آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تجمع الأوساط السياسية في تونس على أن مفتاح خروج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية يكمن في الذهاب إلى حوار وطني شامل بين جميع الأطراف السياسية لإيجاد حلول مشتركة. في المقابل، توقعت تقارير إعلامية أن يتجه الرئيس قيس سعيد إلى حوار وطني يستثني فيه حركة النهضة، التي يضعها في خانة الأحزاب المسؤولة عن “العشرية السوداء”.
وفي حواره مع “أفريقيا برس”، أكد عماد الخميري، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، أنه “لا يمكن للحوار الوطني أن ينجح في ظل إقصاء أطراف سياسية وازنة مثل النهضة وجبهة الخلاص الوطني، وفي ظل استمرار السلطة في النهج الفردي في الحكم والتعاطي مع قضايا البلاد بخلفية أمنية وقضائية”.
ودعا الخميري إلى “محاكمات علنية للموقوفين السياسيين على خلفية قضايا التآمر”، مشيرًا إلى “عمل جبهة الخلاص على تجميع قوى المعارضة على طاولة حوار واحدة، مما سيشكل ضغطًا على السلطة للاستجابة لمطالبها، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وجميع سجناء الرأي”.
ويُعد عماد الخميري الناطق الرسمي باسم حركة النهضة وأحد أبرز قياداتها، كما شغل منصب رئيس كتلة الحركة في البرلمان السابق، حيث ترأس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالمجلس.
ما هو موقف حركة النهضة من الحوار الوطني المرتقب؟ وهل تعتقدون أنه سيكون شاملًا لكل القوى السياسية؟
من حيث المبدأ نعتبر أن أفضل الحلول لمشاكل البلاد هو الحوار وجلوس كل المختلفين من الفرقاء، من ذوي المقاربات المتعددة في الشأن الوطني على طاولة واحدة لحل المشاكل ولتقديم الحلول للبلاد، و من حيث المبدأ النهضة كانت دائما عنصر يشجع على الحوار ويدعو بشكل دائم إلى التمسك بالوحدة الوطنية الحقيقية المبنية على التعهدات الواضحة بين الشركاء، وفي علاقة بما هو رائج الآن في بعض وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعية عن اتجاه الرئيس قيس سعيد إلى حوار وطني، يمكننا القول أنه لا يمكن التعاطي مع هذه التسريبات الإعلامية بجدية،لأنها أقرب إلى التخمينات وربما التمنيات، فلم يصدر عن السلطة السياسية إلى حد الآن دعوة رسمية إلى الحوار أو مبادرة سياسية في اتجاه المنتظم السياسي أو المكونات الإجتماعية أو المدنية، وبالتالي لا يمكن أن نتفاعل مع مجرد أحاديث تستند على مقال هناك أو تصريح أو عريضة من جهة أخرى.
نحن لا نلاحظ جدية للسلطة في إطلاق مبادرة للحوار الوطني، وما نلاحظه هو مزيد إمعان السلطة في الهروب إلى الأمام وفي الانفراد بالقرارات والخيارات السياسية الكبرى والتعاطي مع قضايا البلاد بخلفية أمنية قضائية تثبتها كل الملاحقات التي تعرضت لها مختلف العائلات السياسية المعارضة، وكذلك المكونات الاجتماعية، ونشطاء المجتمع المدني والأصوات الحرة في الإعلام والفضاء الافتراضي، ليس هناك مؤشرات موضوعية تدل ان السلطة ستعدل عن هذا النهج، وتتجه إلى الحوار، وبالتالي من السابق لأوانه التعاطي مع هكذا دعوات.
ما هو المطلوب لجعل هذا الحوار ممكنا، وكيف تقيّمون استثناء بعض القوى السياسية بما في ذلك حركة النهضة، من المشاورات الأولية للحوار الوطني؟
عموما لا يمكن الحديث عن حوار وطني يقصي أطراف سياسية وازنة مثل النهضة وجبهة الخلاص وغيرها من القوى السياسية والاجتماعية والمدنية، ولا جدية لحوار إذا لم يكن جامعا شاملا لكل أبناء الوطن دون شروط وإقصاء تسبقه بالضرورة إجراءات تهدئة بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإخلاء السجون التونسية من سجناء الرأي والفكر، فالاستقرار في البلاد الذي هو شرط من شروط تحقيق التنمية لا يمكن أن يتحقق دون تعاقد وطني بين كل أبناء البلاد ومكوناتها، وهذا التعاقد لا يمكن أن يتحقق إلا بالذهاب إلى الحوار الوطني المرجو دون إقصاء، والذي يجمع الجميع على طاولة واحدة لأجل خروج البلاد مما هي فيه من أزمة مركبة سياسية وإقتصادية و إجتماعية هي نتاج سياسات السلطة وبسبب إصرارها على الانفراد بالرأي، وتجميع كل السلطات ومعالجة قضايا البلاد بالطرق الأمنية والقضائية، ودون الانكباب على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ازدادت سوءا على ما كانت عليه.
برأيي الحوار يمكن تنظيمه في حال وقع تغليب المصلحة الوطنية، واقتنعت السلطة قبل غيرها أنه من مصلحتها ومن مصلحة البلاد الذهاب إلى الحوار مع المعارضة والكف عن توصيف مخالفيها بالخيانة والعمالة، فالمشكلة الأساسية الآن في خيارات السلطة وممارساتها بالأساس التي أعادت البلاد إلى مربعات التسلط والحكم الفردي والإستبداد، بما يمثله ذلك من مخاطر على إستقرار البلاد ومستقبلها ويكفي التأمل في تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية من حولنا لتؤكد الحاجة إلى مزيد العمل عل تمتين الوحدة وطنية فهي الدرع لحماية السيادة الوطنية.
برأيك، هل ستكون هناك محاكمات علنية للمعتقلين السياسيين في قضية التآمر، وهل يمكن أن يشهد هذا الملف انفراجة بهدف تحقيق تهدئة ودعم الاستقرار بالبلاد؟
في ظل استمرار نهج السلطة في تعقب آثار معارضيها وتكميم الأفواه استنادا للمرسوم 54، وتجريم العمل السياسي والجمعياتي وتوجيه القضايا إلى أغلب العائلات السياسية، سواء كانت ليبرالية أو إسلامية أو يسارية، وقد كان العنوان الأبرز لهذه القضايا هو التآمر على أمن الدولة، ولكن يكفي الاطلاع على محاضر هذه القضايا وملفاتها للتأكد من أنها خالية من مرتكزات مادية تدين أصحابها، ونحن في النهضة كنا قد طالبنا أكثر من مرة بأن تكون هذه المحاكمات علنية حتى يطلع الرأي العام في الداخل وفي الخارج على خلو هذه الملفات من القرائن التي تثبت الإدانة فهي ملفات فارغة غير جدية، تخلو من الأدلة والقرائن لتدين قامات كبيرة مثل رئيس البرلمان الأستاذ راشد الغنوشي أو وزراء سابقين كرضا بلحاج وغازي الشواشي ونور الدين البحيري أو رئيس حكومة سابق المهندس علي العريض، أو قيادات وطنية بارزة كجوهر بن مبارك وخيام التركي وعبد الحميد الجلاصي وعصام الشابي.
ونحن نطالب بإطلاق سراحهم وعودتهم أحرار لديارهم، لكن إذا اتجهت السلطة إلى سياسة الهروب إلى الأمام ومحاكمتهم، فنحن نجدد طلبنا بأن تكون هذه المحاكمات علنية حتى يطلع الرأي العام عليها وتقام الحجة على من إدعى إدانتهم، وحتى يدرك الجميع أن هذه الملفات هي ملفات فارغة، عالجت بها السلطة فقط مشاكلها الداخلية وعجزها في إدارة الشأن العام بالهروب إلى المحاكمات السياسية.
كيف تقيّم حركة النهضة قرار تمديد الإيقاف التحفظي لأمينها العام العجمي الوريمي؟ وما هو ردكم على التهم الموجهة إليه واثنين آخرين من منتسبي الحركة؟
تمديد الاحتفاظ بالأمين العام لحركة النهضة العجمي الوريمي ومحمد الغنودي ومصعب الغربي هو إطالة في عمر هذه المظلمة المسلطة عليهم جميعا، والمسلطة على الأخ الأمين العام للحركة، فالعجمي شخصية معروفة بالانفتاح وبالعلاقات الواسعة مع المنتظم السياسي بكل تياراته الفكرية وبكل مدارسه السياسية، هو شخصية معروفة بالاعتدال وبصوت الحكمة، وبالبحث عن مشتركات وإعلاء المصلحة الوطنية، ويعتبر هذا التمديد هو تمديد في المظلمة المسلطة على العجمي ورفاقه، وهذا ليس استثناء يمس هذه القضية، فكل القضايا شهدت هذا التمديد، وهي قضايا سياسية في العمق وقضايا واجهت بها السلطة مشاكلها من خلال تصديرها لمحاكمات ذات طبيعة سياسية، هذا خيار جرب في تونس وفي عديد البلدان وأثبت فشله، في الوقت الذي يجدر فيه بالسلطة التوجه نحو أبناء وطنها ودعم روح الحوار والتشاركية، وعلى السلطة أن تعي جيدا أن خيار الهروب إلى الأمام، لن يكون حلا لمشاكل البلاد ولا يديم في عمرها ونحن ندعو من جديد إلى إطلاق سراح الوريمي وكل رفاقه وكل القادة السياسيين وعلى رأسهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
كيف تقيمون سياسة الرئيس التونسي بعد الانتخابات وتأثيرها على الوضع الداخلي؟
إلى حد هذه اللحظة بعد انتخابات 7 أكتوبر، لم نلحظ تغييرا في نهج الرئيس في التعاطي مع قضايا البلاد، مازلت السلطة تتعاطى بنفس الآليات التي تعاطت بها قبل 7 أكتوبر، وليس هناك حتى هذه اللحظة تناولا على غير النموذج السابق في طرح الملفات، فعلى المستوى الاقتصادي الاجتماعي، مازلت السلطة متعثرة في معالجة قضايا البلاد، ومازلت السلطة تعيد إنتاج نفس الخطاب وتنكر وجود أزمة عميقة في البلاد، برأينا خطاب السلطة بلا رؤية ويفتقد للبرنامج، فمثلا التركيز على الحرب على الفساد اقتصر على الشعارات، ولم تكن هناك استراتيجية واضحة في هذه الحرب خارج الطرق الانتقائية وخارج الخطاب الشعبوي، فضلا على المرتكزات الأخرى القائمة على الشركات الأهلية وعلى فكرة المحافظة على القطاع العام ورفض التعاطي مع الدوائر المالية الأجنبية، إذا استثنينا هذه الشعارات الكبرى، لا نجد رؤية للسلطة.
وعلى عكس ماهو مرفوع من شعارات، تتجه البلاد نحو مزيد من التداين الداخلي الذي من شأنه أن يغرق الاقتصاد في الانكماش ومزيد من الركود، كما لا توجد معالجة لمؤشرات التضخم المالي، التي تتعب التونسيين وزادت من تفقيرهم، لذلك نعتبر أنه ليس هناك تغيرات، وليس هناك خطاب واضح على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى معالجة التوازنات المالية للدولة،أما على مستوى السياسي وكما ذكرت، لم نلحظ تغييرا في التعاطي مع الأزمة السياسية، في ظل استمرار السلطة في استهداف العمل الحزبي والوسائط الاجتماعية، وهي بذلك تعمل على مزيد تأزيم الوضع، وبالتالي السلطة اليوم ليست عامل مساعد على توفير الاستقرار السياسي والمجتمعي.
هل قامت جبهة الخلاص بمراجعة لأدائها وإعادة تقييم لتموقعها في المشهد بعد الانتخابات الرئاسية، وهل هناك نية لإطلاق حوار وطني بين قوى المعارضة قبل أي حوار مع السلطة؟
جبهة الخلاص الوطني كانت من الأطراف السياسية التي ساهمت منذ البداية في مقاومة تجميع السلطات بيد فرد واحد بعد 25 جويلية 2021، وفي التحذير من مخاطر التسلط والاستبداد واستهداف التعددية والديمقراطية وضرب المشاركة السياسية، وكان للجبهة في هذا السياق دور كبير ومثمن، وبطبيعة الحال لدينا تقييمات تتعلق بمحدودية عمل جبهة الخلاص على تجميع الساحة السياسية المعارضة وفي ضعف قدرتها على توفير مساحة أكثر للالتقاء بين كل مكوناتها وهذا فيه ما يعود للجبهة وفيه ما هو عائد لضعف المعارضة وانقسامها وتشتتها واحتكامها إلى تقييمات الماضي أكثر من النظر إلى المستقبل، وجبهة الخلاص واعية بأهمية الإشتغال على تسديد هذا النقص،، من خلال البحث عن المشتركات في الساحة الوطنية بعيدا عن التقييمات والإصطفافات الايديولوجية ويبدو أن هناك بوادر الآن موجودة ومحفزة على الإلتقاء والعمل المشترك والحوار بين مكونات المعارضة، ستعمل الجبهة على إنجاحه،حتى الوصول إلى مؤتمر للحوار الوطني للمعارضة التونسية، بما يعيد التوازن للساحة السياسية وهو ما قد يمثل ضغط إضافي على السلطة حتى تستجيب لطلبات المعارضة والتي من ضمنها إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وتنقية الأجواء السياسية من محاكمات سياسية ومحاكمات الرأي.
ما هو مصير المؤتمر 11 لحركة النهضة الذي وقع إرجائه في أكثر من مرة؟
مؤتمر حركة النهضة هو من بين الملفات التي بات التعاطي معها أكثر صعوبة جراء الأوضاع التي تعيشها البلاد على المستوى السياسي، فلا يخفى على المتابع للساحة الوطنية أن الملاحقات والمحاكمات السياسية والتضييق على العمل السياسي بل تجريمه وإغلاق المقرات الحزبية لحركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، كل هذا ساهم في تعطيل الذهاب إلى المؤتمر، لكن ومع ذلك هناك حراك داخل الحركة ومؤسساتها يبحث في الآليات التي يمكن من خلالها إنفاذ القرار في الذهاب إلى المؤتمر الحادي عشر للحركة في أقرب وقت.
ما هي الخطوات التي اتخذتها حركة النهضة لإعادة بناء الثقة داخل صفوفها ومع الشارع التونسي؟
النهضة غنية بتاريخ طويل، وقد مرت بمحن عديدة ولها دربة في التعاطي مع الظروف الصعبة، ودربة في التعاطي مع الاستبداد، الذي لن يزيدنا إلا تمسكا بالنضال السلمي المدني وبالعمل القانوني العلني وهي تنكر على السلطة تجريمها للعمل السياسي وتطالبها باستعادة مقراتها وكذلك تستمر النهضة في أداء دورها الوطني مع شركائها في جبهة الخلاص الوطني من أجل استعادة الحياة الديمقراطية، واحتكام الجميع لعلوية الدساتير والقوانين في حياة الشعوب، ثقة الداخل النهضاويّ تتعزز بسلامة الخط السياسي الذي تنتهجه الحركة، والذي يرتكز على المبادئ الوطنية الكبرى التي قامت عليها الحركة وفيما يخص الخطوات المتجهة لربط العلاقة بالشارع التونسي، فنحن جزء من هذا الشارع في أحياءه ومدنه وأريافه وقراه، نسعى في خير هذه البلاد، ونعمل جاهدين مع غيرنا في الانتصار للقيم التي ناضل من أجلها الشعب التونسي، والحركة تقدمت في كل ما يتعلق بتقييم المرحلة السابقة سواء في إدارة الحكم أو المشاركة فيه، فالنهضة من خلال مؤسساتها القيادية ولجان التفكير الخاصة بإعداد المؤتمر الحادي عشر، قدمت جهدا تقييمي ومضموني في نقد تجربتها، من شأنه أن يساهم في تطوير الحركة، وبما يسهل في إعادة الثقة بينها وبين جزء من الجمهور الذي ساءته بعض أخطاء النهضة في الحكم.
ما هو موقف الحركة من دعوات السلطة لإقصاء من يصفونهم بـ”المسؤولين عن العشرية السوداء”؟
فكرة الإقصاء فكرة لا ديمقراطية، ولا يمكن لأي حوار أن ينجح في تونس إذا كان يتغطى بفكرة الإقصاء ويتشبع بها. السلطة أقامت مشروعيتها على شيطنة ما قبلها وتستمر على نهج وسم ما قبلها بأنه عشرية سوداء، وهو وسم استعارته السلطة من مجتمعات عاشت حروبا أهلية وليس انتقالا ديمقراطيا كالذي عشناه، مع العلم أن السلطة اليوم لها في الحكم أكثر من خمسة سنوات وأحسب أن حصيلتها في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ليست أفضل من عشرية الثورة، فتونس تعاني من عجز في الميزانية انجرّ عنه تداين مفرط أفقد البلاد القدرة على تعبئة الموارد المالية الخارجية. وهذا ما يدفع الدولة إلى التداين الداخلي لمواجهة تسديد القروض الخارجية والحيلولة دون الإفلاس. هذا الوضع يدفع الدولة إلى الضغط على التوريد بما ينتج عنه شحا في المواد الأساسية بالأسواق فينعكس سلبا على عجلة التنمية لأن ثلثي الواردات تتشكل من المواد الأولية والمواد نصف المصنعة الضرورية للإنتاج. وهو ما يفسر تدني نسب النمو وارتفاع نسب البطالة.
ونحن في كل الأحوال مع تقييم عشرية الثورة والإنتقال الديمقراطي فهو أمر مطلوب،المهم أن يكون التقييم موضوعي ونزيه، والجهة الوحيدة التي يحق لها معاقبة أي طرف سياسي على حكمه أو سياساته هو الشعب التونسي من خلال محطات الانتخابات النزيهة الشفافة المستقلة الحرة، فهي الآلية التي يحكم بها الشارع على خيارات الأحزاب، هذا هو حال الدول الديمقراطية، لا يمكن أن تأتي جهة ما في الحكم وتفرض منطق الإقصاء بحجة أن هنالك تجارب فاشلة، ففي كل الديمقراطيات في العالم حين يلحظ الشارع فشل الحكومة في الأداء الاقتصادي والاجتماعي يعاقبها بالصندوق،، لذلك دعوات الإقصاء هي دعوات مشبعة بفكر التسلط ومشبعة بفكرة اللا ديمقراطية، وهي شكل من أشكال التذرع تعتمده الأنظمة المتسلطة لإدارة أوضاع البلاد بطريقة أحادية بعيدا عن الإدماج والتشاركية.
أبدت جبهة الخلاص الوطني تمسكها بالديمقراطية في ذكرى الثورة، برأيك هل بقي لهذه الذكرى من معنى في ظل الانتكاسة التي يشهدها مجال الحريات؟
بطبيعة الحال أهم مكسب من مكاسب الثورة التونسية هو المساحة الواسعة التي أعطتها للفعل السياسي والعمل النقابي والحزبي وغيرها من الحقوق، التي تمتعت بها جماهير شعبنا لأكثر من عشرة سنوات، ومثلت نموذجا فريدا في المنطقة، هذه المكاسب في الواقع وقع هدمها واستهدافها قي السنوات الأخيرة، وليس لنا من خيار في داخل الصف الديمقراطي والوطني غير التمسك بهذه الثوابت التي ناضل لأجلها التونسيون وسقط لأجلها الشهداء، ونحن ندرك أن الثورات تعيش حالة مد وجزر وتراجع وانتكاسات، لكن يبقى الأمل معقود على النخب وعلى الأحزاب وعلى أبناء شعبنا، للقيام بدورهم في استعادة الديمقراطية، وما نقوم به في المعارضة التونسية هو لتمسكنا بالخيار الديمقراطي، وأهمية الديمقراطية تكمن في أنها الخيار الذي يضمن الاستقرار السياسي، والخيار الذي يجلب التنمية للبلاد والذي تندرج فيه تونس في محيطها الإقليمي والدولي، ولا تعني الانتكاسة لواقع الحريات اليوم، طي صفحة الثورة وقوسها، فالشعب التونسي الذي ذاق طعم الحرية لن يفرط فيها بسهولة وما نشهده من مقاومة مدنية سلمية للإستبداد لشرائح واسعة في المجتمع التونسي سينتهي إلى استعادة الديمقراطية و الحرية والعدالة كقيم أصيلة جاءت بها ثورة الحرية والكرامة في تونس.
هل تدعم حركة النهضة التحولات الجارية في سوريا؟ وكيف يمكن أن تنعكس التحولات السياسية في سوريا على العلاقات بين تونس وسوريا؟
التحول في سوريا هو تجسيد لإرادة الشعب السوري الحر الذي عان لعقود طويلة من الحكم الفردي القهري الإستبدادي، حكم استند على العائلة والعشيرة والطائفة ودخل في مواجهة عنيفة مع شعبه، حكم ضرب مقومات السيادة الوطنية وحول سوريا إلى ساحة للتدخلات الأجنبية، اليوم الشعب السوري انتصر في معركته من أجل الحرية والكرامة واسقط نظام حكم متسلط ومستبد وأمام الشعب السوري وقواه الوطنية فرصة لإقامة مشروع وطني يحافظ على سوريا موحدة ويحافظ على التنوع في داخل المجتمع السوري ويحمي الأقليات الدينية والعرقية، ويحمي الحقوق والحريات لكل السوريين، والذي جرى في سوريا كان محل ترحيب دولي وإقليمي وعربي، وظني أن تونس ستندرج في هذا الخيار، لأن من ثوابت الدبلوماسية التونسية احترام إرادة الشعوب واستقلالها والتعاون بين الدول بناء على قاعدة المصالح المشتركة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس