خليفة حداد: تونس مؤهلة للقيام بدور إيجابي في الأزمة الليبية

29
علي حداد: تونس مؤهلة للقيام بدور إيجابي في الأزمة الليبية
علي حداد: تونس مؤهلة للقيام بدور إيجابي في الأزمة الليبية

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. اعتبر خليفة حداد، الباحث التونسي في الشأن الليبي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “تونس مؤهلة، أكثر من أي طرف آخر، للقيام بدور إيجابي لحلحلة الأزمة الليبية، غير أن تعقيدات المسألة الليبية لم تواكبها رؤية تونسية متكاملة منذ 2011، وهو ما قاد إلى سوء تقدير موقف في هذا الملف، كما تحول إلى عامل تجاذب داخلي في البلاد.”

ورأى أن “الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة تمنح تونس أسبقية عن غيرها لتحقيق تكامل اقتصادي، إلا أنها ليست الطرف الوحيد الساعي إلى ضمان مصالحه الاقتصادية في ليبيا، حيث هناك تنافس دولي محموم للظفر بالسوق الليبي.”

وفي معرض تعليقه عن التطورات الأمنية الأخيرة بليبيا، لم يستبعد أن “تشهد العاصمة مواجهة وشيكة قد تكون مشابهة للعملية الخاطفة التي حيّدت عبد الغني الككلي وأنهت وجود جهاز دعم الاستقرار في حي أبوسليم، ما لم تؤد الوساطات الجارية إلى رفع يد الردع عن المؤسسات التي تسيطر عليها.”

وخليفة حداد هو باحث في الشأن الليبي، وله إصدارات ومقالات ودراسات وورقات متعلقة بالشأن الليبي، وهي منشورة بمراكز دراسات ومجلات ورقية ومواقع إلكترونية متخصصة. ومن مؤلفاته:

– ليبيا: الدولة وما دونها (دار الرواد للنشر ومؤسسة ليبيا المستقبل للإعلام والثقافة، طرابلس، 2022).

– التشظي الاجتماعي في ليبيا: المسارات والتداعيات الأمنية الإقليمية (ضمن كتاب جماعي بعنوان “الأمن القومي العربي وتحديات الأمن الإقليمي”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2023).



كيف تقرأ زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى تونس، ما هي أهداف هذه الزيارة على صعيد دبلوماسي، حسب تقديرك؟

لم يرشح عن زيارة المنفي إلى تونس إلا ما تم إعلانه رسميًا من الطرفين بخصوص تداول العلاقات السياسية والاقتصادية و”الحرص على تطويرها” والتأكيد على مجابهة “التحديات المشتركة”، وعلى أن حل الأزمة الليبية لن يكون إلا “ليبيا-ليبيا”. ويبدو أن ما يشهده الإقليم وما يحيط به من أزمات يمثل دافعًا لمثل هذه اللقاءات التي كانت الجزائر طرفًا فيها في مناسبات سابقة.

كيف تقيم الدور التونسي في دعم العملية السياسية في ليبيا، هل الدبلوماسية التونسية بحاجة إلى مزيد من التحرك لإنجاح دورها كوسيط ولإنجاح الحوار بين الفرقاء الليبيين؟

تونس مؤهلة، مبدئيًا، أكثر من أي طرف آخر للقيام بدور إيجابي لحلحلة الأزمة الليبية، غير أن تعقيدات المسألة الليبية لم تواكبها رؤية تونسية متكاملة منذ 2011، بل تحول هذا الملف الاستراتيجي، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، إلى عامل تجاذب داخلي في تونس في أكثر من مناسبة. ومن خلال متابعة التطورات الأخيرة يبدو الحضور التونسي أقل من حضور أطراف إقليمية ودولية أخرى في مواكبة الجهود المبذولة من البعثة الأممية لتوحيد المؤسسات التنفيذية ورأب الانقسام وصياغة خريطة طريق لتنظيم انتخابات عامة تنهي المراحل الانتقالية، رغم أن لتونس تجربة سابقة في استضافة الفرقاء الليبيين في “منتدى الحوار السياسي الليبي” سنة 2020.

في ظل التنافس الدولي والإقليمي على الملف الليبي، كيف يمكن لتونس تجنب سياسة المحاور وأيضًا كيف بوسعها تعزيز فرص التعاون والاستثمار في ليبيا باعتبارها الدولة الأقرب جغرافيًا وأيضًا لطبيعة العلاقات القوية بين البلدين؟

الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة تمنح تونس أسبقية عن غيرها لتحقيق تكامل اقتصادي، غير أن الحديث عن “النأي عن صراع المحاور” يبدو حديثًا متعاليًا عن حقائق الواقع. فالأزمة لم تعد، منذ 2014 على الأقل، أزمة ليبية خالصة، وليبيا اليوم في قلب الصراعات الإقليمية والدولية بما في ذلك صراع القوى الكبرى (الحضور العسكري الروسي من خلال الفيلق الأفريقي) والقوى الإقليمية المؤثرة (المستشارون العسكريون الأتراك في طرابلس، التدخل العسكري المصري في مناسبات عدة في المنطقة الشرقية…). وعليه، فإن التعويل على جهود الدول القطرية المجاورة منفردة لضمان مصالح اقتصادية أو تحقيق اختراق جذري لحلحلة الأزمة الليبية يبدو غير واقعي.

