علي مبارك لـ”أفريقيا برس”: على السلطة الانتباه لما يحدث في الشارع التونسي

33
علي مبارك: على السلطة الانتباه لما يحدث في الشارع التونسي
علي مبارك: على السلطة الانتباه لما يحدث في الشارع التونسي

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. شهدت تونس في الآونة الأخيرة عودة متواترة للاحتجاجات الاجتماعية المنددة بتردي الأوضاع المعيشية وسط غلاء الأسعار وضعف فرص العمل والرواتب، فيما تكتفي السلطة بسياسة الوعود لتهدئة الشارع وامتصاص غضبه.

وفي حواره مع “أفريقيا برس”، أكد المحلل السياسي علي مبارك على “ضرورة انتباه السلطة لما يحدث في الشارع خاصة بعد ارتفاع حالات الانتحار حرقا لدى صفوف الشباب بسبب اليأس وانسداد الأفق، لذلك فهي مطالبة بإيجاد حلول حقيقية بعيدا عن الخطابات الرنانة”.

ورأى أن “إقالة وزيرة المالية بشكل مفاجئ مؤخرا، تأتي للتغطية على الفشل في إدارة الأزمة الاقتصادية والمالية”، لافتا أنه “في غياب هيئات رقابية سيكون من الصعب التخلص من البيروقراطية التي تعيق تطور عمل الإدارة التونسية، كما أن الذهاب إلى مصالحة وطنية حقيقية خطوة مهمة وستعود بالفائدة على الدولة، وستدعم التقدم في ملف الصلح الجزائي مع رجال الأعمال، الذي تعهد الرئيس قيس سعيد بتسويته منذ جويلية/يوليو 2021”.

ما هي قراءتكم لقرار إقالة وزيرة المالية التونسية مؤخرا مرتبط بإدارة ملف الأموال المصادرة؟

لا أعتقد أن قرار إقالة وزيرة المالية بسبب سوء إدارة ملف الأموال المصادرة فقط، وإنما متصل عموما بالوضع الاقتصادي والمالي الصعب، وهناك بعض الأخبار تقول أن بعض التقارير المالية والاقتصادية تمت إدارتها بشكل خاطئ وهو ما أثار استياء الرئيس قيس سعيد، وطبيعي جدا أن يبحث الرئيس على من يتحمل مسؤولية هذا الفشل، ولم يجد أفضل من وزيرة المالية حتى تكون كبش فداء، وأعتقد أنها ليست الوحيدة التي تتحمل المسؤولية بل منظومة كاملة تتحمل مسؤولية هذا الفشل الاقتصادي.

إجمالا فقد قاد الوضع الاقتصادي السيئ إلى قرار إقالة الوزيرة واستبدالها بقاضية، في حين أن هذه الوزارة هي وزارة تقنية بامتياز وعلى الأقل كان من الأجدر أن يكون على رأسها مختص في الاقتصاد، لكن الرئيس اختار تعيين قاضية، وهنا نطرح تساؤلا كيف يعين الرئيس قاضية ليس لها اختصاص في الاقتصاد في هذا المنصب، وهو ما يثير الشكوك في مدى نجاحها في هذه المهمة.

هل تعتقد أن قانون المالية الذي أعدته الوزيرة لم يكن فعالا في تعبئة إمكانيات الدولة الداخلية كما لا يتماشى مع خيار التعويل على الذات الذي يتبناه الرئيس قيس سعيد؟

في الواقع مازلنا نتذكر تصريح الرئيس سعيد حين قال بما معناه أنه “مجبر على تمرير قانون المالية وغير راض عنه”، لكن في المقابل لا أعتقد أنه كان أمام وزيرة المالية حلول كبيرة حتى تتخذ بعض الإجراءات التي من الممكن من خلالها تحسين الوضعية المالية العمومية وتتفاعل بشكل أكبر مع شعار التعويل على الذات، وفي تقديري هذا الشعار كان يستهدف صندوق النقد الدولي فقط، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من نسبة تداين كبيرة، لذلك شعار التعويل على الذات هو شعار لم يطبق على أرض الواقع، ولم تكن أمام وزيرة المالية أي خيارات أخرى، كما أن القانون هو قانون جبائي بامتياز، وهو ما سيؤثر سلبا على الاستثمار وعلى نسبة التضخم وعلى ارتفاع نسبة البطالة، مما سينجر عنه بعض التحركات الاجتماعية.

كيف يمكن التخفيف من البيروقراطية التي تسيطر على الإدارة التونسية، والتي لا تستجيب للتغييرات بالسرعة التي يطلبها الرئيس سعيد؟

البيروقراطية هي المرض المزمن في الإدارة التونسية، وهناك إجماع وطني على ضرورة حلحلة هذه المعضلة، وهي بمثابة سرطان ينخر الإدارة التونسية وتعطل سير الاقتصاد ومحاولات إنقاذه وترميمه، ولا يمكننا حلحلة ذلك بخطابات من هنا وهناك، بل علينا العودة إلى المؤسسات، لكن في اعتقادي الخاص فإن رئيس الجمهورية لا يؤمن كثيرا بعمل المؤسسات، بقدر ما يؤمن بالنظام القاعدي والنظام السلطوي ونظام الفرد الواحد حتى يمتثل الجميع لأوامره، ولمواجهة مثل هذه المعضلة كان علينا تركيز سلطة رقابية في الإدارة، هذه أهم خطوة نحتاجها للتخفيف من البيروقراطية، لأنه في غياب الهيئات الرقابية باتت الإدارة التونسية تعمل برعوانية كبيرة.

لماذا تعثر مسار المصالحة مع رجال الأعمال الذي يراهن عليه الرئيس بهدف إنعاش الاقتصاد؟

في اعتقادي بسبب غياب الهيئات الرقابية كما سبق وتحدثت، وبسبب غياب الثقة بين رجال الأعمال وبين السلطة، وكذلك لأنه لم يقع تعديل البوصلة الخاصة بهذا الملف وتحديد رؤيا وإستراتيجيات خاصة به، ولتحقيق صلح جزائي بنتائج ناجعة، يجب أن يكون هناك قانون واضح وصريح ووفق هيئة مستقلة بذاتها لا تخضع لرقابة البرلمان، وهو برأيي الحل الوحيد لتحقيق تقدم في هذا الملف، كما أنه من المهم الذهاب إلى مصالحة وطنية حقيقية والتي ستعود بالفائدة على الدولة وعلى رجال الأعمال وعلى كل الشرائح والفئات بالمجتمع.

تتعالى الأصوات مؤخرا في تونس بهدف تنظيم حوار وطني شامل هدفه إنقاذ البلاد من أزماتها وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة التغييرات الإقليمية، لماذا إلى الآن لا تتفاعل الرئاسة مع هذه الدعوات وتكتفي بالصمت؟

في الواقع الرئيس لم يكتف بالصمت، بل سبق وصرح أنه يرفض تواجد الأجسام الوسيطة في مشروعه السياسي، هو لا يؤمن بالمؤسسات وبدور الأجسام الوسيطة، كما أنه يرى أنه في ظل عمل البرلمان والحكومة فلا يوجد داع ومبرر لهذا الحوار، كما لا يمكن أن يكون هناك حوار مع أطراف سياسية يتهمها بالتآمر ويصفهم بالخونة، لذلك موقفه من الحوار واضح.

ربما الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا قد شجعت بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع على الترويج لحوار وطني توقيا لتداعيات هذه المتغيرات الإقليمية والدولية، وهو مجرد كلام باعتبار أن موقف الرئيس واضح وصريح، فهو لا يرى داعيا للحوار في ظل عمل مؤسسات الدولة.

هل تعتقد أن حياد السلطة عن أزمة الاتحاد سيجعل هذه الأزمة تتسع وتتعمق.، وهل ترى أن إهمال السلطة للاتحاد متعمد بسبب سياساته القائمة على التصعيد؟

تعامل السلطة مع أزمة الاتحاد هو تعامل ذكي، وذكي جدا، حيث كان الرئيس يراقب أزمته دون تدخل، و كل ما كان يريده الرئيس سعيد هو أن يبقى الاتحاد بمفرده في هذه الأزمة، وهي أزمة متشبعة لأبعد الحدود، وهو صراع داخلي على الكرسي وعلى تنظيم المؤتمر المرتقب.

وبرأيي ما يحدث للمنظمة هو خطير جدا، وسيكون له انعكاسات على المستوى الاجتماعي، صحيح كان لاتحاد الشغل في العشرية الماضية ثقل كبيرا في المشهد وقد أخذ أكثر من كفايته من السلطة من خلال تدخله في التعيينات، حيث كان فاعلا بشكل مباشر وبمثابة حزب سياسي، لكن منذ 25 جويلية تراجع دوره إلى أبعد الحدود، وقد اتضح ذلك مؤخرا، حيث لم يقم الرئيس باستشارته في قانون الشغل وقانون الزيادات، وفي ملف المدرسين كذلك، لذلك فإن إتحاد الشغل يمر اليوم بظرف خطير وخطير جدا وصعبة، وسيكون لذلك انعكاسات على المشهد التونسي.

هل تعتقد أن دائرة الاحتجاجات الاجتماعية ستتوسع في تونس على خلفية عدم إيفاء السلطة بوعودها، وهل سيزيد ذلك من مأزق الحكومة العاجزة عن إيجاد حلول خاصة في ملف التشغيل؟

سأجيب على هذا السؤال في شكل نصيحة: على السلطة الانتباه لما يحدث في الشارع التونسي بشكل كبير، فعندما نتحدث عن أربعة حالات انتحار خلال شهر واحد عن طريق الحرق، هذا رقم مخيف، على غرار عودة الاحتجاجات وأزمة البطالة المستمرة، وغلاء الأسعار وانتهاج الدولة سياسة تقشف التي زادت من تردي الأوضاع الاجتماعية، كل هذه المؤشرات توحي بأن الشارع سيتحرك وسيطالب بالحد الأدنى من مطالبه المعيشية، وعلى السلطة أن تحل هذه الأزمة وتنظر إليها ببراغماتية وموضوعية بعيدا عن الخطابات الرنانة، كما يجب الانتباه كذلك إلى بعض الأطراف الخارجية التي قد تستغل الظروف الحالية ببلدنا لمزيد التأجيج، كل هذه العوامل قد تدفع إلى عودة الاحتجاجات، والأخطر من هذا أنها ستكون دون قيادة ما يعني أن الوضع قد يكون خارج السيطرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here