أفريقيا برس – تونس. دق حقوقيون تونسيون ناقوس الخطر بسبب استمرار السلطة في انتهاج سياسة التضييق على الحريات واستهدافها للحقوق المدنية والسياسية، وذلك منذ إطلاق الرئيس قيس سعيد مسار 25 جويلية سنة 2021 واستفراده بالحكم.
وحذرت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، خلال تظاهرة بمناسبة إحياء الذكرى السادسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من أن “وضع حقوق الإنسان ليس في أفضل حالاته في البلد”، داعية إلى “إطلاق سراح مساجين الرأي والتعبير وإيقاف التتبعات في حقهم، سواء كانوا من نشطاء المجتمع المدني أو قيادات الأحزاب السياسية أو المواطنين أو الصحفيين المحالين بمقتضى المرسوم 54″.
وأوضح الناشط الحقوقي جمال مسلم في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “تحذيرات الرابطة مردها التراجع الملموس لواقع الحريات منذ فرض المرسوم 54، الذي ضيق عمل الأحزاب والمنظمات وقاد إلى محاكمات وإيقافات سياسية”.
وتابع “نتوجس كذلك من تعديل القانون عدد 88 لأجل فرض مزيد الرقابة على عمل الجمعيات، لكننا مع ذلك نسعى ونتحرك لأجل حماية وضمان الحريات العامة والفردية ببلدنا”.
ولفتت رابطة حقوق الإنسان إلى أن “الساحة الحقوقية في تونس تعيش أزمة بسبب إصرار السلطة على التضييق على المعارضين والسياسيين والنشطاء المدنيين”، إضافة إلى “ارتفاع منسوب العنف ضدّ المرأة واستمرار تھميش الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمواطن في ظل ارتفاع جنوني للأسعار”.
وسلطت الرابطة الضوء كذلك على وضعية السجون في تونس إثر زيارات قامت بها في نهاية السنة الماضية وخلال السنة الجارية، حيث توصلت إلى أن “الظروف بالسجون وبمراكز الأطفال الجانحين سيئة جدا”.
وكشفت إلى أن “الظروف في السجون سيئة بسبب ما تعانيه من عدة إشكالات، أبرزها الاكتظاظ،، الذي يتجاوز أحيانا طاقة الاستيعاب وذلك بسبب “البطء في البت في القضايا وارتفاع عدد بطاقات الإيداع، مع اهتراء البنية التحتية للسجون”، وفق ما ذكرته الرابطة.
وتتوجس الأوساط الحقوقية من مزيد تراجع الحريات خاصة أن الرئاسة التونسية لا تصغي إلى الانتقادات التي تطالها في هذا المجال، كما ترفض الجلوس على طاولة الحوار مع مختلف الأطراف سواء مولاة أو معارضة لتباحث الأوضاع وإيجاد حلول مشتركة لأزمات البلاد، وتبدو الرئاسة ماضية في مشروعها مستفيدة من غضب الشارع إزاء النخب السياسية والمدنية بسبب سوء إداراتهم للبلاد خلال العشرية الماضية.
ويشير حسام الحامي، المنسق العام لائتلاف صمود، في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه “لم يعد يخفي على أحد اليوم تراجع مناخ الحريات في تونس، خاصة من ناحية توفر شروط المحاكمة العادلة، كما باتت كل السلط متمركزة لدى السلطة التنفيذية.”
وأضاف “من ناحية أخرى أصبحت القوانين الزجرية خاصة المرسوم 54 بمثابة سيف مسلط على أصحاب الرأي الحر، كل من له رأي مخالف يقع استهدافه، بالتالي مناخ الحريات يشهد أسوأ حالاته”.
وندد بـ”تقلص الفضاء العام والتضييق على الأنشطة السياسية وتطويق جل وسائل الإعلام”، مبينا أن “هذه المؤشرات تعيد إلى الأذهان الوضع الحقوقي في تونس قبل ثورة يناير 2011”.
