آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أبدت أوساط اقتصادية تونسية قلقها لعزم الحكومة تطبيق قانون الشيكات الجديد في بداية شهر شباط المقبل، محذرين من أن منع تداول الشيكات دون رصيد طبقا للقانون الجديد، ستكون له كلفة اجتماعية خاصة على الطبقات الوسطى والفئات محدودة الدخل، ما من شأنه أن يفاقم من أزمة الأسر التونسية.
وأوضح رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد في حواره مع “أفريقيا برس” أن “الاقتصاد التونسي غير مهيأ بعد لتطبيق قانون الشيكات الجديد، مؤيدا مقترح برلماني داعي إلى إرجائه إلى السنة القادمة، باعتبار عدم جهوزية البنوك لإصدار بديل عن الصك كوسيلة للدفع”.
ولفت إلى أن “القانون الجديد أخذ بعين الاعتبار الجانب العقابي أو الجزائي بهدف إيجاد حلول للمتورطين في قضايا الشيك دون رصيد ومن تلاحقهم عقوبات سجنية قاسية، في حين وقع إهمال الجانب المالي والاقتصادي، حيث سيؤثر اعتماد هذا القانون على عملية الاستهلاك وسيعطل المعاملات التجارية، وبالتالي سيكون عائقا أمام تحقيق النمو الاقتصادي”.
ورضا الشكندالي هو أستاذ اقتصاد بالجامعة التونسية، حاصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، وهو عضو لجنة القيادة للحوار الوطني بتونس حول الفلاحة والصيد البحري، والمدير العام السابق لمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وقد ألف العديد من الكتب والمقالات حول مختلف جوانب الاقتصاد الكلي (السياسات الاقتصادية، الحوكمة، الاستثمار الأجنبي المباشر، الاقتصاد التونسي)، وأشرف على العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير بالجامعات التونسية.
ما رأيكم في المبادرة البرلمانية التي اقترحتها مجموعة من النواب مؤخرا، والداعية إلى تأجيل قانون الشيكات الجديد، هل سيربك هذا القانون مع اقتراب دخوله حيز التنفيذ الاقتصادي التونسي، حسب تقديرك؟
فيما يخص هذه المبادرة البرلمانية والداعية إلى تأجيل تنفيذ هذا القانون أو حتى مراجعته في بعض فصوله، أعتقد أنه سيكون لذلك إفادة على مستوى الاقتصاد التونسي، باعتبار أن الاقتصاد التونسي حاليا ليس مهيأ تماما لتطبيق هذا القانون الجديد، وذلك لعدة أسباب، منها أن “الكمبيالة” (سند تجاري) ليست محل ثقة المزودين والتجار، وهم يرفضون تماما التعامل مع هذا الشكل الجديد لتسهيل الدفع، علاوة على ذلك فإن البنوك لم تتهيأ بعد لإصدار البديل للصك كوسيلة للدفع، وقد تحدثت الحكومة عن البطاقات الرقمية لكن هذه البطاقات ليست جاهزة إلى الآن، كما أن البنك المركزي لم يصرح على أن المنصة الرقمية جاهزة للتطبيق في 2 فيفري موعد دخول تطبيق القانون حيز التنفيذ، وبالتالي أثمن هذه المبادرة، وبرأيي لا بد من تأجيل تطبيق هذا القانون.
اعتبر بعض الخبراء أن قانون الشيكات الجديد علامة على انفصام مع الواقع الاقتصادي التونسي وأيضا يزيد الضغوط المالية على التونسيين، هل تؤيد ذلك؟
هذا القانون يؤكد مرة أخرى أن من صادق عليه هو بعيد كل البعد عن الواقع التونسي، أولا لأن المفاهيم تتحدد بالممارسة العملية، والممارسة العملية تقول أن التونسيين تعودوا على الشيك كوسيلة دفع دون أن يكون الدفع بشكل فوري، والواقع يقول أن مجمل المعاملات المالية هي معاملات تتعلق بالشيك وليست بالكمبيالة، وبالتالي هو بعيد عن الواقع التونسي ويزيد من كاهل الأعباء المالية على التونسيين.
هل يتلائم القانون الجديد للشيكات مع سياسة الحكومة الاقتصادية القائمة على التعويل على الذات؟
تقول الحكومة التونسية أنها تنوي الوصول إلى نسبة نمو اقتصادي تبلغ 3 بالمئة يعني ضعف ما تحقق أو ما قد يتحقق سنة 2025، هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستهلاك وهو محرك أساسي للنمو الاقتصادي، في حين أن القانون الجديد للشيكات سيعطل المعاملات التجارية وسيكون عائقا أمام المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي وهو الاستهلاك الخاص، وهذا سيكون له تداعيات سيئة حتى على سياسة التعويل على الذات التي تنوي الحكومة المضي فيها خلال السنة الجارية، والتي تعتمد أساسا على الموارد الجبائية كموارد ذاتية، والتي لا يمكن لها أن تتطور إلا ببلوغ نسبة نمو اقتصادي مهمة.
هل سيجد هذا القانون حلول معقولة للآلاف من الأشخاص الهاربين خارج الوطن، وإيجاد حلول معقولة للمحكومين بسنوات طوال لخلاص دينهم؟
بالتأكيد، حيث أن هدف هذا القانون بالأساس هو إيجاد حلول لمن تورط في شيكات بدون رصيد، وللأشخاص الهاربين خارج الوطن، لذلك من قدم واقترح هذا القانون هو وزارة العدل وليس وزارة الاقتصاد ولا المالية، وبالتالي الجانب العقابي أو الجزائي هو الذي أخذ بعين الاعتبار، في حين أهمل الجانب الاقتصادي والمالي، ولم يناقش مجلس النواب بتاتا هذا الجانب وهو الجانب المهم في السياسات الاقتصادية للدولة.
هناك خبراء يرون أن منع تداول الشيكات دون رصيد وفق القانون الجديد سيكون له كلفة اجتماعية وستدفع ثمنها الطبقات الوسطى والضعيفة، ما رأيكم في ذلك؟
دون أدنى شك أن من سيتحمل وزر هذا القانون الجديد هي الطبقات الوسطى والضعيفة والتي لا تسمح لها مقدرتها الشرائية بالقيام بالشراء بعض المستلزمات الاستهلاكية باهظة الثمن، ولا يمكن لها أن تتمكن من ذلك إلا من خلال التسهيل الدفع عبر الشيك، وهو وسيلة تعود عليها التونسيون منذ سنوات، وقد اطمئن بهذه الآلية المزودون والتجار، وكونت نوعا من الثقة بين البائع والشاري، وبالتالي لا أعتقد أن تغيير هذا القانون سيكون له إفادة على مستوى الاقتصاد التونسي، بل سيتضرر منه كثيرا هذه الطبقات التي لا تسمح لها مقدراتها الشرائية بالقيام بسد حاجاتها على مستوى المستلزمات الحياتية الضرورية الباهظة الثمن كالثلاجة والتلفاز والعديد من المستلزمات الأخرى، وحتى الخدمات الصحية، حيث لا يمكن لهذه الطبقات توفير المبلغ المطلوب من طرف المصحات وهي مبالغ كبيرة كما ماهو معلوم، وبالتالي ستتضرر الفئات الاجتماعية الضعيفة والمتوسطية كثيرا من هذا القانون الجديد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس