رياض جعيدان لـ”أفريقيا برس”: النظام الرئاسي لا يعني غياب برلمان قوي

104
رياض جعيدان ل
رياض جعيدان ل"أفريقيا برس": النظام الرئاسي لا يعني غياب برلمان قوي

حوار آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس.  أكد رياض جعيدان مساعد رئيس البرلمان التونسي في حواره مع” أفريقيا برس” إلى أن” الذهاب إلى نظام رئاسي في تونس لا يعني غياب برلمان قوي، حيث أن البرلمان الجديد هو برلمان فاعل ومحافظ على مهامه الكلاسيكية في مراقبة المشاريع وأيضا اقتراح القوانين ومسائلة الحكومة، وسيعمل على طرح تشريعات إصلاحية هدفها إنقاذ الاقتصاد استجابة للمطالب الاجتماعية.

وأشار جعيدان إلى أن البرلمان يريد أن يكون بمنأى عن الحسابات السياسية الضيقة خاصة في ظل حملات تشنها أطراف بهدف تشويه عمله وأدائه، نافيا وجود خلافات بين الكتل النيابية كما وقع الترويج إلى ذلك، مبينا أنها نقاشات ووجهات نظر مختلفة فيما يخص تأويل النظام الداخلي التي تطرقت إليها جلساته الأخيرة.

رياض جعيدان هو سياسي ومحامي تونسي، ويشغل حاليا منصب مساعد رئيس مجلس النواب مكلف بالإصلاحات الكبرى.

هناك دعوات متزايدة للرئيس قيس سعيد بعرض قانون المحكمة الدستورية للمصادقة عليه، هل ستنجح برأيك تونس في تركيز المحكمة وبقية المؤسسات الدستورية في آجال قريبة؟

بطبيعة الحال نحن نتمنى أن تنجح تونس سريعا في تركيز المحكمة الدستورية وهي مهمة جدا في المنظومة الديمقراطية، وتركيزها أساس كل منظومة ديمقراطية في الديمقراطيات التي تحترم نفسها. نعلم اليوم أن العديد من المسائل معطلة بسبب غياب المحكمة الدستورية، وبالنسبة لنا كبرلمانيين كنا نود أن قانون النظام الداخلي الذي صادقنا عليه مؤخرا أن يتم عرضه على المحكمة الدستورية، وللأسف فشلت البرلمانات المتعاقبة منذ سنة 2014 في تشكيل المحكمة الدستورية بسبب خلافات حزبية والدفع خاصة نحو المحاصصة السياسية، ونتذكر أنه لم يقع انتخاب إلا عضوا واحد من جملة 12 عضوا خلال المدة البرلمانية في سنوات 2014 و2019.

وحاول كذلك البرلمان المنحل سنة 2019 تجاوز هذه العقبة، لكن الصراع بين الكتل وعدم توافقهم حول ثلاث مرشحين رغم تخفيضهم حينها للعضوية المطلوبة للانتخاب من ثلثين أي من145 عضوا إلى أغلبية ب109 عضو فقط، مع ذلك فشل الجميع في تركيز المحكمة الدستورية، ونأمل اليوم أن يتحمل الجميع مسؤوليته في هذا الصدد من رئاسة وبرلمان وحكومة وجميع الفاعلين حيث يجب جديا عرض قانون المحكمة الدستورية للمصادقة حيث أن تركيزها هو أساس كل بناء ديمقراطي كما ذكرت. لا نستطيع الحديث عن بناء ديمقراطي دون الحديث عن محكمة دستورية تراقب مدى احترام دستورية القوانين وتلعب دورا هاما في الحياة السياسية بصفة عامة.

ذكرت في تصريح سابق أن “البرلمان سيدخل في مرحلة إصلاح شامل للمنظومة التشريعية” كيف ذلك؟

طبعا حيث أن البرلمان وظيفته الرئيسية هي وظيفة تشريعية وجاء هذا البرلمان في خضم عملية إصلاح شاملة وإصلاح للبلاد والدولة بعد العديد من الهنات التي لاحظناها خاصة في السنوات الأخيرة والتي أعاقت التنمية وأعاقت بالفعل انتقال بلدنا إلى مرحلة انتقال ديمقراطي حقيقي وخاصة في مجال اقتصادي استجابة لتطلعات الشعب التونسي، وقد شرفني زملائي النواب بانتخابي كمساعد رئيس مكلف بالإصلاحات الكبرى، واعتبرها مهمة هامة جدا وهي بمثابة مهمة وطنية مهمة لإصلاح للمنظومة التشريعية،وحين نتحدث عن المنظومة التشريعية أشير إلى قوانين بالية تعيق قوانين الاستثمار وتكرس عدم العدالة الجبائية، قوانين بالية تصعب العمليات المالية خاصة العمليات بالعملة الصعبة، لذلك يجب أن تركز مرحلة الإصلاح الشامل على القوانين الاجتماعية والاقتصادية.

وفي تقديري لا بد من دعم الحرية الاقتصادية بالتخفيف من التراخيص والبيروقراطية التي تعطل الحرية الاقتصادية، لذلك لا بد من دعم الحرية الاقتصادية ولا بد من إصلاح جبائي شامل يخفف العبء على المواطن وعلى المستثمر وعلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ويحقق خاصة العدالة الجبائية، لا بد أيضا من تحرير العمليات المالية بالعملة الصعبة حتى يستطيع الشباب والمؤسسات الناشئة العمل والاستثمار للمساهمة بشكل فعال في دفع عجلة التنمية، كما لا بد من دفع الاستثمار خاصة بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج خاصة من قبل رجال الأعمال المتواجدين في عديد البلدان العربية والغربية القادرين على الاستثمار إذا استطعنا القيام بمنظومة تسهل لهم عملية الاستثمار وتحفزهم على ذلك.

لا بد أيضا من قانون إنقاذ اقتصادي تشمل فيه جميع هذه الإجراءات وحتى يكون قانونا لإصلاح الاقتصاد وإنقاذه، وكالعمل أيضا على إصلاح مجلة الصرف وهو مهم جدا إضافة إلى إصلاح مجلة الاستثمار بمعنى القيام بإصلاحات تتعلق بالمجال الاقتصادي والاجتماعي.

هل بالفعل سيقع مناقشة تعديلات تشريعية تحد من استقلالية البنك المركزي كما صرحت بذلك، في خطوة إصلاحية قد تعارضها الأوساط المالية في تونس؟

في الحقيقة يجب التوضيح بأنني لم أصرح بأن هناك مشروعا لقانون يحد من استقلالية البنك المركزي، لكن هناك خواطر ذكرتها في لقاء إذاعي حيث قلت أنه لا يوجد خطوط حمراء وكل شيء قابل للتقييم والإصلاح، وحين نتحدث عن إصلاحات كبرى يجب أن نفكر بكل موضوعية.

وفيما يخص استقلالية البنك المركزي يجب التوضيح أنه حين نقول استقلالية البنك المركزي فنعني استقلالية البنك المركزي على القرار السياسي وهذا ما أؤيده، وأعني استقلالية التصرف وليست استقلالية تامة، واستقلالية التصرف من عدمها المفترض أن لا تمثل إشكالا لأن الحكومة والبنك المركزي هم تونسيون في النهاية ومستقلون.. لسنا مرتبطين بأطراف خارجية، ومن الطبيعي أن يتفقوا على ماهو أفضل لتونس وعلى حلول وطنية.

بالنسبة لي فإن الحل الوسط هو أفضل الحلول حيث أن استقلالية البنك المركزي لا بد منها حتى لا يبقى تحت رحمة الأحزاب والحكومات وذلك سيؤدي برأيي إلى مشاكل وإلى تسييس للسياسة المالية ولكنها في المقابل ليست استقلالية مطلقة، ويوضح قانون 2016 المنظم للبنك المركزي أن البنك المركزي متابع ومراقب من قبل مجلس نواب الشعب، ويمنحنا القانون كنواب الحق في متابعة سياساته وأشغاله ومراقبته، وفي هذه المسألة فإنني ضد أن يكون البنك المركزي تحت رحمة السياسيين والساسة والأحزاب لأنهم بإمكانهم القضاء على مستقبل بلدنا لأهداف انتخابية فورية. كما يجب أن نبتعد عن الشعبوية المقيتة، حيث لا يجب العودة إلى الوراء وقد باتت لدينا ثقافة تؤيد استقلالية البنك المركزي عن السياسة حتى دون قانون هذه نقطة أردت توضيحها، وفيما يخص صلاحيات محافظ البنك المركزي ومجلس الإدارة يقع تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، حيث هناك تفاعل دائم مع السلطة التنفيذية، وبالنسبة لي الاستقلالية كما أوضحت هي تحديدا عن الأحزاب والسياسيين.

برأيك هل الدفاع عن مراقبة صلاحيات الحكومة هو تحد أمام البرلمان في ظل نظام رئاسي قوي؟

النظام الرئاسي لا يعني عدم وجود برلمان قوي لذلك دائما ما نعتقد أن النظام الرئاسي بالضرورة سينتج عنه برلمانا ضعيفا، هذا البرلمان لديه وظيفة تشريعية كلاسيكية تتمثل في المصادقة على مشاريع القوانين التي تأتي من السلطة التنفيذية وفيها أيضا اقتراح للقوانين، ولديه أيضا الوظيفة الرقابية وهي مهمة جدا وهي تشمل مراقبة الحكومة وإمكانية إرسال أسئلة كتابية وشفاهية وإمكانية وضع لائحة لوم للحكومة وإسقاطها إذا استوجب ذلك، وإمكانية تنظيم جلسات حوار مع أعضاء الحكومة، وسيد رئيس الجمهورية ألح خلال استقباله رئيس مجلس نواب الشعب مؤخرا على ممارسة النائب وظيفته الرقابية في المجلس واستدعاء الوزراء.. إذن مراقبة صلاحيات الحكومة موجودة وهي بالأساس ثقافة قبل كل شيء، وحسب ما لاحظت هناك ثقافة مراقبة العمل بين زملائي النواب اليوم بما فيه خير للوطن وفائدة للشعب والجميع يريد ممارسة الوظيفة الرقابية، ودستور 2022 على كل حال يضمن لنا ممارسة الوظيفة الرقابية ومراقبة صلاحيات الحكومة.

يرى البعض أن البرلمان ٔ قام بالاستحواذ على سلطات مجلس الجهات والأقاليم من خلال قانونه الداخلي في سابقة خطيرة من شأنها ضرب القليل من المصداقية التي يملكها؟

استغرب في الواقع أن يؤيد مثل هذا الكلام رجال القانون وكل من يحسن قراءة الدستور، حيث أن دستور 2022 أوضح أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم يشترك مع مجلس نواب الشعب في العديد من الوظائف التشريعية والرقابية: مثلا لائحة اللوم يتم انجازها بين نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم وقانون المالية وغير ذلك..هناك العديد من الوظائف المشتركة بينهما وهو موجود في جميع البرلمانات التي تتكون من غرفتين، لكن نحن حاليا لدينا مجلس نواب شعب وليس لدينا مجلس جهات وأقاليم ماذا نفعل إذن؟؟ هذا غير طبيعي هل نتوقف عن العمل؟؟ وهذا ما يشكل سابقة خطيرة بالفعل.

وقد جاء دستور 2022 بفصل مهم وانصح جميع المختصين بالاطلاع عليه وقد طبق المجلس النواب حرفيا ماهو موجود في الدستور لأن الفصل 142 من الدستور يشير إلى أن الأحكام المتعلقة بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم تدخل حيز النفاذ إثر انتخاب أعضائه بعد وضع كل النصوص ذات الصلة به، يعني أن هذا المجلس لن تصبح أحكامه حيز النفاذ إلا بعد انتخاب أعضائه حينها نصبح نعمل ببرلمان بغرفتين، لكن من المنطقي أن يمارس مجلس نواب الشعب صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم إلى أن يقع انتخاب أعضاءه، ولا يشكل ذلك استحواذا بل هو ممارسة وقتية في انتظار انتخاب مجلس الأقاليم والجهات فقط.

حراك 25 جويلية تحدث في تصريح أخير عن شراء وبيع كتل في البرلمان ما رأيك في هذا التصريح، هل هناك بالفعل خلافات داخلية غير معلنة داخل البرلمان؟

اعتبر مثل هذه التصريحات التي تهدف إلى ترذيل البرلمان الجديد وتشويهه هي ليست تصريحات عفوية هي تأتي ضمن أجندات لعديد من الناس التي أرادت المشاركة في العملية الانتخابية وقالت أنها تساند مسار 25 جويلية، لكن في الحقيقة هي ترغب في الحصول على سلطة وعلى مناصب وهذه الناس لم تنجح في هذا المسعى.

ومنذ انطلاق أعمال مجلس النواب وهذه الأطراف تريد تشويهه، ومن يدعي أن هناك بيعا وشراء للكتل حسب رأيي على النيابة العمومية التحرك للتثبت من صحة أقوال هؤلاء حينها تفتح تحقيقا في ذلك، لكن إذا لا يوجد ما يثبت ذلك لا بد إذن من محاكمة من يدعي ذلك ومحاسبته ، لكن ما نؤكده أن ما يروج عن خلافات داخلية وغير معلنة ليس صحيحا ولا يوجد لخلافات، بل هناك أحيانا وجهات نظر مختلفة وهناك من يريد أن يدخل لكتل وأخرى ومن يفضل عدم الانتماء ، ورئيس الجمهورية أكد ذلك خلال لقائه برئيس مجلس النواب لمن يريد الانضمام إلى كتل بهدف تسيير أعمال المجلس ومن يرفض ذلك فهو نائب وله كامل حقوقه، لكن لا يعني ذلك وجود خلافات داخلية على العكس هناك نقاشات هادفة، حيث وقعت بعض الإشكالات فيما يخص تأويل النظام الداخلي وحصة الكتل في مكتب المجلس، هذا النقاش خرج إلى العلن لكن ليس شراء وبيعا للكتل كما يقع الترويج لذلك، هذه تصريحات مشوهة لهذا النظام وهي تصريحات مجانبة للحقيقة والواقع.

ما رأيك في الانتقادات الموجهة للبرلمان بأنه شكليا ومحدود الصلاحيات ويستكمل في تنفيذ مشروع الرئيس؟

أرى أن هذه الاستنتاجات لأطراف لديها حسابات سياسوية ضيقة، ومنذ انطلاق الانتخابات يقومون بالتشويه وترذيل لكن اليوم بدأ الشارع يعلم أن من يدعي ذلك لا علاقة له بالخيارات الوطنية لبلدنا وللبناء الوطني لبدلنا هؤلاء الأطراف هدفهم المناصب والسلطة، وقد ابتعدت عن السلطة فظلت تشتم ليلا نهارا..

وحسب رأيي البرلمان ليس شكليا بل سيكون برلمانا متميزا فرغم اختلاف مشارب النواب بسبب مرجعياتهم الفكرية المتنوعة لكن هذا الاختلاف هو عامل مثري للمجلس ويساهم في تلاحق هذه المرجعيات، واليوم بدأنا في اجتماعات مكتب المجلس وقمنا ببعض الجلسات العامة، وحسب رأيي سيكون برلمانا فاعلا إذا اتفقنا على رزمانة تشريعية على مدى قصير وتحديد أولوياتنا التشريعية خاصة الاقتصادية والاجتماعية، وأولوياتنا على مدى متوسط ومدى طويل.

مسالة أخرى مهمة وهي حوكمة المجلس وسنحاول تحسين حوكمة المجلس على أساس منظومة تشاركية متناغمة بين النواب والحكومة والمجتمع المدني والمواطنين بصفة عامة وخاصة نريد أن يكون المجلس فاعلا بعيد عن الصراعات السياسية الضيقة التي رأيناها في المجالس السابقة ونركز على إنقاذ البلاد اقتصاديا وإصلاحها اجتماعيا.

إذن المسؤولية مسؤولية تاريخية ولا بد حسب رأيي أن نتخذها كخدمة وطنية عسكرية لبلدنا في هذه الفترة صعبة ونساهم جميعا في أصلاح البلد، فعملية الإصلاحات الكبرى هي عملية لا تهم فقط مجلس النواب والحكومة والرئاسة، بل لا بد أن تكون إصلاحات كبرى شعبية يشارك فيها الشعب وبطبيعة الحال السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتكون عملية إصلاح كبرى شعبية تشاريكة وخاصة وطنية.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here