أفريقيا برس – تونس. تترقب تونس في الخامس والعشرين من جويلية القادم استفتاءا على دستور جديد تراهن عليه الرئاسة للخروج من الأزمة السياسية في البلاد، فيما تعتبره المعارضة تمهيدا لبسط الرئيس قيس سعيد حكماً فردياً يمنحه صلاحيات واسعة ويُحكم به قبضته على السلطة.
واعتبر سمير ديلو، القيادي السابق بحركة النهضة التونسية وعضو جبهة الخلاص الوطني المعارضة في حواره مع “أفريقيا برس”؛ أن المؤشرات تنبئ بفشل الاستفتاء بسبب التراجع الواضح في شعبية الرئيس وأنه لن ينجح إلا في رأي الرئيس، الماضي في صياغة ما أسماه جمهورية جديدة، وفي ظل غياب الحوار والتشاركية، يستبعد ديلو نجاح خطط الرئيس، مبديا أمله في أن تكون جبهة الخلاص بديلا عن المنظومة القائمة.
آمنة جبران
هل تستطيع أن تقدم جبهة الخلاص الوطني بديلاً حقيقياً بالنسبة للمواطن التونسي، ولماذا لا تقع التهدئة مع الرئاسة وبناء حلول توافقية بدل مواصلة التصعيد بين الطرفين الذي لا يخدم مصلحة البلد؟
جبهة الخلاص الوطني تسعى لأن تكون كذلك، لكن هذا الأمر ليس يسيرا كما يتصور البعض، لحد الآن هي جبهة في طور التأسيس وكان من الممكن أن تتشكل من الأطراف التي بادرت من الوهلة الأولى، لكن المقصود هو أنه لن يكون هناك تأسيس ثم التحاق، ولكن كل الأطراف التي تلتقي على الأرضية وعلى الأهداف تؤسس بالتساوي بينها، وبالتالي ننتظر التحاق أطراف أخرى بمسار التأسيس.
هو التقاء نضالي ضد الحكم الفردي وضد الانفراد بالقرار فيما يخص مستقبل البلاد وقد تدعم ذلك بالمرسوم عدد 30 الذي ينفرد فيه الرئيس قيس سعيد بصياغة دستور وبصياغة معالم جمهوريته الجديدة ولكن على ضوء تطور الحوار بين مكونات هذه الجبهة، والبدائل التي سيتم صياغتها والبرامج الاجتماعية والاقتصادية في المنتدى الذي يسير بالتوازي مع التحركات السلمية النضالية المدنية ضد الحكم الفردي، فإن المـأمول أن تشكل هذه الجبهة بديلاً لمنظومة الرداءة القائمة حاليا.
دعوتم مؤخرا لحوار تنبثق عنه حكومة إنقاذ وطني بديلا لحكومة نجلاء بودن وليست موازية لها، كيف تضمن أنها ستكون حكومة جديدة مختلفة عما سبق؟
ليس هناك أي ضمان لأن الأمر يتعلق ببرامج وأطروحات، لكن هناك مؤشرات عن كل عمل، من يدافعون أو القلة القليلة التي بقيت تدافع عن قيس سعيد تقول لما تحاسبونه على حصيلة 10 أشهر بينما صبرتم على الآخرين عشر سنوات، الأمر لا يتعلق على محاسبة على حصيلة إنما يتعلق بمؤشرات وفي الأشهر العشرة الأخيرة لا يوجد أي مؤشرات عن جهد إصلاحي أو توجه ايجابي، كل ما هناك هو سكرة السلطة والسعي لتكديس الصلاحيات والانفراد بالرأي ورفض أي تشاركية أو حوار.
بالنسبة للمستقبل؛ نحن لا نطرح تشكيل حكومة وحدة وطنية تطبق برنامج جبهة الخلاص الوطني، إنما نطرح تشكيل حكومة إنقاذ وطني تنبثق عن حوار وطني يشارك فيه الجميع دون استثناء حتى قيس سعيد إن رغب في الحوار فهو مرحب به لأن نظرتنا ليست إقصائية، وما سينبثق عن الحوار الوطني هو ما سيقع تبنيه لإنقاذ اقتصاد البلاد أولا، ثم لبناء مؤسسات سياسية تضمن مواصلة الانتقال الديمقراطي والابتعاد عن لوثة الحكم الفردي وجنون المراسيم والأوامر التي أصدرها الرئيس في الفترة الأخيرة، فمن يرفض الحوار والتشاركية هو الرئيس نفسه.
ماهو تعليقكم على موقف اتحاد الشغل الذي رفض الحوار، هل سيرضخ سعيد لشروط المنظمة التي اختارت التصعيد وإعلان إضراب عام؟
شخصيا، لم يفاجئني موقف الاتحاد لأنه موقف معلن وليس سرا، اتحاد الشغل لم يكن يوافق على ما وصلت إليه الأمور عشية 25 جويلية والأزمة السياسية ومسؤولية الأطراف الحاكمة في الأزمة حينها، وبالتالي هو يرفض العودة إلى ما قبل 25 جويلية لما تمثله من استفحال للأزمة ومن فراغ العملية السياسية رغم الايجابيات الموجودة، ولكن في المقابل يرفض الانفراد بالرأي ويرفض أن يكون مجرد ديكور في حوار صوري وعبّر عن ذلك أكثر من مرة، وهناك جانب آخر هو أن اتحاد الشغل ليس حزبا، بل هو شريك اجتماعي يدلي بدلوه في المسائل السياسية، فهو منظمة وطنية له رأيه في القضايا السياسية ولا يفصل بين اقتصادي واجتماعي، والمخاطب بالنسبة للاتحاد ليس رئيس الجمهورية فقط المنهمك في مشاريعه الدستورية ورغبته الشخصية في تأسيس جمهورية جديدة، إنما مخاطبه أيضا الحكومة فيما يتعلق تحديدا بالمصالح المعنوية والمادية لمنظوريه.
بالنسبة إلى دعوة الاتحاد الرئيس تقديم تنازلات، أظن من الطبيعي أن يدعو الاتحاد الرئيس إلى تراجع وتقديم صيغة مقبولة من الحوار، لكن شخصيا لا أتوقع أن يتراجع أبدا شبراً إلى الوراء لأنه عودنا في الأشهر الأخيرة أن الرئيس قيس سعيد يعيش في عالم قيس سعيد ولا يهمه إلا رأي قيس سعيد وأنه ماض في صياغة دستور قيس سعيد وفي تأسيس جمهورية قيس سعيد، وكل الاستحقاقات حتى لو شارك فيها 4 في المئة من الشعب، سيكون استفتاء ناجحا في تقديره والانتخابات ستكون ناجحة حتى لو أجمع العالم كله على عكس ذلك.
هل تتوقع أن ينجح الاستفتاء المرتقب وينجح قيس سعيد رغم المعارضة الواسعة في بناء ما سماه جمهورية جديدة؟
المهم هو التمشي، لأن شعبية الرئيس خلال الأشهر الأخيرة في تردٍّ متزايد، وكما أسلفت فإن الاستفتاء سيكون ناجحا جدا فقط في رأي قيس سعيد، برأيي هو فشل من البداية لأنه وضع في صيغة غير تشاركية، ومن المستحيل أن تنجح أي تجربة في العالم في صياغة دستور وتأسيس جمهورية خلال بضعة أيام، حيث لم يبقى على 25 جويلية إلا أسابيع قليلة، كما أن الأطراف التي دعاها لصياغة لجان استشارية عبرت عن رفضها أو عدم حماسها، وحتى إذا تكونت هذه اللجان في الأيام القادمة فالفترة غير كافية حتى لصياغة قانون حقيقي ونصوص قانونية للجمهورية الجديدة التي لا توجد إلا في ذهن قيس سعيد.
هل بات القضاء اليوم في قلب المعركة السياسية في تونس؟
المعركة هي معركة السيطرة على القضاء، لأن قيس سعيد ليس له أي مصلحة في استقلال القضاء، لهذا كل ما يسعى إليه هو السيطرة على القضاء وتوظيفه ضد خصومه ولعل من النقاط الايجابية أنه لا يخفي ذلك، وهو ما توج بحل هيئة القضاء، حيث يعتبر سعيد القضاء أداة من الأدوات التي تساعده للانفراد بالسلطة، ويبدو أن غير راضٍ تماما على القضاء لأنه مازال يعتبر أنه لم يرضخ له كما يجب.
ما صحة نوايا المنشقين عن حركة النهضة تأسيس حزب جديد مع قيادات مثل عبد اللطيف المكي؟
لكل حدث تاريخ يعلن فيه، وعندما يأتي الموعد سيتم إعلان ذلك، وأنا من المؤتمنين على إعلان ذلك في الوقت المناسب.
الانسحاب من النهضة لم يظهر أن ديلو ابتعد عن الحركة بل ظل كما كان في واجهة تحركاتها، وكثيرون يقولون؛ إن جبهة الخلاص الوطني واجهة للنهضة وما لم تحققه النهضة بجهدها ستحققه الجبهة. هل فعلا خرج ديلو من النهضة أم كان الخروج صوريا؟
أنا حتى من قبل الخروج الرسمي من النهضة، طيلة سنوات طويلة لم أكن ضمن مؤسسات الحركة ومنذ الخروج لم أشارك في أي تحرك يتبعها، لكن إذا تعتبر المشاركة في تظاهرات نظمتها حركة مواطنين ضد الانقلاب أو جبهة الخلاص الوطني، فالنهضة هي طرف مشارك من بين الأطراف الأخرى وبالتالي لا يوجد أي علاقة مباشرة معها.
أود التوضيح أن التقاطع في المواقف لا يعني العلاقة مع الحركة، وفيما يخص دفاعي عن قيادات تنتمي إليها مثل نور الدين البحيري أو حمادي الجبالي، من يراه البعض دفاعا عن النهضة فهذه الفكرة غير صائبة، إنما هو دفاع انطلاقا من دوري كمناضل حقوقي دون أي تفكير في الهوية والمرجعية الإيديولوجية.
هل تتحمل النهضة ونخبة ما بعد ثورة يناير مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس بعد فشلها في إدارة البلاد طيلة عقد من الزمن؟
النخبة تتحمل جزء كبيراً من المسؤولية، وعلى ضوء الأداء يجب أن يتم تقييم موضوعي مبني على أرقام وقراءات تقوم بها الأطراف المعنية من خلال النقد الشجاع والصريح، لكن للأسف لم يتم ذلك وحتى التقييم الذي وقع كان تقييما سياسيا أو سياسويا فيه الكثير من التعميم وحتى التسطيح.
ألا تعتقد أن الأحزاب غير قادرة على التغيير وكل جهودها حاليا تنصب في استنهاض الشارع للتحرك مجددا رغم أنه تحرك سابقا وفتح طريق السلطة للأحزاب التي لم توفر له لقمة العيش الكريم؟
الأحزاب لديها دورها ولكن في المعركة الحالية ليس بالضرورة أن يكون الحسم بتحركات جماهيرية يحضر فيها عشرات الآلاف لأنه هناك إعراض عن الاشتغال بالسياسة وخيبة أمل من المواطن من الذين مارسوا السلطة ومن الذين جاؤوا ليصححوا المسار بعد 25 جويلية، لكنه استنتج أن ما حدث هو العكس، وازدادت الأمور سوءا وفتحت الرئاسة مواجهات مع أكثر من قطاع وبدل الاشتغال على تحسين واقع الناس، الرئيس منهمك في كتابة دستور لجمهوريته الجديدة وتوسيع صلاحياته في مسائل ليست من اهتمامات المواطن. لكن مثل كل المعارك اللامتوازية من يحسم في الأخير ربما هي أخطاء السلطة القائمة أفضل ربما من مجهودات المعارضة وفي هذا الجانب فإن السلطة القائمة غير مقصرة في ذلك.
هل تعتقد اليوم أنك تدفع ثمن عدم إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية الداعمة حاليا لقيس سعيد؟
كل شيء نسبي، وعمليات الإصلاح دائما نسبية، وفي وقت لاحق تطرح مثل هذه الأسئلة، ودائما يجب مراعاة ظروف تلك الفترة، أما اليوم فيوجد الكثير من الإكراهات وجزء منها وعي باللحظة: ماهي الأولويات التي تستحق عمق الإصلاح ومن ضمن القطاعات التي تطرح أولوية في ذلك هو القضاء لعدم وضع اليد عليه.
كيف تنظر للسياسة الخارجية لتونس في عهد قيس سعيد خاصة في الأشهر الأخيرة: تراجع العلاقة مع الجزائر، تعزيز العلاقة مع مصر والمغرب والسلطة في شرق ليبيا بالإضافة إلى ايطاليا وفرنسا؟ وما تأثير ذلك على الوضع الداخلي؟
ككل المجالات عشوائية هواية، قلة خبرة قلة كفاءة، لم تبقى لنا علاقة جيدة مع أي بلد، أفسدنا علاقتنا مع الجزائر و مع السلطة القائمة الأقرب لنا في الغرب الليبي ، أصبحنا ملف يتناول كل ما تعلق الأمر بحقوق الإنسان والحوكمة أو الانتخابات ، أصبحنا حالة تناقش بين الدول وفي بعض الحالات في غيابنا. تونس أصبحت تخرج فيها بيانات لانتهاكات حقوق الإنسان، هذه هي النتيجة الطبيعية لسياسة قيس سعيد ولدولة دون دستور ودون برلمان.
ماهي توقعاتك للمشهد السياسي في تونس، كيف ستسير الأوضاع حسب تقديرك؟
المشهد السياسي في تونس للأسف الشديد بإصرار رئيس الجمهورية على المرور بقوة بشكل جدي قائم على التنافي بدون حوار أو تشاركية وهو من ستدفع ثمنه البلاد، خاصة أن مسار قيس سعيد يختلف حتى على دكتاتورية ما قبل الثورة التي كان فيها قدر من التعقل ولو بنزوع استبدادي يستفيد بجزء من النخبة تتمتع بالكفاءة.
حاليا ما نراه هو طغيان الرداءة وقلة الكفاءة لدى كثير من المسؤولين ممن عينتهم المنظومة الجديدة، والمثال على ذلك الولاة والمعتمدين المعينين مؤخرا، والخطر هو تفكيك الدولة الذي انطلق من حل البرلمان وحل هيئة مراقبة هيئة مشاريع القوانين ومجلس القضاء وربما منظمات أخرى على القائمة في القريب.
كل هذا المسلسل ينبئ بأن هذه المنظومة للأسف الشديد لم تكتفي بالانحراف بالسلطة فقط، إنما بصدد تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس