صحفيون ونواب وحقوقيون: تعديل المرسوم 54 ضرورة ملحة

56
صحفيون ونواب وحقوقيون: تعديل المرسوم 54 ضرورة ملحة
صحفيون ونواب وحقوقيون: تعديل المرسوم 54 ضرورة ملحة

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. نظمت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024، جلسة حوارية حول المرسوم 54، أكّد خلاله المحاورون من صحافيين ونواب وحقوقيين على ضرورة تسريع النظر في مشروع تعديل المرسوم داخل البرلمان نظرا للخطر الذي يشكله أمام حرية الصحافة والنشر والتعبير.

وعجّت قاعة اللقاء، الذي انعقد بفندق البلفيدير بالعاصمة، بالحضور الذين كان من بينهم، إلى جانب الصحافيين، ممثلون عن الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونواب من مجلس الشعب وخبراء في القانون وممثلون عن منظمات المجتمع المدني، وغيرهم من الحضور الذي أجمع على تزايد المخاوف بسبب حملات تستهدف الأصوات المنتقدة في الدولة.

وأوضحت عضو المكتب التنفيذي بنقابة الصحفيين جيهان اللواتي في تصريح لـ”أفريقيا برس” أن “الجلسة الحوارية جاءت بدعوة من نقابة الصحفيين إضافة إلى العديد من الشركاء مثل الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وعمادة المحامين للنظر في إمكانية تقديم مشروع معدل للمرسوم 54”.

وفي عدّة مناسبات، حذّرت نقابة الصحفيين التونسيين وجهات حقوقية من تداعيات المرسوم 54 الذي أصبح كالسيف المسلّط على رقاب كلّ من ينتقد السلطة أو يمارس حقّه في حريّة التعبير.

وتقول جيهان اللواتي: “هذا المرسوم صار بمثابة عصا غليظة مسلطة على رقبة كل من يعبر على رأيه على وسائل التواصل الاجتماعي”، لافتة إلى أن اللقاء الحواري الأخير جاء “في أعقاب سلسلة من الحلقات السابقة التي قامت بها النقابة مع مجموعة من النواب لتقديم مشروع التعديل”.

وخضع للمحاكمة في تونس أكثر من 60 شخصا خلال عام ونصف العام، من بينهم المحامية والإعلامية سنية الدهماني والصحفي مراد الزغيدي ومقدم البرامج برهان بسيس، بموجب المرسوم الذي وصفته جيهان اللواتي بأنه “سيء الذكر” مضيفة في تصريحاتها لـ”أفريقيا برس” أن “كل فصول هذا المرسوم، مثل الفصل 20 والفصل 28 وأيضا الفصل 8، هي فصول مهددة للسلامة الجسدية وتهدد أي مواطن بعيدا عن ما يروج عن أن هذا المرسوم حامي للفضاء الالكتروني”.

ووفق نصوص المرسوم 54 لسنة 2022 ويتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، يعاقب بالسجن من ثلاث إلى خمس سنوات أو أكثر وبعقوبات مالية كل من يُدان بنشر “شائعات أو معلومات مضللة”، كما تتضاعف العقوبة إذا كان الأمر يتعلق بنشر إساءات ضد موظف عمومي.

واعتبر المنتقدون أن النص القانوني فضفاض وقابل للتأويل وفق كل السياقات، حيث “أصبح المواطن الذي يعبر عن رأيه بخصوص الشأن العام على وسائل التواصل الاجتماعي عرضة للملاحقات القضائية”، وفق بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان.

ولا تقتصر الدعوات للتعديل على الصحفيين، الذين يعتبرون أنفسهم المستهدف الأول من المرسوم 54. وسبق أن تقدم أكثر من 57 نائب، في شهر نوفمبر الماضي، بمبادرة تشريعية لتعديل المرسوم في فصله 24 المتعلق بالعقوبات.

وقد صرّح حينها النائب يوسف طرشون، في تصريحات للإذاعة الوطنية، أن “هذا المرسوم يسيء لمسار 25 جويلية خاصة وأن البعض يستثمر فيه حتى يسوق لصورة تونس على أنها مقبرة الحريات”.

وتستند السلطات إلى المادة 24 من مرسوم الجرائم الإلكترونية، التي تنص على غرامة تصل إلى 50 ألف دينار تونسي (حوالي 16 ألف دولار أميركي) وخمس سنوات سجنا لاستخدام شبكات التواصل في “إنتاج أو نشر أو إذاعة أخبار كاذبة أو بيانات أو شائعات” بهدف “التشهير بالآخرين أو تشويه سمعتهم أو الإضرار بهم ماليا أو معنويا أو التحريض على الاعتداء عليهم أو التحريض على خطاب الكراهية” أو “انتهاك حقوقهم” أو “الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو نشر الرعب”. وتضاعف عقوبة السجن إذا اعتُبرت الجريمة تستهدف “موظفا عاما أو ما يعادله”.

وأوضح عبد الرزاق عويدات، النائب عن حركة الشعب، والذي كان من المتدخلين في اللقاء، قائلا في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، “قدّمنا مقترحا لتعديل هذا المرسوم كنواب بالبرلمان يتناول تعديل الفصول 5 و9 و10 و21 و22 و23 وإلغاء الفصل 24، والغاية من هذا المقترح هو أن يصبح هذا المرسوم متناغما مع الدستور”.

وأضاف عويدات: “الموضوع توجه إلى مكتب المجلس وقد أرجأ النظر فيه إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والآن عازمون كنواب على تقديم عريضة برلمانية لتسريع النظر في هذا الموضوع ونطالب أن يحال إلى لجنة الحقوق والحريات”.

ومن حق عشرة من النواب حين تقديمهم لمقترح تعديل قانون، التجاوب معهم ومناقشة المقترح في لجان ومحاولة التعديل وتجويد النص ثم يحال إلى الجلسة العامة إما تقبله أو ترفضه.

وعن مدى تجاوب السلطة مع دعوات تعديل المرسوم، قالت جيهان اللواتي ما “نراه اليوم من تعطيل للتعديلات التي قدمها النواب في مجلس الشعب، في الوقت الذي رأينا مشاريع قوانين قدمت بأقل من عدد النواب الذين قدموا مبادرة تعديل المرسوم 54، يحيلنا إلى أن هناك رفضا قطعيا لكل ما هو حرية وضربا لحرية التعبير”.

ومن النواب الموقعين على مبادرة تعديل المرسوم 54 هالة جاب الله، التي شدّدت، في تصريح لـ”أفريقيا برس” “على ضرورة تعديل هذا المرسوم لملائمة المعاهدات التي وقعت عليها تونس في هذا المجال والتي كان آخرها اتفاقية بودابست المتعلقة بالجرائم الالكترونية والاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان”.

وأضافت جاب الله، وهي عضوة لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب، “لقد وجدنا أنفسنا بسبب هذا المرسوم لا نتلاءم مع هذه الاتفاقيات ونريد أن نقوم بهذه التعديلات حتى نكون في مستوى هذه الاتفاقات الدولية. لم يقع التجاوب مع دعواتنا إلى الآن ونتطلع إلى النظر في هذه التعديلات في آجال قريبة”.

وتحدّث المتدخلون خلال الحوار حول المآزق التطبيقية والإجرائية للمرسوم 54 والذي تحول بموجبها إلى آلية لتصفية الخصومات السياسية وأداة للتخويف والترهيب وسلب الحريات، كما تم الإجماع على تحميل المسؤولية لرئاسة البرلمان في صناعة كل العراقيل غير القانونية لعدم تمرير مقترح تعديل المرسوم للجنة المختصة ومصادرة واجب البرلمان في حماية الحقوق والحريات.

وقدم الأستاذ أيمن الزغدودي قراءة قانونية للمرسوم مبينا “تعارض بعض فصوله مع الدستور التونسي والمواثيق الدولية التي أمضت عليها بلادنا الأمر الذي يستدعي تحويرا جذريا في تلك الفصول”.

وشدّدت الصحفية التونسية وعضو نقابة الصحفيين في قسم رصد خولة شبح، في تصريح لـ “أفريقيا برس”، على هامش اللقاء في نقابة الصحفيين، على أن ضرورة “التخلص من التعطيل داخل البرلمان، وهو ما يجب العمل عليه في هذه الفترة من قبل النواب والمجتمع المدني لأجل تمتع النواب بحقهم في اقتراح مبادرات تشريعية”.

وأضافت شبح أنه “منذ انطلاق هذا المرسوم لدينا 22 إحالة ضد الصحفيين من قبل وزراء وموظفين عموميين وهو مرسوم بالتالي لمنع نقد المسؤولين مثلما حصل مع قضية سنية الدهماني وبالتالي من المهم اليوم إيقاف تنفيذ هذا المرسوم”.

وفي حديثه مع “أفريقيا برس”، قال الصحفي التونسي صبري الزغيدي إن “المرسوم 54 جاء للأسف ليقضم مكسب من مكاسب الثورة ونحن نحتفل بالذكرى 14 للثورة وهو مكسب حرية الرأي والتعبير والحق كذلك في إعلام حر ونزيه”.

وأضاف الزغيدي: “هذا المرسوم الذي جاء ليهدد الحريات أثار بطبيعة الحال غضب واستياء كافة المتدخلين في الشأن الإعلامي وعلى رأسهم الصحفيين التونسيين، بالتالي نثمن هذه المبادرة لتعديل هذا المرسوم ونتطلع لأن يكون هناك قانون قاعدته الأساسية هي الحرية وضمان أكثر ما يمكن من حرية التعبير والصحافة”.

وعبر الصحفي التونسي، كغيره من الصحفيين والحقوقيين، عن أمله في “أن تتجاوب السلطات إيجابيا مع دعوات الصحفيين” لافتا إلى “أن هذه الحريات لا تأتي بالطلب بل بعد نضالات ومعارك من أجل ضمان حق الشعب التونسي في إعلام حر ونزيه”.

جاءت الجلسة الحوارية فيما تحيي البلاد الذكرى الـ14 لثورة جانفي، التي كسرت قيود السلطة التي كانت تكبل حرية التعبير وفتحت أبواب حرية التعبير على مصراعيه أمام التونسيين، الذين يتطلّعون اليوم إلى تلك الذكرى وهم متمسّكين بما منحته لهم ومصرّين على الحفاظ على مكتسباتها ومواجهة السلطة والنظام عندما يقتضي الأمر ذلك. في المقابل، يحتاج النظام في تونس إلى مراجعة ما تسبب فيه “المرسوم 54” وإلى أي مدى يمكن المضي قدما في تطبيقه وهو الذي تم سنّه لينظم الفضاء الالكتروني ويضع حدا لحالة من التسيب انتشرت وصار هناك خلط بين حرية التعبير والسب والقذف خاصة في الفضاء الرقمي.

لكن وفي حين قدّم هذا التعديل (المرسوم 54) كإجراء لمكافحة الجرائم الإلكترونية، إلا أن المرسوم لم يطبق لجمع الأدلة الإلكترونية بل جاء كمبرر قانوني لفرض عقوبات قاسية على جرائم التعبير التي تم تعريفها بشكل فضفاض وغامض تحت حجة “نشر معلومات كاذبة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here