وكشف أن “الاحتجاجات ستكون الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الحريات في البلد، حيث من المرتقب أن تنظم شبكة الحقوق والحريات وقفة احتجاجية في أواخر ديسمبر الجاري لمساندة الموقوفين والسجناء السياسيين وسجناء الرأي فيما يعرف بقضية التأمر على أمن الدولة، وتنديدا بما تعيشه تونس من قمع”، وفق تعبيره.
ورغم أن تونس عززت ترسانتها الحقوقية منذ ثورة يناير 2011 حيث يعد تحسن واقع ومناخ الحريات أحد أبرز مكاسب الثورة، إلا أن المعارضة تشكو التضييق والإقصاء منذ إطلاق الرئيس سعيد مسار 25 جويلية، منتقدة انتهاج الرئيس لحكم فردي في ظل غياب التعددية وتهميش دور الأحزاب والأجسام الوسيطة.
وتلاحظ أوساط سياسية، تقلصا كبيرا لدور الأحزاب السياسية في مرحلة ما بعد 25 جويلية.
ويصف زهير العيدودي القيادي في حركة الشعب في حديثه لـ “أفريقيا برس” تقلص عمل الأحزاب بـ “ضرب للحريات، لأنه لا يمكن أن تكون هناك حريات دون أحزاب ومجتمع مدني”.
وشدد على ضرورة أن “تكون هناك هياكل تؤطر المجتمع حتى تمكنه من ممارسة حقوقه في كل المجالات”.
وبرأيه فإن “المخاطر الأمنية الناجمة عن التحولات في سوريا ستقود إلى مزيد من الرقابة الأمنية بالبلد”.
وأوضح بالقول “ما نراه خطيرا هو ما وقع مؤخرا في سوريا حيث سيكون لهذا التغيير انعكاس مباشر على تونس..الكل يعلم أنه لدينا عديد من المقاتلين الذين شاركوا في الحرب، من المؤكد أنهم سيعودون بعد إطلاق سراحهم ومغادرتهم السجون، ونتوقع أن تزيد السلطات من سياسة التشدد والرقابة”.
وأردف “الرقابة الأمنية بسبب تداعيات عودة المقاتلين من سوريا ستكون ذريعة لمزيد تقليص هامش الحريات وبالتالي سيتواصل استهداف الحقوق السياسية والمدنية”.
ويحذر حقوقيون من توخي السلطات لمقاربة أمنية في معالجة الإشكالات وهو ما سيعرضها لمزيد من الانتقادات ويوسع دائرة معارضيها وبالتالي ستزيد من تعميق الأزمة السياسية، كما ستفتح الباب لعودة التوترات الاجتماعية.
ولا يستبعد المتابعون عودة الاحتجاجات في ظل تواصل الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة، خاصة أن الشارع يترقب إيفاء الرئيس سعيد بوعوده الانتخابية وتحقيق مطالبهم.
ورغم المخاوف من تأزم الواقع السياسي والحقوقي بالبلد، إلا أن آراء أخرى ترى أن النظام السياسي الجديد يضمن الحريات، وأن هذه المخاوف مردها مساعي المعارضة للتشويش على عمل الرئيس الذي فاز بولاية ثانية وأثبت أنه مازال يحظى بقاعدة شعبية قوية على عكس المعارضة التي أكدت الانتخابات خسارتها لرصيدها الشعبي.
وأبرز صهيب المزريقي، القيادي في حركة البعث في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “دستور 25 جويلية 2022 قد أفرد بابا كاملا وهو باب الحقوق والحريات وألزم الوظيفة التنفيذية باحترامه والتقيد به والتصرف على ضوءه بحيث أن عمل الجمعيات والكيانات الحزبية مقنن بقوانين أساسية وعلى عكس ما تذهب إليه بعض القراءات من انتهاك الحريات في تونس”.
وخلص بالقول “صياغة تقارير لمنظمات دولية للضغط على تونس هو في حقيقته عار من الصحة، وإذا وجدت انتهاكات فأنها تحل داخل الدولة التونسية وليس لدى الأجنبي فنحن مثلا لم يتشكى لنا مواطن أمريكي ذو بشرة سوداء من سوء المعاملة والعنصرية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس