شركة خدمات النقل “بولت” تثير غضب التونسيين

20
شركة خدمات النقل
شركة خدمات النقل "بولت" تثير غضب التونسيين

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. شغلت قضية إيقاف عمل شركة تدير تطبيقة ذكية في قطاع النقل الخاص لسيارات التاكسي، الرأي العام في تونس بين مؤيّد يرى أن هذه الشركة تسبّبت في أزمة النقل في تونس، وبين منتقد يرى أن الأزمة تكمن في منظومة القوانين المسيّرة وليست في التطبيقة في حد ذاتها، ليزداد الجدل حماسة مع استمرار الشركة في تقديم الخدمات رغم بلاغ وزارة الداخلية ما اعتبر تحدّيا ومساسا بهيبة الدولة التونسية.

بدأ الجدل عندما أعلنت الإدارة العامة للحرس الوطني، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على فايسبوك، أنها فككت شبكات غسل أموال وفساد تنشط في مجال النقل الخاص بسيّارات الأجرة الفردية عبر تطبيقات وأوقفت نشاطها وشطبها من السجل الوطني للمؤسسات وإغلاق مقراتها الاجتماعية.

وفي تونس، تنشط العديد من هذه المنصات، ومن أشهرها منصة Bolt الإستونية، ومنصة InDrive الأمريكية، ومنصة Heetch الفرنسية. وبينما لم يذكر بيان اسم الشركات المعنية، اتجه تركيز الرأي العام نحو شركة “بولت”، وذلك لسببين الأول أن تطبيقاتها من أكثر التطبيقات المعروفة في تونس وكثرت شكوى التونسيين منها في الفترة الأخيرة، والسبب الثاني تحقيق استقصائي كان نشره موقع الكتيبة وكشف فيه حينها عن شبهات تهرب ضريبي و”تقويض للسوق التونسية وكيف أن معطيات شخصيّة لتونسيّين تُسرّب إلى إحدى شركات الإعلانات الإسرائيلية”.

واعتبر هذا التقرير قرينة قوية في التحقيقات التي فتحتها السلطات المختصة و”أسفرت عن حجز نحو 12 مليون دينار (حوالى 3 مليون يورو) في الحسابات المصرفية التابعة للشركات المعنية، والتي تعمل من دون تراخيص قانونية، وتستخدم “تصاريح مغلوطة”، إلى جانب استغلالها حسابات مصرفية غير مصرّح بها لتحويل مبالغ مالية ضخمة إلى الخارج، “في مخالفة صريحة للتراتيب الجاري بها العمل”، وفق البيان.

وفي تصريح لـ”أفريقيا برس”، تقول معدّة التحقيق الصحفية الاستقصائية والباحثة في العلوم السياسيّة سناء عدوني،: “بخصوص غسيل الأموال فقد أثبت ذلك التحقيق الاستقصائي الذي أنجزته منذ سبتمبر 2022 ذلك بالإثباتات والوثائق حيث بيّن تناقض النشاط المصرح به مع النشاط الفعلي إضافة إلى التهرّب الضريبي والتصريحات الجبائية المغلوطة وشبهات غسيل الأموال التي تم توضيحها من خلال التركيب المالي للشركة والأشخاص المرتبطين بشركة واجهة في تونس وشركة أخرى في مالطا إحدى الجنات الضريبية”.

وسارعت شركة بولت إلى نفي هذه الاتهامات، وأكّدت في بيان تلقى موقع “أفريقيا برس” نسخة منه بعد التواصل مع المكتب الصحفي للشركة بخصوص ما يتردّد من اتهامات. وجاء في البيان أن “اتهامات الحكومة التونسية ضد بولت “لا أساس لها من الصحة”.

وتعتبر الشركة، التي يقع مقرّها في إستونيا، “أن جميع الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية تمت دون مشاركة قاضي التحقيق، مما حرمها من فرصة الطعن في ادعاءاتهم والدفاع عن حقوقها”، لافتة إلى أن “جميع عملياتها في تونس متوافقة مع التشريعات المحلية وأنها اتخذت جميع التدابير اللازمة للطعن في القرارات غير القانونية من خلال القنوات القانونية المناسبة”.

وقبل بيان الإدارة العامة للحرس الوطني بأيام قليلة، كانت شركة بولت عقدت مؤتمر صحفيا أوضحت فيه أنها تتقدم بشكل جيد في السوق التونسية، متحدثة عن تحقيق استثمارات بقيمة 34 مليون دينار تونسي منذ دخولها السوق التونسية. ويؤكد هذا الاستثمار التزام شركة بولت بتوفير حلول نقل موثوقة وفعالة مع دفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في جميع أنحاء البلاد.

وقالت سليمة مكي، الرئيسة التنفيذية لشركة بولت تونس: “بينما ندرك أنه لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لتحقيق التوازن بين إمكانية الوصول والدخل الموثوق للسائقين، فإننا منفتحون على العمل والتعاون مع مختلف أصحاب المصلحة لضمان توازن عادل”.

وفي غياب أية معطيات إضافية من السلطات المختصّة، بخصوص الشركات المعنية وعلاقة بولت بالتحقيقات، يبقى الجدل قائما خاصة بعد أن أعلنت الشركة أن “خدمات النقل حسب الطلب ستظل تعمل بكامل طاقتها في تونس، وسيتمكن سائقونا وعملاؤنا من استخدام التطبيق كالمعتاد”.

وترى سناء عدوني أن الجدل الذي أثير “أمر طبيعي لأن الأمر يتعلق بتطبيقة تفننت في استغلال الحرفاء وابتزازهم عبر تعريفة مجحفة وعبر تعاملات تسببت في تقويض السوق وخلقت أزمة بدل أن تحلّ أزمة النقل”، وهو ما يؤكّد الكثير من التونسيين، الذي وجدوا في مناسبات كثيرة أنفسهم مجبرين على استعمال التطبيقة التي تصبح تعريفتها مضاعفة في ساعات الذروة وعند هطول الأمطار وتعطل حركة السير.

وتحول الجدل إلى مناقشة أزمة قطاع النقل في تونس، والمنظومة القانونية التي تفتح المجال لمثل هذه الشركات للاستغلال، فالمعمول به في دول العالم أن هذه الخدمات موجهة لأصحاب السيارات الخاصة وليس لسائقي سيارات الأجرة لكن في تونس سطوة النقابات، ومنها نقابة التاكسي الفردي، في فترة حكم الترويكا، جعلت هذه الخدمة حكرا عليهم.

وبدأ تطبيق بولت العمل في تونس في سنة 2019. وفي البداية لقي استحسان التونسيين واعتبروا أنه بداية انفراج في أزمة النقل، لكن شيئا فشيئا بدأ الأمر يتحول إلى كابوس وأضحت عبارة “أنا بولت” تتردد على لسان كل سائق تاكسي تستوقفه لقضاء حاجتك، حتى لو تعلق الأمر بحالة طارئة أو ظرف إنساني، كيف لا والفارق كبير بين خدمة عادية وخدمة عبر بولت، وقمنا بتجربة ذلك من خلال التنقل من شارع الحرية في العاصمة إلى مدينة أريانة، في العادة تكلفة هذه المسافة لا تتجاوز 10 دينارات تونسية (3 دولارات) لكنها عبرت تطبيق بولت، وفي وقت ذروة (منتصف النهار) بلغت 25 دينارا (8 دولارات).

ووصل الأمر بأصحاب التاكسيات أن يقترح على الراكب مقايضة، يتفق معه أنه سيغلق عمل التطبيق وينقله ولكن بمقابل يكون أقل مما كان سيدفعه عبر تطبيقة “بولت” وأعلى مما يظهره العداد. وفي مناسبات كثيرة لا يجد المواطن بدّا من الخضوع.

وهنا، يقول المتابعون أن الأمر لا يتعلّق فقط بالشركة الأجنبية بل بسلوك التونسيين وسيارات الأجرة. وقد يكون ذلك صحيحا في جانب منه لكن الأمر يتجاوز ذلك بالعودة إلى بيان الإدارة العامة للحرس الوطني وإلى تحقيق الزميلة سناء عدوني، الذي كشف عن ما هو أخطر.

وتقول سناء عدوني: “إضافة إلى تهم الفساد المالي التي تلاحق القائمين عليها تبين أن الشركة تقوم بتسريب المعطيات الشخصية لمستخدمي التطبيقة لشركة إعلانات إسرائيلية مما يشكل خطورة على السيادة الرقمية للبلاد ويمثل نافذة للاختراقات في ظل التحول التكنولوجي المتسارع.

ولا تنشط “بولت” في تونس باسمها بل عبر شركة “بولوازون آس تي بي”، السويدية، والتي تحصلت على حق استغلال “بولت” عبر منظومة “الفرانشايز”. ووفق تحقيق الكتيبة، “تقدّم هذه الشركة نفسها في الوثائق الرسميّة على أنّها مختصة في الخدمات الإعلامية والبرمجيات، تأسست برأس مال مالطي “غير مقيم” بنحو 99.99 بالمئة وبمساهمة بنحو 0.01 من السويد “غير مقيم”. نفس المؤسّسة المشغلة للتطبيق تحمل صفة شركة ذات مسؤولية محدودة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here