حوار آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أشار عبد الله العبيدي الدبلوماسي التونسي السابق في حواره مع “أفريقيا برس” إلى أن الشروط الأوروبية في ملف الهجرة مجحفة في حق تونس كما أن طلب تونس لمزيد من الوقت لدراسة الاتفاق مع الطرف الأوروبي دليل على أن المفاوضات لم تكن متكافئة أمام مساعي أوروبا استغلال الوضع الاقتصادي الصعب لتونس للضغط عليها وفرض شروطها في هذا الملف.
وبين العبيدي أن عدم الانسجام بين السلطة والفرقاء السياسيين يضعف من موقف وصورة تونس في الخارج، حيث أن البلد بحاجة إلى التماسك وتجاوز للخلافات لمواجهة الأزمات، لافتا أن فشل قيس سعيد في إدارة أزمة الهجرة هو فشل لتونس ككل.
وعبد الله العبيدي هو دبلوماسي تونسي سابق حيث شغل منصب مستشار للشؤون الخارجية سنة 2000، ثم مديرا للإدارة المركزية للإعلام لنفس الوزارة سنة 2003.
كشفت مؤخرا أن تونس تطلب مزيد من الوقت لدراسة الاتفاق مع الإتحاد الأوروبي بخصوص ملف الهجرة، هل ممكن أكثر تفاصيل عن ذلك؟
كل ما في الأمر أنه إذا تطلب تونس مزيدا من الوقت يعني ذلك أنه لم تقع مفاوضات متكافئة وأنه هناك نوعا من الضغوط والإملاءات خصوصا أن الطرف الأوروبي لعب على الوتر الحساس وهو حاجة تونس إلى دعم مالي واقتصادي واجتماعي، يعني كل ما في الأمر أن شروط هذه الإملاءات مجحفة شيئا ما، ولم ترى فيها الجهة التونسية إمكانية تطبيقها دون أن يثير ذلك ردود فعل على مستوى الرأي العام والجهات المعنية.
وبخصوص تفاصيل الاتفاق فهما نقطتان يطلبها منا منذ عقود الجناح الأوروبي للغرب: تتمثل النقطة الأولى في أن تتحول تونس إلى مجال إلى الإبقاء على المهاجرين غير الشرعيين ربما يقع النظر في ملفات بعضهم، ومن لم يسمح له بالالتحاق إلى أوروبا يقع إبعاده إلى بلده لتتكفل به وهذا ما رفضناه، أما النقطة الثانية هي إعادة المهاجرين إلى تونس وتونس تقبله ضمن فصل اتفاق إعادة الاستقبال، في حين أن تونس لم تقبل البتة هذه الشروط طيلة سنوات.
هل تونس في موقع ضعف أو موقع قوة في هذه الأزمة؟
في الواقع تونس في موقع ضعف في كل المجالات طالما لا يوجد جبهة داخلية سياسية صلبة، أي قرار سياسي يجب أن يكون مسنود من الرأي العام ومن الشعب وأن يكون هناك تعبئة، لكن التعبئة لم تحصل في المدى المنظور لأنه لا يوجد أحزاب نشطة على الميدان كما لا يوجد خطاب تعبوي الذي من خلاله يقع تجاوز الخلافات المحدودة بين الأطياف السياسية، اليوم هذه الأطياف تختلف في كل شيء وعلى هؤلاء الإدراك أن فشل قيس سعيد في ملف الهجرة هو فشل لتونس ككل بقطع النظر عن رأينا في سياساته في المجالات الأخرى، المفروض أن يكون هناك إجماعا حول ما يمس بسيادة البلاد وعدم استقرارها مثلما نعيشه اليوم بطريقة واضحة ومزعجة في مدينة صفاقس وغيرها.
ذكرت مؤخرا أن تونس تتعرض لهجمة شرسة قصد إخضاعها وتطويعها، ماذا قصدتم بهذا التصريح؟
هو ما ذكرته سابقا حيث أن تونس تمر بضائقة مالية وحين تتعامل مع شركائك في ظل نقص وتراجع لإمكانياتك سيقع الضغط عليك، لأن السياسة مقايضة وهناك موازين قوى تحكمها أي عندما تضعف حتى الجهات الأخرى وشركائك يحاولون استغلال وضعك لأن الحكام في مختلف البلدان هم محامين ومدافعين على مصالح بلدانهم لجلب أكثر ما يمكن من منافع لهم ودرء أكثر ما يمكن من أضرار هذه القاعدة السياسية والسعي البشري عموما.
كدبلوماسي تونسي سابق كيف تقيم إدارة الحكومة والخارجية التونسية لأزمة الهجرة وسط قلق كبير من تداعيات تصاعد هذه الظاهرة على المجتمع والاقتصاد التونسي؟
أعود للنقطة التي كنت بصدد ذكرها وهو طالما أن الحكام أو المنظومة الحاكمة لا يلتف ورائها الرأي العام وطالما لم تنجح في خلق إجماع حول حد أدنى من الثوابت سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية وفي كل المجالات حيث هناك ثوابت لا يمكن المس منها مهما كان الاتجاه السياسي وبالتالي يجب أ، تكون مدعومة من مختلف الفرقاء، لكن طالما أن هذا غير موجود فتونس ستبقى ضعيفة وهشة وتستهدف وتثير مطامع الجهات المقابلة سواء الشركاء أوالخصوم.
صرحت سابقا أن موقف تونس الحالي من ملف الهجرة هو تواصل لموقفها قبل الثورة؟
حين يقول قيس سعيد أن تونس لا يمكن استفزازها ولا يمكن أن تكون حارسا للحدود، كان الأحرى به أن يقول أن هذا الموقف هو مواصل لسياسة أسلافي وهو ما كنت قد ذكرته فيما يخص النقطتان التي تشملان الاتفاق والى مساعي تحويل تونس إلى معسكر للهجرة العشوائية واستقبال كل من وقع تجاوز الحدود البحرية لحدود دول أوروبا، لذلك على سعيد تطبيق هذا الموقف وأن يصمد وسنرى النتائج فيما بعد، ربما إلى حد الآن التصريحات ليست منسجمة مع الأفعال وهذا ما نرتقبه وما نرصده في المرحلة القادمة.
هل تعتقد أن الخلافات السياسية الداخلية تؤثر سلبا على صورة تونس في الخارج، وكيف يمكن التدارك للحفاظ على علاقات البلاد الدولية؟
لن يكون هناك إشكال في حالة مست الصورة فقط وكنا متماسكين داخليا، لكن عدم الاتزان كما أشرت إليه في كل المجالات هو ما يضعف تونس على المستوى الإقليمي والدولي والى الآن الساحة السياسية التونسية لم تستقر ولا نلاحظ تعاملا بين الحكومة والمعارضة حتى في صلب الحكومة نفسها، نحن نعلم أن تصريحات رئيسة الحكومة بخصوص الاتفاق مع صندوق النقد الدولي تختلف مع ما يصرح به بين الحين والآخر رئيس الجمهورية، فالبرنامج الذي وقع تقديمه إلى صندوق النقد الدولي نهاية عام 2022 لم يقبل به رئيس الجمهورية ومستند في ذلك إلى ما وقع في ظروف مشابهة أواخر السبعينات وبداية الثمانينات وما بعد ذلك من هزات اجتماعية جراء ضنك العيش والإجراءات التي اتخذتها الحكومة حينها لتفادي المصاريف والصعوبات، لذلك سعيد يؤكد دائما على رفضه لهذه الشروط والتي تشمل إصلاحات للمؤسسات العمومية الذي يقوي من موقف اتحاد الشغل الرافض لهذه الإصلاحات وهو ما سيجعله في مواجهة مع الحكومة وهو ما يريد أن يتجنبه سعيد أيضا لأن ذلك من شأنه أن يهدد استقرار حكومته.
هل تؤيد فكرة توجه تونس إلى الصين وتوسيع دائرة العلاقات وعدم الاكتفاء بحلفائها التقليديين؟
هذا هراء وجنون لأنه عليك تغيير البنية التحتية والاجتماعية، يكفي أن تتساءل بالأرقام أين توجد تحويلات التونسيين بالخارج يكفي أن نتساءل أين يتواجد هؤلاء ويكفي أن تحجر بلدان الإقامة وفرنسا بالأساس وجزء آخر بايطاليا تحويل الأموال إلى تونس حتى نرى كيف سيقود ذلك إلى إفلاس البلد، نحن نعلم أن أكبر قدر من العملة الصعبة متأتية من هذه التحويلات من ناحية، من ناحية أخرى فإن التونسيين لديهم جسور عريقة وتقليدية مع بلدان محيط البحر الأبيض المتوسط وأوروبا مثل إتقان اللغة وحتى هناك مصاهرات ونحن نعلم أن تونس كانت تحت استعمار نفس الإمبراطوريات تاريخيا، هناك تراشح كبيير بين الضفتين ولا يمكن تجاوز كل ذلك بسهولة، وكما قلت إذا أردت أن تغير التوجهات عليك تغيير البنية التحتية، في المقابل فان الاقتصادي التونسي في تكامل مع الشركات الغربية في تونس التي تشغل عشرات الآلاف.
نعلم أيضا أن الصين إذا تحولت إلى إمبراطورية سيكون لها نفس التعامل وردود الفعل مثلها مثل غيرها، الصين لا توزع في الصدقات بل تنتهج نفس السياسة وتحاول الاستثمار في أموالها بشتى الطرق، بحيث الصينيون ليسوا ملائكة وخصوصا نحن لسنا متمرنين على العلاقات معها وعلى حضارتها وعلى قيمها.
هل أنت مع سلطة الرجل الواحد أو سلطة الأحزاب مع العلم أن الإحصاءات الرسمية والدولية التي تنشر عن تونس بعد 25 جويلية في الاقتصاد والحريات والمشاركة السياسية ومكافحة الفساد كلها أقل عما كانت عليه قبل 25 جويلية؟
مثلما يقال أن الأمور بنتائجها وخواتيمها نحن نعلم أن النتائج سيئة، بمعنى أن الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي كله متداع إلى السقوط، نحن نحكم على كل نظام سواء عبر سلطة الرجل الواحد أو عبر البرلمان بنتائجه والنتائج حاليا سيئة، قد لا يكون الرئيس الحالي مسؤول على كل ماهو موجود اليوم لكن لا ننسى أيضا أنه يحكم منذ أربعة سنوات المفروض أننا نرى النتائج حاليا في آخر النفق أو على الأقل أن تلوح بوادر للانفراج في الأفق، لكن للأسف هذا ليس وضع تونس اليوم حيث أن وضعها ضنك وصعب ويتدحرج نحو الأسوأ بحيث تصيغ السلطة قيمتها بما تنتجه وما يحصل منها من آثار والآثار سيئة حتى الآن، الأوضاع لم تنفرج في كل المجالات وحتى الآن منظومة قيس سعيد وما آتت به من دستور جديد بعد 25 جويلية لا توجد به مؤسسات أو محكمة دستورية، فقط لدينا دستور على الورق ولا نستطيع بالتالي أن نقيمه.. مازلنا في مواصلة لما سبق فقط ، لا يوجد نظام ملموس حاليا.
ما رأيك في انتقادات الغرب لتونس بسبب ملف الحقوق والحريات المتراجع بعد مسار 25 جويلية؟
الغرب نستطيع أن ندينه بكل المقاييس، لا يستطيع الغرب أن يتحدث عن حقوق الإنسان حين نرى ما يحدث الآن في جنين وفلسطين عموما والضحايا في العراق وسوريا واليمن، لا يستطيع أن يعطي دروسا هذا على مستوى الأخلاق، لكن على مستوى موازين القوى فالغرب هو مهيمن ويفرض رؤاه حتى لو كانت معوجة ومجانبة للحقيقة وفيها الكثير من الانتهازية والنفاق.
لا ننكر أن التراجع في مجال الحريات موجود طالما لا يوجد تنسيق وتناسق بين أركان السلطة في تونس وطالما أن البلاد مخترقة تقريبا الجمعيات غير الحكومية أغلبها عمالة وخيانة ومخترقة هي تفرض في آراء حكومات بعينها وتدافع على مواقف معينة مثل أزمة المهاجرين، في اعتقادي اليوم تونس تعيش حالة أكثر من استعمار وهو استعمار دون استثمار وأهل البلد لا يملكون شيئا.. ما نستطيع أن نقوله أن تونس في مهب الريح فقط.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس