حوار وطني في تونس.. دعوة مشكوك فيها

56
حوار وطني في تونس.. دعوة مشكوك فيها
حوار وطني في تونس.. دعوة مشكوك فيها

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. أثار تقرير نشره موقع الحرة الأميركي مؤخرا حول دعوة “غير معلنة” من الرئاسة التونسية لأحزاب وشخصيات من المجتمع المدني للمشاركة في حوار وطني، جدلا في الشارع التونسي، بين أطراف ترى أن الخبر لا صحّة له وأن البلاد لا تعاني أزمة سياسية بل أزمة اقتصادية، ووقع تسريبه عبر وسيلة إعلامية أجنبية لغاية محدّدة، وأطراف أخرى تذهب إلى التشكيك في الأمر وتعتبر أنه محاولة لذرّ الرماد على العيون وتهدئة الوضع عشية ذكرى 14 جانفي، فإذا كان الرئيس لا يعترف أساسا بالمعارضة، ويقبع أغلب قادتها في السجن، ويصنّف أغلب المجتمع المدني في خانة “التابعين للخارج” فمع من سيكون الحوار؟

من الأطراف التي لا تذهب في سياق تأييد ما جاء في تقرير الموقع الأميركي، المحلل السياسي التونسي باسل الترجمان الذي قال في تصريحات لـ”موقع أفريقيا برس”: “تقرير موقع الحرة، الذي نقل الخبر عن مصادر مطلعة، ليس له أي علاقة بالواقع في تونس. ونحن نعلم أن الرئيس قيس سعيد له رؤية مختلفة، فحين يريد الذهاب إلى حوار لن يعتمد على سياسة تحت الطاولة والرسائل السرية”.

وكان تقرير الموقع الأميركي نقل عن مصادر لم يذكرها أن “الرئاسة التونسية شرعت منذ أسابيع في إجراء اتصالات غير معلنة بعدد من الشخصيات السياسية وممثلين عن أحزاب ومنظمات مدنية وحقوقية، ترتيبا لإجراء حوار وطني في مارس المقبل، فيما تم استثناء حركة النهضة”.

وبينما يقول معارضون إن التقرير محاولة لجسّ النبض من الرئيس أو من مقرّبين منه، يرى باسل ترجمان أنه “محاولة تهدف إلى الضغط على الرئيس من خلال الموقع الأميركي”، معتبرا أن “الكثير من الأحزاب السياسية لم تفهم أن زمن الأحزاب انتهى”.

ونفى عدد من السياسيين تواصل معهم موقع “أفريقيا برس” أنهم تلقّوا دعوات للمشاركة في حوار وطني مرتقب أو سمعوا بذلك من جهات مؤكّدة في الرئاسة. وقال أسامة عويدات، القيادي بحركة الشعب، لـ”أفريقيا برس”: “بالنسبة للاتصالات لم يتصل بنا أحد إلى حد الآن. وكانت حركة الشعب تحدّثت في ندوة مؤخرا عن ما يفرضه الراهن العربي على تونس ويضعها أمام ضرورة القيام بخطة استباقية، لأن التغيرات التي وقعت في الإقليم تدعو إلى الحيطة والتفكير بعمق لتحصين الجبهة الداخلية ومن هنا يأتي الحديث عن حوار وطني وعن رؤى تحمي الاقتصاد والوضع الاجتماعي، لأن هشاشة الأوضاع ستكون مدخل هذه مجموعات الإرهابية للعودة إلى تونس وتهديد أمنها”.

مع ذلك يشدّد القيادي في حركة الشعب على أهمية الدعوة، حيث يرى أنه “من الضروري أن يكون هناك حوار وطني على قاعدة الدستور ودون مضامين أو تقسيم للمواقع كما حدث سنة 2013 والتناوب عليها بهدف إنقاذ البلاد”.

وكانت تونس صنعت الحدث في سنة 2015 حين فازت بجائزة نوبل للسلام في 9 أكتوبر 2015، بعد نجاح الحوار الوطني الذي قاده الرباعي المتمثل في الهيئة الوطنية للمحامين والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد أنقذ مجهود الرباعي البلاد من خطر الانهيار أثناء الأزمة السياسية التي اندلعت على خلفية اغتيال شكري بلعيد ثم محمد البراهمي.

وجاء حوار 2015 بعد جولات فاشلة انطلقت منذ سنة 2013 وطالت جلساته دون نتائج حاسمة وشهدت عدة تعقيدات بسبب الخلافات بين حركة النهضة المهيمنة على الحكم في تلك الفترة والأحزاب الليبرالية، وعلى رأسهم حركة نداء تونس بقيادة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي.

وفي عهد الرئيس قيس سعيّد، شهدت تونس دعوة إلى إجراء حوار وطني دعا إليها سعيّد لكن شهد مقاطعة لافتة من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان مازال يتمتع بنفوذه القوي في تلك الفترة (2022). وكلّف سعيّد رئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية إبراهيم بودربالة، بالإشراف على الحوار وتم توجيه الدعوات إلى عدد من المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل وإلى الأحزاب الداعمة لإجراءات 25 يوليو إلى جانب دعوة عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة.

إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، رفضت عدة أحزاب المشاركة في هذا الحوار الذي وصفته حينها بأنه “شكلي وأحادي ونتائجه معدّة مسبقا”، وقد جاء فقط ردّا على تصاعد الانتقادات الخارجية لسياسات قيس سعيّد بعد 25 جويلية 2021، والتضييق على المعارضة.

ويرى متابعون أن المشهد يتكرّر اليوم، وأن الدعوة المتجدّدة للحوار الوطني لا تخرج عن نفس السياق السابق، بل إن المشهد اليوم يؤكّد “فشل” الحوار قبل بدءه إن صحّ خبر الإعلان عنه، فالساحة السياسية تبدو خالية اليوم من الأطراف الحقيقية القادرة على المشاركة في هذا الحوار وإدارته، فمن جهة هناك الأطرف الموالية لنظام قيس سعيّد وفي الجهة المقابلة يبدو المشهد مرتبكا فالمعارضة أغلب قادتها في السجون، وجبهة الخلاص التي تعتبر الجهة الأبرز لها اليوم والتي سبق وأن دعت على لسان رئيسها نجيب الشابي إلى حوار وطني تفتقد بدورها للزخم والثقل الشعبي الذي يجعلها قادرة على الوقوف ندّا للندّ مع بقية أطراف الحوار الوطني وخاصة الجهة الموالية للنظام الحاكم، الذي استبعد حركة النهضة والموالين لها.

حوار مع من؟

في سنة 2022، تساءل المتابعون: “هل ينجح حوار وطني يقصى منه الأحزاب؟”، ويتكرّر هذا السؤال اليوم مع استحضار مواقف الرئيس قيس سعيد وتأكيده في عدة مناسبات على أنه لن يكون هنا تواصل أو حوار أو تسامح مع “من نهب مقدرات الشعب ونكل به، أو حاول الانقلاب على الدولة والمس من استمراريتها ووحدتها”، ويقصد هنا المنظومة الحاكمة قبل 25 جويلية، وبشكل خاص حركة النهضة والأحزاب التي تحالفت معها.

وقال سهيل النمري، رئيس حركة مواطنون أنصار الوطن، وهي حركة مؤيدة لمسار 25 جويلية، لـ”أفريقيا برس”: “نعتقد أنه لا بد من إجراء حوار وطني لكن ليس بمنطق الحوارات القديمة التي ستنتج آلياتها ومخرجاتها نفس الإنتاج القديم، هذا غير ممكن اليوم، لا بد للمنظمات الوطنية من تقديم تنازلات وحلحلة الأمور والتفكير بأكثر واقعية من خلال حوار مجتمعي يقرب وجهات النظر بين الشارع التونسي وهذه المنظمات لا بد أن تقدم تنازلات وتقوم بخطوات جريئة نحو إصلاحات حتى داخلها”.

ويؤكّد النمري أن “هناك أزمة اليوم في مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع والمنظمات وبقية المكونات السياسية… والأمر يعود إلى رئيس الدولة هل يقبل ذلك أو أن لديه رؤية خاصة فيما يخص الحوار، هذا ما نترقبه وننتظره”.

في المقابل، لا يعتبر حسام الحامي، منسق ائتلاف صمود، “السلطة قادرة على إدارة حوار وطني بين الفرقاء لأن مقاربتها تقوم على تقسيم حاد لا يقبل التأليف بين قوى الخير وقوى الشر. ولأنها تنعت كل من يخالفها في الرأي بـ”قوى الشر””.

ويقول الحامي لـ”أفريقيا برس”: “لم تتلقى المعارضة التقدمية (ائتلاف صمود وبقية مكونات شبكة الحقوق والحريات) أي اتصالات بخصوص الحوار الوطني إلى حد الآن”.

ويختم منسق ائتلاف صمود قائلا: “لا أظن أنها (السلطة) قادرة على تنظيم حوار يجمع كل الفرقاء للخروج من الأزمة إنما مثل هذا الترويج هو فقط مجرد ذر للرماد على العيون بسبب الوضع الإقليمي والدولي الذي يطرح أو يضغط على الأنظمة في المغرب العربي لتراجع حساباتها توقيا مما قد يحدث إقليميا في الفترة القادمة”.

وحدة وطنية

لئن تذهب أغلب الآراء إلى التقليل من صحّة خبر الدعوة إلى حوار وطني، إلا أنها لا تنفي أن الرئيس قيس سعيّد دعا في مناسبات عديدة مؤخرا إلى “ضرورة تكريس الوحدة الوطنية خلال هذه الفترة تجنبا وتماشيا مع التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا”، وفق الصحفي والمحلل السياسي بسام حمدي.

بدوره يستبعد بسّام حمدي “أن ينتظم حوار وطني في تونس على شاكلة الحوارات السابقة يجمع ما بين السلطة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني”. ويقول في تصريحات لـ”أفريقيا برس”: “لا أظن أن الخبر الذي نشره موقع الحرة الأميركي يترجم فعلا الخيار الذي مضى فيه رئيس الجمهورية، لكن من الممكن أن يكون هناك حوار اقتصادي أو حوار اجتماعي يضم الأطراف المتدخلة في الشأن الاقتصادي خاصة منظمة الأعراف واتحاد الشغل وممكن أن تنتظم حوارات أخرى تتعلق بالشأن الاجتماعي”.

ويضيف بسام حمدي: “مفهوم الوحدة الوطنية يختلف من السلطة إلى المعارضة. السلطة ترى أن الوحدة الوطنية يجب أن تتجسد في اتحاد كل المؤسسات وأعضاء الحكومة ورئاسة الجمهورية والمسؤولين والإداريين في خدمة المشروع الاقتصاد والاجتماعي الذي صاغه رئيس الجمهورية، والانطلاق فعليا في العمل بوتيرة أسرع. أما الوحدة الوطنية في نظر المعارضة فتتجسد في تقاسم أعباء السلطة مع الرئيس”، وبين هذا وذاك تبقى الأزمة في تونس أزمة اقتصادية أكثر منها سياسية في نظر الشارع الذي لم يعد يعنيه التضييق على حرية التعبير بقدر ما تعيينه الأسعار التي ترتفع يوما بعد ويوم وألهته الضرائب والآداءات عن السياسة وما يجول في كواليسها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here