برأيك لماذا أهدرت تونس فرص تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ليبيا حسب تقديرك؟

إضافة إلى ما أشرنا إليه من قصور في تقدير الموقف في ليبيا واستشراف مآلاته وتحويل هذا الملف الاستراتيجي الخطير إلى عامل تجاذب داخلي في بعض المناسبات، فإن تونس ليست الطرف الوحيد الساعي إلى ضمان مصالحه الاقتصادية في ليبيا. فليبيا، بحكم عوامل عدة، ورشة مفتوحة للاستثمار والإصلاح وإعادة البناء، وهذا ما يدفع أطرافًا عدة للتنافس على الظفر بنصيبها من السوق الليبي؛ بينها مصر وتركيا والصين وإيطاليا وغيرها.

كيف يمكن لتونس مواجهة تحدي التهريب على الحدود التونسية-الليبية؟

الحديث عن التهريب على الحدود التونسية-الليبية مبالغ فيه، خاصة في السنوات الأخيرة التي شهدت تشديدًا أمنيًا كبيرًا على مسالك التهريب التقليدية. الحركة الاقتصادية التي تشهدها الولايتان الحدوديتان ليست تهريبًا، وإنما تجارة بينية تمر عبر المعابر الرسمية، وهي تجارة تشهد ركودًا ملحوظًا في الأشهر الأخيرة. أعتقد أن التهريب على جانبي الحدود لم يعد ملفًا اقتصاديًا ولا أمنيًا يذكر، وأن البديل عن ذلك يكون باستشراف المصالح المشتركة بين المناطق الحدودية في البلدين بما يضمن المنافع الاقتصادية للطرفين.

يواجه غرب ليبيا حالة من الانفلات الأمني الخطير، ما ينذر بالعودة بالعاصمة طرابلس ومدن الساحل الغربي إلى مربع الفوضى، هل هناك نذر حرب في غرب ليبيا؟

توصيف الوضع الأمني في المنطقة الغربية من ليبيا بأنه “انفلات أمني خطير” غير دقيق. فالمشهد الأمني في مدن المنطقة الغربية (جبل نفوسة، زوارة، الزاوية، طرابلس، مصراتة، زليتن، بني وليد،…) مستقر نسبيًا رغم بعض التوترات التي تظهر بين الحين والآخر. غير أن المشهد قد يتغير في العاصمة خلال الساعات أو الأيام القادمة، إذ يبدو أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة عاقدة العزم على إخضاع جميع الأجسام الأمنية والعسكرية لإشراف وزارتي الداخلية والدفاع، خاصة بعد نجاح العملية التي أدت إلى الانهيار السريع لجهاز دعم الاستقرار منذ أشهر.

تذهب جل المؤشرات الميدانية إلى أن حكومة الدبيبة حسمت أمرها بخصوص إخضاع “قوة الردع”، التي يقودها روؤف كاره المحسوب على التيار السلفي المدخلي وصاحب العلاقات الملتبسة بحفتر والقوى الإقليمية التي تدعمه، واستعادة المؤسسات التي تسيطر عليها كمطار معيتيقة ومراكز الاحتجاز غير الشرعية في الضواحي الشمالية الشرقية للعاصمة. ويبدو أن حكومة الدبيبة ضمنت، لتنفيذ هذه المهمة، ولاء أغلب تشكيلات مصراتة وطرابلس، كما تمكنت من اختراق وتحييد تشكيلات من مدينة الزاوية.

وعليه، يبدو المشهد في العاصمة مقبلاً على مواجهة وشيكة قد تكون مشابهة للعملية الخاطفة التي حيّدت عبد الغني الككلي وأنهت وجود “جهاز دعم الاستقرار” في حي أبوسليم، ما لم تؤدِ الوساطات الجارية إلى رفع يد “الردع” عن المؤسسات التي تسيطر عليها.

كيف يمكن لتونس حماية أمنها من التحديات الخارجية خاصة المرتبطة بالتطورات الأمنية في الملف الليبي وتواصل حالة اللااستقرار؟

الأمن القومي للدول لم يعد ينحصر في العمل الشرطي والعسكري فحسب، بل يمتد إلى حماية المصالح المالية والتجارية والطاقية، وتشبيك العلاقات في مجالات التربية والصحة والثقافة وتبادل الخبرات والعمالة، وحشد المواقف الدبلوماسية في المحافل الدولية. وهذا يتطلب رؤية استراتيجية دقيقة للتعاطي مع بيئة معقدة ومتحركة ومتخمة بالتدخلات الإقليمية والدولية كما هو الحال في ليبيا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here