة التونسية على الترفيع في حصتها التي تبلغ حاليا 405 ملايين دولار أمريكي كل خمس سنوات. ومنذ ذلك التاريخ تحصلت تونس على أربعة انواع من “التسهيلات” من الصندوق :
أولا: تحصلت على 6 قروض قصيرة المدى خلال الفترة الممتدة بين سنة 1966-1970 بمبلغ جملي قدره 74.4 مليون دولار واخر سنة 1986 قيمته 128.6 مليون دولار.
ثانيا: تحصلت على التمويل التعويضي وبالتحديد سنة 1977: قرض بمبلغ قدره 33.9 مليون دولار واخر سنة 1986: قرض بمبلغ قدره 162 مليون دولار.
ثالثا: تحصلت على التسهيل الممتد وهو ربما من أهمها. وقد تمت الاستفادة من هذا التسهيل بتاريخ 25 جويلية 1988 بمبلغ قدره 293 مليون دولار، وذلك في إطار دعم برنامج “التصحيح الهيكلي” للاقتصاد التونسي.
رابعا: تحصلت على “اتفاق الاستعداد الائتماني” بتاريخ جوان 2013 الذي يعادل قيمته 1,7 مليار دولار على أن يتم تسديد كلّ قسط على مدى 5 سنوات مع فترة إمهال بـ3 سنوات ويدعم هذا الاتفاق برنامج “إصلاحات هيكلية” تمتد على مدى سنتين، وتشمل عديد المجالات وخاصة السياسات الاقتصادية والمالية والقطاع المالي والبنكي.
وفي أكثر من مرة تأخرت موافقة مجلس إدارة الصندوق على سحب الحكومة التونسية لأجزاء هذا القرض بسبب عدم استكمال بعض “الإصلاحات” خاصة منها “إعادة هيكلة” البنوك العمومية.
وفي المقابل التزمت الحكومة التونسية بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية المتفق عليها، وخاصة تلك التي يوليها الصندوق أولوية قصوى كإعادة رسملة وهيكلة البنوك العمومية، وإحداث شركة التصرف في الأصول المتعلقة بالقروض المعدومة لدى البنوك، التي تهم بالخصوص قطاع السياحة، وعدد من “الإصلاحات” الأخرى مثل الإصلاح الجبائي واعتماد مجلة استثمار جديدة، واعتماد قاعدة احتساب جديدة للتعديل الآلي لأسعار المحروقات، والرفع الجزئي عن الدعم في الطاقة من خلال “اعتماد برنامج موجه للأسر لتعويض دعم مواد الطاقة”.
وبعودة المشاورات مع صندوق النقد الدولي فقد تتمتع تونس بقرض اخر قد ينقذ الحكومة من شح السيولة المالية لكن سيزيد من فجوة ديونها نحو هذه المؤسسة التي لن يهدأ لها بال حتى تدخل البلاد في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الجذرية والتي ستكون قاسية وموجعة.