آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. طرحت حركة “حق” مؤخرًا مبادرة لإنقاذ تونس في ظل استمرار حالة الانسداد السياسي وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب التحديات الإقليمية والدولية.
وكشف شكري عنان، الناطق الرسمي باسم حركة “حق”، في حواره مع “أفريقيا برس” عن تفاصيل هذه المبادرة، حيث تدعو الحركة إلى حوار وطني شامل يجمع بين السلطة والمعارضة دون استثناء أي طرف، معتبرة أن الحوار لن يكون حقيقيًا أو جادًا، ولن يحقق المصالحة الوطنية المنشودة إذا تم إقصاء أو استبعاد بعض الأطراف السياسية أو المنظمات الوطنية.
وأكد عنان أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والخلافات السياسية، والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها تونس، تستوجب الحكمة والتعقل من جانب السلطة والمعارضة، إضافة إلى ضرورة قيامهما بمراجعات لتجاوز الأخطاء. كما أشار إلى أن المبادرة تدعو إلى تحقيق التوازن بين الاستقرار السياسي والإنقاذ الاقتصادي، عبر إقرار خطة إنقاذ اقتصادي متكاملة، تضع الإصلاحات العاجلة في المجالين السياسي والاقتصادي كأولوية قصوى.
يُذكر أن شكري عنان هو الناطق الرسمي باسم حركة “حق”، وإطار سامٍ بمؤسسة عمومية، متخرج من المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط ومن كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الرباط أكدال في المملكة المغربية، كما أنه باحث في القانون العام، اختصاص القانون الدستوري والعلوم السياسية.
طرحت حركة حق مؤخرا مبادرة تدعو فيها إلى حوار وطني شامل، ما هي تفاصيل هذه المبادرة؟
إن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخلافات السياسية والتحديات الداخلية والخارجية التي تعيشها تونس، تستوجب الحكمة والتعقل من جانب السلطة والمعارضة على اعتبار أن مجمل هذه المشاكل بتشعبها لا يمكن أن تجد الحلول إلا في إطار أسلوب تشاركي يجمع السلطة والمعارضة والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية على قاعدة ميثاق يمضى مسبقا يحدد المبادئ الأساسية التي تؤسس للحوار، وأهمها مدنية الدولة وقيم الجمهورية ونبذ العنف والتطرف، وعدم ارتهان سيادتنا الوطنية لأطراف خارجية سلطة ومعارضة.
ومن هذا المنطلق، بادرت حركة حق في 3 فيفري 2025 بعرض مبادئ مبادرة وطنية شاملة لإنقاذ تونس تمثلت أهم عناصرها فيما يلي:
1- تكريس دولة القانون من خلال الإفراج عن المعتقلين بسبب مواقفهم السياسية أو الإعلامية أو النقابية بشرط عدم تورطهم في ممارسة أو الدعوة أو تبرير العنف.
2- إعلان حالة إستنفار وطني لمواجهة التحديات عبر الإعتراف بخطورة الوضع الراهن، واعتبار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أولوية وطنية.
3- تحقيق مصالحة وطنية والاعتراف بالأخطاء وإجراء مراجعات للسلطة والمعارضة.
4- تفعيل مسار العدالة الإنتقالية لمعالجة الملفات العالقة بما يضمن إغلاق صفحة الماضي دون الإخلال بمبدأ المحاسبة العادلة، وبعيدا عن عقلية التعويضات التي شوهت مسار العدالة الإنتقالية في السابق.
5- التوازن بين الاستقرار السياسي والإنقاذ الاقتصادي من خلال إقرار خطة إنقاذ اقتصادي متكاملة توازن بين الاستقرار السياسي والتنمية الإقتصادية وتضع الإصلاحات العاجلة في المجالين السياسي والإقتصادي كأولوية قصوى.
هل ستكون المبادرة على أساس الالتقاء على مبادئ 25 جويلية أم ستكون شاملة للمعارضة بهدف فتح صفحة جديدة في المشهد السياسي التونسي؟
لا يمكن في تقديرنا الحديث عن حوار وطني بين مساندي ومناصري السلطة فقط، إذ بهذه الطريقة لن يكون حوارا حقيقيا وجديا، ولن يحقق المصالحة الوطنية المنشودة.
وإن المبادئ التي ضمنتها حركة حق في المبادرة من إستنفار وطني لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الأمة التونسية والمصالحة الوطنية والقيام بمراجعات من طرف السلطة والمعارضة على حد السواء وتفعيل العدالة الإنتقالية وجميع العناصر والمبادئ التي إستندت إليها مبادرة حركة حق، تؤكد على ضرورة أن يكون الحوار الوطني بين الجميع سلطة ومعارضة وأن يشمل الأحزاب السياسية التي تعترف بمدنية الدولة والديمقراطية ولا تسعى إلى إعادتنا إلى مربع الخلافة وتطبيق الشريعة أو الصراع على الهوية، إضافة إلى مشاركة المنظمات الوطنية ورجال الأعمال بهدف الإتفاق على ما يستوجبه الوضع الحالي من حلول في المجالين السياسي والإقتصادي للخروج من الأزمة التي طالت، وحتى تكون بوصلتنا خلق الثروة المادية والرمزية الكفيلة وحدتها بتحقيق رقي الأمة التونسية.
بالتزامن مع إحياء ذكرى رحيل الشهيد شكري بلعيد في 6 فيفري من كل سنة، هل تعتقد أن هناك تقدم في هذا الملف، خاصة أن هيئة الدفاع تقول إنها ترفض الأحكام الجاهزة وتطالب بأحكام كاشفة للحقيقة تقنع بها الشعب التونسي؟
الشهيد شكري بلعيد، كما هو الشأن بالنسبة للشهيد محمد البراهمي، شهيدي وطن وبالتالي لا يمكن أن تكون قضيتهما قضية حق عام بل المطلوب في القضايا المتعلقة بالإغتيالات السياسية هو كشف الحقيقة كل الحقيقة، وإماطة اللثام عن من خطط ومن دبر ومن أعطى الضوء الأخضر للإغتيال وليس فقط محاسبة من أطلق الرصاص وكأننا أمام قضية عادية.
ما قراءتكم لإقالة وزيرة المالية مؤخرا، هل ستمهد هذه الخطوة إلى تعديل وزاري جديد؟
بمقتضى دستور 25 جويلية 2022، فإن رئيس الجمهورية يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة، وهو الذي يضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، وهو الذي يعين رئيس الحكومة وبقية أعضائها وينهي مهام الحكومة أو عضو منها، والحكومة بنص الدستور تسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجهات والإختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية، وهي مسؤولة عن تصرفاتها أمام رئيس الجمهورية.
وعلى هذا الأساس، فإن رئيس الجمهورية هو المسؤول عن نجاح العمل الحكومي من عدمه، كما له السلطة في إقالة أي عضو في الحكومة مثلما حصل مؤخرا بالنسبة إلى السيدة وزيرة المالية، ولكن بعيدا عن منطق “كبش الفداء”. وهنا نؤكد أن مسألة التعديلات في الحكومة ليست حلا، لأن تواتر التعديلات الوزارية لا يخدم الإستقرار الحكومي الكفيل بتنفيذ البرامج إن وجدت.
هل تأتي هذه الإقالة ردا على تعثر أداء الوزيرة في استعادة أموال منهوبة قبل ثورة 2011، في وقت تعاني فيه خزينة الدولة من ضغوط كبرى على السيولة؟
إن إستعادة الأموال المنهوبة يحيلنا في نفس الوقت إلى مسألة الأملاك المصادرة وكيفية إدارتها من طرف “الكرامة القابضة”، والتي أغلبها أصبحت شركات عبئا على الدولة بعد أن كانت رابحة وتدر أموالا على أصحابها. ونرى في حركة حق أن مسألة الأموال المنهوبة والأملاك المصادرة يستوجب وضع خطة عمل وحوكمة ورؤية تشاركية، وقد تكون من بين المسائل التي تطرح على طاولة الحوار الوطني الذي دعونا له.
وفي كل الحالات السيد الرئيس بنفسه صرّح أنه لم يحصل تقدم في هذا المجال لا سابقا ولا حاليا. كما أن موضوع الأملاك المصادرة لا يمكن أن يكون حلا للمسالة الرئيسية التي هي خلق الثروة من خلال الاستثمار الإقتصادي وإنجاز الإصلاحات الكبرى، وفي هذا الإطار تقول الأرقام أنه لم يتحقق شيء يذكر.
هل تعتقد أنه بوسع تونس بالفعل عدم الارتهان للإملاءات الخارجية كما حصل مع حكومات سبقت 25 جويلية 2021، بعد أن توصلت دراسة محلية إلى أن تونس نجحت في تجنب وصفة صندوق النقد الموجعة؟
إن التعويل على الذات وعدم الإرتهان إلى الخارج وحتى لا يبقى مجرد شعارات، يستوجب توفر شروط عدة منها وضع سياسات تنموية ومقاربات عملية لخلق الثروة ودفع محركات الإنتاج وإعادة الإعتبار لقيمة العمل ووضع الإصلاحات الضرورية في إطار تشاركي من أجل الخروج من الأزمة، وخلق الظروف الموضوعية الملائمة للتعويل على الذات قولا وفعلا، ومن المعلوم أن سياسة الإقتراض لا تزال قائمة من خلال ما يحال على مجلس نواب الشعب من مشاريع قوانين للمصادقة على اتفاقيات قروض، وهو ما أثار حفيظة عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب خاصة وأنها قروض في أغلبها ليست موجهة إلى الإستثمار بل إلى تعبئة موارد الميزانية.
ومن هذا المنطلق، فإننا في حركة حق نؤكد على أن السيادة الوطنية ولتصبح واقعا، تستوجب القيام بالإصلاحات الضرورية في جميع المجالات لنتمكن عبر الحوار ومسار تشاركي من الخروج من الأزمة وخلق الثروة وتحقيق رقي الأمة التونسية.
التونسيون يدعمون المقاربة الاجتماعية لقيس سعيد وخاصة نهوض الدولة بدورها في خدمة الفئات الفقيرة، برأيك ماهي الصعوبات التي تواجه هذا التمشي على المدى القريب والبعيد؟
لا يمكن أن نتجاهل أن تونس تعيش أزمة إقتصادية واجتماعية فمؤشرات النمو ضعيفة والمقدرة الشرائية في تدهور مستمر مع الإرتفاع الدوري في الأسعار.
وكما سبق وأكدنا، فإن الإصلاحات الضرورية والعاجلة في المجال الإقتصادي تستوجب بالضرورة حوارا وطنيا شاملا على قاعدة المصلحة العليا للأمة التونسية وتحقيق رقيها ورفاهية الإنسان التونسي.
وإن حركة حق تشدد على أنه لا خيار أمامنا لتجاوز الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والخلاف السياسي سوى الحوار ولا شيء غير الحوار.
هناك إجماع على أن المحكمة الدستورية هي ضمانة أساسية لحق الدولة والقانون، لكن لماذا برأيك تتجاهل الرئاسة التونسية استكمال عملية تركيزها؟
إن عدم تشكيل المحكمة الدستورية إلى الآن رغم أن أعضاءها يعينون بصفاتهم، يطرح بالفعل العديد من نقاط الإستفهام. ولئن كنا لا ندخل في النوايا، فإن دورنا كحزب سياسي هو تجديد الدعوة إلى ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أقرب الآجال نظرا لأهميتها القصوى في تكريس دولة الحق والقانون. علما وأن حركة حق دعت قبل وبعد انتخابات أكتوبر 2024 إلى ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية وباقي الهيئات الدستورية، كالمجلس الأعلى للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإنتخابات كما نص عليها الدستور، ولكن ما من مجيب!.
تطالبون كحركة “الحق” في التحول الرقمي، لماذا مازالت خطوات الحكومة التونسية بطيئة في هذا المجال رغم تأثيره على الاقتصاد؟
بالفعل فإن حركة حق ومن خلال إعلانها المنبق عن مؤتمرها المنعقد في 3 ديسمبر 2023، أكدت على “الحق في التحول الرقمي” الذي نعتبره ضرورة وجودية للأمة التونسية وليس إختيارا. والتحول الرقمي هو أحد ركائز الرؤية الوطنية لحركة حق والوسيلة الرئيسية لتفجير طاقات الشباب وتطوير المعاملات واستغلال المعطيات ومكافحة الفساد ومحفز للنمو الإقتصادي. وبدون التحول الرقمي لا يمكن الخوض في متطلبات القرن 21. والتحول الرقمي بالنسبة لحركة حق يعتبر أساس تصورنا للتعليم المتاح للجميع ولتعميم خدمات الصحة.
ونظرا لبطء نسق التحول الرقمي في تونس رغم أهمية إقتصاد المعرفة في دفع النمو، فإن العراقيل التي تعطل التحول الرقمي بالنسق المطلوب، نرى أنها يمكن أن تكون من بين المسائل التي يجب وضعها في جدول أعمال الحوار الوطني الشامل الذي دعت له حركة حق باعتباره المنقذ الوحيد لتونس، لأن السياسة من منظور حركة حق هي في خدمة الناس والسياسة هي لتحقيق رقي الأمة التونسية، فالأهم بالنسبة لنا في حركة حق هو الخروج من المؤشرات السلبية، وتحسين حياة الإنسان التونسي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس