آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبر زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب في حواره مع”أفريقيا برس” أن المرحلة التي تمر بها تونس تقتضي تغيير حكومة نجلاء بودن والذهاب نحو حكومة سياسية التي يراها الأكثر قدرة وكفاءة لإدارة أزمات البلاد، خاصة أن مرحلة الاستثناء قد انتهت وبالتالي لم يعد مبررا لوجود حكومة تصريف الأعمال، حسب تقديره.
وأشار المغزاوي أن مسار 25 جويلية الذي تدعمه حركة الشعب منذ البداية وتراهن عليه لتحقيق مطالب الشارع مطالب اليوم بتسريع خطواته لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لافتا أن الحركة اقترحت جملة من الحلول والتصورات على الرئاسة للخروج من الأزمة، كما تشتغل عبر كتلها البرلمانية داخل البرلمان على صياغة مشاريع تهتم بأولويات الشارع في جميع المجالات.
زهير المغزاوي هو سياسي تونسي من مواليد 1957 من مدينة قبلي في جنوب تونس ويشغل منصب أمين عام حركة الشعب منذ جويلية/يوليو 2013.
قلتم في تصريح سابق أن الحكومة الحالية فشلت في تحقيق انتظارات التونسيين والمرحلة تستحق حكومة سياسية، هل حان برأيك موعد تغيير الحكومة؟
طبعا حان الوقت للتغيير وقبل ذلك حان وقت التقييم والمسؤول على هذا التقييم هو رئيس الجمهورية باعتبار الحكومة الأخيرة هي حكومة رئيس الجمهورية فهو من اختار هذه الحكومة بعد حوالي سنتين خاصة في ظل الاضطرابات التي تزداد يوما بعد يوم خاصة على مستوى اقتصادي وما نجم عنها من غلاء الأسعار وفقدان بعض المواد الغذائية في الأسواق، والمسؤول عن هذه الاضطرابات أيضا أسباب عديدة أخرى مثل العشرية السابقة والأزمة الموجودة في العالم، والمسؤول عليها كذلك سوء إدارة هذه المرحلة والتعاطي مع هذه الملفات، لأن الأزمة الاقتصادية ليست متعلقة بالاحتكار فقط وبمحتكرين متآمرين بل لأن إدارة هذه المرحلة كانت في اعتقادنا إدارة سيئة أدت إلى تفاقم الأزمة ولم تخفف وطأتها على الناس.
هناك مسألة أخرى بعد الانتخابات التشريعية وتركيز مجلس نواب الشعب من المفروض أن مرحلة الاستثناء قد انتهت ودشنا مرحلة جديدة هي مرحلة المؤسسات والتي تقتضي تقييم وحكومة جديدة، حيث أن حكومة نجلاء بودن كانت بالأساس حكومة تصريف أعمال خلال مرحلة استثنائية وبذلك دخلنا لمرحلة جديدة تتطلب برنامجا ورؤية جديدة، ولا يعني أننا نطالب بحكومة سياسية لرغبتنا بمشاركة طرف بعينه في الحكم بل نريد حكومة بخلفيات سياسية حيث لا يمكن أن تكون هناك حكومة إدارة فقط ، وبرأينا من الضروري التأطير السياسي للعمل الحكومي.
في تقييمكم لمسار 25 جويلة قلتم مؤخرا أن حركة الشعب باتت قلقة من هذا المسار، هل تعتقد أن هذا المسار تأخر في تحقيق أهدافه وهناك تباطؤ على صعيد تشريعي من خلال التأخر في إرساء محكمة دستورية وعلى صعيد اقتصادي في ظل استمرار الأزمة؟
نعم نحن نعتقد أنه كان بالإمكان أفضل مما كان، وقد كنا من الفاعلين لهذا المسار منذ اليوم الأول على غرار أطراف عديدة أخرى شركاء لنا في هذا الوطن، وكنا نعتقد أنه سيكون هناك مسار حكوميا سيهتم بالأولويات الاقتصادية والاجتماعية لأننا مقتنعين في حركة الشعب أن الفشل الذي وقع خلال العشرية الأخيرة هو فشل اقتصادي واجتماعي بالأساس، والناس التي خرجت إلى الشارع يوم 25 جويلية وقبلها في جانفي/يناير كانت تنتقد الخيارات الوطنية للحكومات السابقة والتي لم تستطيع تحقيق الحد الأدنى من انتظاراتهم وبالتالي أول مهمة لمسار 25 جويلية هو الشروع في تخفيف الوطأة على المواطنين والمواطنات.
لكن لاحظنا في إدارة مرحلة ما بعد 25 جويلية لم يقع التركيز على ذلك إلا في الآونة الأخيرة من خلال حديث الرئاسة عن هذه المشاغل باستمرار واستدعائها لخبراء اقتصاديين، وهي مسائل مهمة لكن كان بالإمكان القيام بها منذ اليوم الأول وكان بالإمكان بالمراسيم القيام بالعديد من الإجراءات الاقتصادية وبالتالي نكون قد أرسلنا رسائل ايجابية إلى الشارع، وانعكست نتيجة هذا التباطؤ على الانتخابات من خلال الإقبال الضعيف عليها، وبالنسبة لنا كانت هذه النتائج بمثابة رسالة من الشعب وقد قلت للرئيس في مناسبات عديدة أنه لا يوجد عقد بينك وبين الشعب بل العقد مرتبط فقط بمدى القدرة على الانجاز، وبالتالي نحن نعتبر 25 جويلية فرصة حقيقية للخروج من الديمقراطية الفاسدة إلى الديمقراطية الحقيقية وفرصة حقيقية لخلق منوال تنموي جديد يخلق الثروة ويضمن توزيعها بشكل عادل وللدفاع عن سيادتنا الوطنية وتحقيق أهداف ثورة جانفي/ يناير، وتعبيرنا على قلقنا هو من باب دفع رئيس الجمهورية وكل المعنيين بهذا المسار حتى يلتفوا أكثر حوله ويجتهدوا أكثر ويعملون ليلا نهارا من أجل الوصول بمسار 25 جويلية إلى بر الأمان.
شكلتم مؤخرا كتلة الخط الوطني السيادي في البرلمان بالتحالف مع حزب الوطد، ماهي أهداف هذه الكتلة هل برأيك البرلمان اليوم قادر على فرض دوره في ظل صلاحياته المحدودة؟
كنا في البرلمان السابق في كتلة أطلقنا عليها حينها اسم “الكتلة الديمقراطية” مع أصدقائنا بحزب التيار الديمقراطي ولم تكن التسمية حينها اعتباطية حيث كان هدفنا في الكتلة في ظل ديمقراطية فاسدة هو تقويم المسار الديمقراطي باعتبار أن الثورة التونسية حولتها حركة النهضة والنخب التي تدور في فلكها إلى مجرد تحول ديمقراطي عليل متحالف مع الفساد في الداخل وخاضع للاملاءات الخارجية، إذن كان الهدف هو خلق ديمقراطية سياسية واجتماعية حقيقية لأننا نؤمن أن لا نستطيع الحديث عن الديمقراطية وهناك جوع في البلد.
وهذه المرة أسمينا الكتلة ب”الخط الوطني السيادي”وهي تركز على الدفاع على السيادة الوطنية وإيجاد بديل يتماشى مع طموحات هذا الشعب وستقدم الكتلة مقترحات تدافع فيها عنه، ونعتقد هذه المرة أن مسؤوليتنا أكبر في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد. وبالنسبة للبرلمان فدوره محدد في الدستور وهو مختلف عن دور البرلمان السابق باعتبار أننا اليوم في ظل نظام رئاسي وفي ظل هذا النظام البرلمان له دور رقابي وهو دور إجباري، ونحن في الكتلة وكحركة الشعب نطالب كل البرلمانيين بالقيام بدورهم الرقابي والبرلماني وأن لا يخضعوا لأي سلطة من السلطات، وقد لاحظنا مؤخرا بداية محاولات لاسترضاء الرئيس وجوقة مزايدات وهي جوقة خطيرة على كل نظم الحكم ونحن نحذر من ذلك، ويجب على البرلمان القيام بدوره كما يجب وأن يدافع على شعبه وثورته وعلى خياراته الكبرى.. هذا دور البرلمان سواء اشتغل مع رئيس الجمهورية أو مع الحكومة المهم يشتغل في هذا الاتجاه وليس في اتجاهات أخرى.
إلى ماذا تطرقت زيارة الوفد الصيني إلى مقر حزب حركة الشعب، وما صحة الهبة الصينية لبناء مستشفى في قابس حسب ما توصل إليه لقائكم؟
زيارة الوفد الصيني إلى مقر حزبنا هي زيارة رفيعة المستوى وقد ترأس الوفد الصيني عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وهو أيضا مدير عام معهد أدبيات وتاريخ الحزب الشيوعي الصيني، وتأتي الزيارة كتتويج لعلاقة حركة الشعب بالحزب الشيوعي الصيني وهي علاقة منسجمة طيلة سنوات على غرار علاقة حركة الشعب بعديد الأحزاب الصديقة والشقيقة في الوطن العربي وفي العالم.
طبعا نحن مشمولين بالعلاقة بين تونس والصين الشعبية، وكنا نتحدث في حركة الشعب منذ سنوات على أن العالم يتغير ويتبدل وأن هناك موازين قوى جديدة يمكن أن تكون بمثابة نافذة لحلول أخرى لتونس، كما يمكن أن تحول تونس من خلال التوجه إلى هذه القوى إلى فرصة لتخفيف الوطأة على شعبها، وفي هذا الإطار دعونا في عديد المرات إلى تنويع العلاقات الاقتصادية مع شركاء صاعدين جدد على غرار الصين الشعبية وغيرها.
وقد ركزت زيارة الوفد الصيني على محورين: المحور الأول يتعلق بعلاقة حركة الشعب بالحزب الشيوعي الصيني وسبل تطوير هذه العلاقة من خلال تبادل الزيارات والخبرات والمبادرات خاصة أن الحزب الشيوعي الصيني حزب عمره أكثر من مئة سنة ويقود دولة عظمى، وكان لنا الفخر في الحركة بالاحتكاك بهذا الحزب الذي قاد الثورة الصينية ونجح في قيادة نهضة الصين الحديثة.
المحور الثاني متعلق بعلاقة الدولة التونسية بجمهورية الصين الشعبية وقد أشرنا إلى ثلاثة نقاط : النقطة الأولى ركزت على مذكرة التفاهم الخاصة بانضمام تونس إلى مشروع الحزام والطريق حيث أبرم هذه الاتفاقية يوسف الشاهد حين كان رئيسا للحكومة في أواخر سنة 2017 وبداية 2018، وللأسف لم يرى هذا المشروع الضخم النور إلى حد الآن.
النقطة الثانية تناولت لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ على هامش أشغال القمة العربية -الصينية التي احتضنتها السعودية، في حين لم نلمس في تونس نتائج ملموسة لهذا اللقاء.
وركزنا في النقطة الثالثة خلال حديثنا مع الحزب الشيوعي الصيني عن العلاقة الثنائية بين تونس والصين، وقد أوضحنا وجهة نظرنا وقلنا للصينيين أننا لا نريد أن تكون علاقتنا بكم علاقة تاجر بحريف، بمعنى أن البضائع الصينية تملأ الأسواق التونسية في حين لا توجد بضائع تونسية بالأسواق الصينية فطلبنا منهم أن تكون علاقة شراكة حقيقية متوازنة، وبالتالي اقترحنا عليهم استيراد عديد المنتجات التونسية كالتمور وزيت زيتون والتعاون في المجال السياحي وأيضا الأكاديمي.. تحدثنا في كل هذه المسائل وسينقلها الوفد إلى القيادة الصينية ونحن بدورنا سنقدم تقريرا لرئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية تتناول فحوى هذه الزيارة.
وبخصوص بناء الصين لمستشفى أمراض السرطان في ولاية قابس ، كنا قد تحدثنا من مدة مع السفير الصيني في تونس بشأن هذا الموضوع، وربما قد تكون بشرى لأهالينا في الجهة حيث أن هذا الملف تقدم لأشواط هامة وربما سينتقل من مرحلة الدراسة إلى مرحلة الحديث مع الجهات الرسمية كوزارة الخارجية ووزارة الصحة لتنفيذ هذا المشروع نظرا لانتشار ذلك المرض في تلك المنطقة، يعني هنالك موافقة مبدئية لهذه الهبة الصينية، بقي فقط مسائل تهم الدولتين وهي ليست من اختصاصنا، لكن من المؤكد أنها ستتم في القريب العاجل ونحن سنتابع هذا الموضوع.
هل تؤيد اتجاه تونس إلى الصين لزيادة الاستثمار وتحسين العلاقات الاقتصادية-الصينية، وماهو مستقبل العلاقات التونسية-الصينية في تقديركم؟
في تقديرنا كحركة الشعب فإن العلاقة مع الصين هي فرصة لتونس، وعلى عكس تيار كامل موجود في تونس يثير مخاوف التونسيين من الذهاب إلى الصين، كما أننا لم ندعو على الإطلاق إلى قطع العلاقات القديمة في تونس سواء مع الاتحاد الأوروبي أو غيرها، بل طالبنا أن تكون العلاقات ندية ونفعية بشكل متساو ولا تكون قائمة على الإملاءات أمام مساعي هذه القوى فرض شروطها وإملاءاتها علينا، وقلنا أنه لا بد من تنويع علاقتنا لذلك نقدر اليوم أننا أمام فرصة للدفاع عن السيادة الوطنية بكلفة أقل بكثير من الدفاع عنها في السنوات السابقة لأن العالم يتحول من مرحلة القطب الواحد إلى مرحلة تعدد الأقطاب وهو ما يتيح الفرصة لدول مثل تونس أن تدافع على سيادتها الوطنية وأن تحول موازين القوى الجديدة إلى فرص حقيقية للتنمية، وبالتالي نعتقد أن الذهاب إلى الصين وإقامة علاقات شراكة معها مهم جدا. ونقول للرئاسة التونسية وللدولة وللحكومة امضوا في سبيل تنويع علاقاتكم ولا تخافوا من شيء، لأن العالم يتحول ويتغير لصالح الشعوب ذات الإمكانيات الضعيفة مثل شعبنا.
فتح المجال للصين في بلد يعرف تقليديا بعلاقاته مع فرنسا والولايات المتحدة هل تعتقد أن ذلك يمكن بدون هزات سياسية؟
لا أعتقد أن الذهاب إلى الصين يزعج أحد، ثم أن الخطاب الرسمي للدولة التونسية الذي نعتز به اليوم هو خطاب يتحدث عن السيادة الوطنية، حيث يعيد ويكرر رئيس الجمهورية في كل المرة أننا لن نقبل الاملاءات الخارجية وهذا مهم.. وحين نقيم علاقات مع الصين لا يعني أننا نعادي فرنسا أو الاتحاد الأوروبي، فرنسا شريك تقليدي وتاريخي وكذلك الاتحاد الأوروبي، بل دعونا إلى تحسين العلاقات معهما ومراجعة الاتفاقيات التي تمت في السابق وهي اتفاقيات ظالمة للطرف التونسي.
وللإشارة أيضا أوروبا بدورها في علاقة مع الصين وتستفيد من نموها ومن الطفرة التي تشهدها وبمجرد إلقاء نظرة على حجم التبادل التجاري الأوروبي مع الصين سنفهم أن العلاقات معها ليس من المحرمات. لكن المطلوب اليوم هو كيف بوسع الدولة التونسية أن تناور وكيف تفهم وتستفيد من موازين القوى الجديدة، وهذا يتطلب عقلا سياسيا مهما داخل الدولة التونسية يفهم ما يحدث في العالم ويحول ذلك إلى فرص للتنمية الحقيقة في بلدنا.
ماهي الرؤية والحلول التي تقترحها حركة الشعب للخروج من الأزمة الاقتصادية؟
واحد من الحلول هي تنويع العلاقات الخارجية وهو ما كنت بصدد الحديث عنه، وأعتقد أنه من المسائل المهمة الذهاب إلى الصين أو غيرها، وعلى مستوى أني فقد قدمنا إلى رئاسة الجمهورية حزمة من المقترحات تتعلق بالبنك المركزي وتقترح تغييرا للأوراق النقدية ورقمنة مسالك التوزيع وغيرها من الإجراءات السريعة، وكتلتنا البرلمانية تشتغل على هذه المقترحات داخل البرلمان من خلال تقديم مجموعة من مشاريع قوانين وقد قدمنا مؤخرا أول مشروع قانون حول الإصلاح التربوي كما سنقدم مشروع قانون حول البنك المركزي وحول قضايا تهم الناس في المجال الاقتصادي.
وعلى المستوى البعيد سنركز على العلاقات مع الجزائر والتي تشهد تحديات كبيرة كتفعيل الاتفاقيات المشتركة بين البلدين على غرار السوق الحرة على الحدود التونسية-الجزائرية، ملف الفلاحة أيضا يتطلب رصد خطة واضحة ، أيضا مسألة الاكتفاء الغذائي التي تحدث عنها رئيس الجمهورية مؤخرا وهي تتطلب بدورها خططا واستغلال الآلاف من الهكتارات التي لم يقع استغلاها بعد، يعني هناك العديد من التصورات والحلول التي سنقترحها منها ماهو آني ومنها ماهو على مدى متوسط وبعيد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس