عبيد البريكي لـ”أفريقيا برس”: لا خيار أمام الحكومة سوى محاورة اتحاد الشغل

98

أفريقيا برس – تونس. استبعد عبيد البريكي رئيس حركة تونس إلى الأمام والوزير السابق في حواره مع” أفريقيا برس” صداما بين حكومة نجلاء بودن واتحاد الشغل، المنظمة ذات الثقل في البلاد، على اثر تهديد الاتحاد مؤخرا بالتصعيد، واعتبر أنه ليس أمام الحكومة من خيار سوى محاورة الاتحاد تجنبا لتداعيات اقتصادية وخيمة.

وفي ظل تمسك الرئيس قيس سعيد برفضه الحوار مع الأحزاب، اقترح البريكي حوارا يقوده خبراء بتصورات مختلفة يقدمون برنامجا لإخراج البلد من أزمتها، فالمرحلة تقتضي تصورا اقتصاديا واجتماعيا بالأساس، وبينما أكد دعمه لمسار 25 جويلية لكنه لم يخفي في المقابل بعض المشاكل والاحترازات التي وجب معالجتها لإنجاحه وبناء تونس الجديدة.

آمنة جبران

مع اقتراب التصويت للدور الثاني للانتخابات التشريعية، هل تتوقع تفاعلا شعبيا أم ستكون المشاركة ضعيفة؟

الحكم على نتائج الانتخابات قبل يوم الانجاز وهو يوم 29 جانفي، أعتقد أنه صعب جدا لأن العوامل التي أدت إلى نتيجة الدور الأول لم تتغير بعمق وهي أساسا سبب العزوف الناجم عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد، والناجمة أيضا عن عدم مشاركة حتى الأحزاب السياسية الداعمة في الحملات الانتخابية لمرشحيها، وهو عامل مهم جدا باعتبار القانون الانتخابي قام على ترشحات الفردية ولم يكن مسموحا للأحزاب أن تقوم بحملات داعمة لمرشحيها.

بالإضافة إلى ذلك، موقف اتحاد الشغل فحين نقارن كيف دعا في الاستفتاء إلى مشاركة مكثفة آنذاك وترك للعمال حرية التصويت بنعم أو لا ، بينما هذه المرة في الانتخابات التشريعية الاتحاد لم يستصدر بيانا بنفس الطريقة بل بالعكس بل ربما دعا قبل الانتخابات إلى النظر في إمكانية تأجيلها، هذه العوامل كلها لم تتغير بعمق في هذه المرحلة التي تفصل بين الدورة الأولى والدورة الثانية لهذه الأسباب أعتقد أن الحكم القطعي صعب وصعب جدا.

كرئيس حركة تونس إلى الإمام المشارك في الانتخابات، هل تعتقد أن نظام التصويت على الأفراد زاد من تهميش الأحزاب؟

ما زاد من تهميش الأحزاب ليس هذا فقط، هذه الأحزاب عندما تكون قوية ومدعومة تستطيع أن تتعامل مع نظام الاقتراع على القائمات والأفراد، لكن المشكل في الموقف الرسمي من الأحزاب وكذلك في الموقف الشعبي من الأحزاب الناجم عن التراكمات السابقة طيلة العشر سنوات الأخيرة والتي مردها ما شهدته الساحة السياسية من صراعات بين الأحزاب ظلت تقريبا صراعات نخبوية ولم ترتقي إلى طرح القضايا الأساسية، بالإضافة إلى وضع البرلمان والصراعات الدائرة داخله التي لم تكن صراعات حول مشاكل البلد بقدر ما كانت صراعات على السلطة، أيضا التحالفات التي قامت في البرلمان والتي قادتها المصالح، كلها عوامل همشت الأحزاب.

وعلى العكس فإن مسألة الاقتراع هي آلية من آليات الدفع إلى الأمام قد تنجح الترشحات في أماكن وقد تفشل الترشحات في أماكن أخرى، ليس هذا السبب الرئيسي بل السبب أعمق من مسألة الترشح على الأفراد والقائمات.

ما رأيك في التصعيد الأخير بين الحكومة واتحاد الشغل، هل إلغاء إضراب النقل هو تأجيل للمواجهة والصدام بينهما أم سترضخ حكومة “بُودن” لمطالبه كما فعلت الحكومات السابقة؟

أنا لا أعتقد أن هناك صداما بين الحكومة واتحاد الشغل فحين نقيم الأحداث السابقة نستنتج أنه ليس أمام الحكومة من خيار إلا محاورة الاتحاد، وتقريبا كل الصدامات الاجتماعية بين الحكومات السابقة والمنظمة النقابية أدت إلى كوارث اقتصادية وإلى نسب نمو تراجعت بشكل كبير، نحن في مرحلة اقتصادية صعبة نحتاج إلى ركيزتين لخروج البلد مما هي فيه: أولا الاستقرار السياسي ويجب أن نبحث له عن مرتكزات وأسباب ونحن على مشارف بداية الاستقرار بعد الظرف الاستثنائي من خلال انتخابات الدور الثاني التي ستؤسس لبرلمان جديد وينطلق في تشريعات التي ستقود للاستقرار السياسي لكن الاستقرار السياسي وحده لا يكفي لبناء تونس الجديدة، لا بد أن يكون مقترنا بالأمن الاجتماعي، ولن يتأسس ذلك إلا من خلال حوار بين الأطراف الثلاثة لأن من يصنع الأمن هو الحكومة بسياساتها، ويصنعه العمال من خلال مناقشة قضاياهم عن طريقة منظمتهم وهي الاتحاد وأيضا مع منظمة أرباب العمل، هذا الثلاثي مدعو للحوار في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، لذلك استبعد أي صدام بين الاتحاد والحكومة.

هل تعتقد أن انضمام الاتحاد إلى صف المعارضة يربك الرئيس، ولماذا لا يستجيب سعيد لدعوات الاتحاد في الذهاب لحوار وطني؟

بالنسبة لموقفنا كحركة تونس إلى الأمام من مبادرات الحوار، فقد أكدنا أن الحوارات بالشكل السابق الذي عاشته البلاد لن تجدي نفعا هذا موقفنا المبدئي، بمعنى أن الحوار دائما مهم حينما ينتصر للعدل والحريات فهو مسألة مهمة، لكن عن أي حوار نتحدث الآن؟ فالحوارات التي شهدتها تونس باستثناء حوار2013 الذي قاد إلى جائزة نوبل للسلام وأدى إلى حل في وقت سالت فيه الدماء، بينما الحوارات التي طرحت فيما بعد كلها قادت إلى توافقات وليس إلى اتفاقات لأنه عندما تتحاور أطراف متناقضة جوهريا ستكون النتيجة أنه لا يمكن أن يتفقوا على أرضية مشتركة فيضطرون إلى التوافق لأجل الحكم.

الحوار اليوم لا بد منه، لكن الحوار الذي يؤدي إلى اتفقات تبعا لذلك يكون الحوار مع الداعمين لمسار 25 جويلية بصرف النظر على انتمائهم، والاتحاد من داعمين هذا المسار لكن لديه بعض الاحترازات على بعض المسائل التي لا بد من التحاور فيها.

ثالثا وهو موقفنا حاليا حيث نرى أن المرحلة تقتضي تصور اقتصاديا واجتماعيا لإنقاذ البلاد، ونلاحظ أن المسار السياسي فيه بعض الانجازات، ومسار المحاسبات والفساد المالي فيه بعض الخطوات، كما أن التأسيس لبعض مؤسسات الدولة فيه خطوات، لكن المسار الاقتصادي والاجتماعي لم يتقدم، وأقول يقتضي لان الدستور الجديد يشير في فصل من فصوله أن البرنامج الذي يقود إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية هو برنامج الرئيس والمفروض مباشرة بعد البرلمان الجديد يقدم الرئيس برنامجه لكن إلى الآن لا توجد ملامح بشأنه.

لكن ماهو الحل والرئيس الآن بعيد عن محاورة الأحزاب، والمنظمات والجمعيات في جدل فيما بينهم، برأيي يكمن الحل في تجميع مختلف الخبراء المتناقضين في تصوراتهم سواء بخلفية ليبرالية أو اشتراكية أو وسطية لكن متفقين على أن البلد في أزمة ونطلب منهم تقديم برنامجهم، من ايجابية ذلك تجنب الجدل حين نجمع هؤلاء كأنك جمعت الأحزاب بتصوراتهم المختلفة إضافة إلى تشريك خبراء الاتحاد ومنظمة أرباب العمل، اعتقد أنه حل مجدي وممكن ويجنبنا الدخول في جدل ليس هو رئيسي الآن فيما يخص التعامل مع الأحزاب والمنظمات، وهو مقترح للرئيس لكي يعد برنامجه لأنه بالفعل آن الأوان لتحديد إلى أين سنسير بالاقتصاد وبميزانية الدولة وماليها وبالعلاقات الاجتماعية وهي كلها مسائل بالإمكان أن تطرح في حوار يرعاه هؤلاء الخبراء.

قلت في تصريح سابق أن تونس بحاجة إلى حكومة اقتصادية بخلفية سياسية، هل تعتقد أن الحل في تغيير الفريق الحكومي؟

في تصورنا التكنوقراط مهمين في كل حكومات العالم لكن من يقود البلد عليه أن يقودها بخلفية سياسية، حين نتحدث عن الاقتصاد نقول سياسة اقتصادية تتطلب تصور اقتصاديا، عندما نتحدث عن سياسة اجتماعية تتطلب تصور اجتماعيا، والسياسة الأمنية تتطلب تصور أمنيا الخ.. فحضور كلمة سياسة تتطلب حكومة سياسية قد تكون غير متحزبة لكن لها تصور سياسي من خلال اختيار الكفاءات القادرة على تنفيذ المشاريع، لذلك نحن نحتاج إلى حكومة سياسية لديها تصورات مختلفة لقيادة البلاد في هذه الأزمة، لأن إدارة الأزمات تكون بالتصورات السياسية بالأساس.

هل بالإمكان برأيك إنقاذ مسار 25 جويلية من التعثر؟ أم أن سعيد لم يحسن التقاط هذه الفرصة؟

الرهان فيه مشاكل منها البطئ في الانجاز، ثغرات القانون الانتخابي مثل مسألة التناصف وقد تحدثت عنه كثيرا، و إصلاح منظمة التربية والتعليم، كما لم نقم وهو الأهم بتركيز المحكمة الدستورية ولو شكلت هذه المحكمة لتفادينا الكثير من الجدل في المسائل السياسية في البلد، كما يتحدث الدستور عن اقتصاد مبني على ثلاث أشياء وهي: اقتصاد عام وخاص واقتصاد اجتماعي تضامني، لكن إلى الآن العلاقة لم تتبلور بعد، هذه كلها مسائل يجب أن تصلح مستقبلا.

الحل برأيي هو أن 25 جويلية رسم أربعة أهداف ويجب المضي فيها وأولها مكافحة الفساد المالي والإداري المستشري، ثم الكشف عن ملفات ضلت إلى الآن عالقة بفعل فاعل وهي قضايا تمثل قنابل موقوتة وترت العلاقات بين التونسيين وهي ملف الاغتيالات وملف التسفير، وهذا كله لا يتحقق ما لم يكن القضاء مستقلا حيث لا يمكن فك هذه الألغام وهو الهدف الثالث، ورابعا العودة إلى أصل الثورة وهو الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فهذه العناصر الأربعة كافية لبناء تونس الجديدة التي يجب أن تستمد الدروس من كل الفترات السابقة وليس فقط العشر سنوات الأخيرة والصدامات الاجتماعية كانت ناجمة دائما عن غياب التوزيع العادل للثروات بين الجهات والقمع، لذلك تونس الجديدة يجب أن تبنى على الديمقراطية في بعدها الاجتماعي وهي غير كافية بل يجب أن تكون بالتوازي مع الديمقراطية في بعدها السياسي وهي الحريات العامة والفردية ..هذه تونس التي نريدها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here