حذامي خريّف
أفريقيا برس – تونس. تمضي قافلة الصمود قدما في طريقها من تونس إلى معبر رفح في مسعى لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
انطلقت القافلة صباح الاثنين من تونس ووصلت إلى ليبيا على أن تصل إلى القاهرة الخميس وتكون يوم الاثنين القادم في معبر رفح على حدود غزة. ومع كل ميل تخطوه القافلة نحو معبر رفح تحقق أهم هدف وهو ترسيخ القضية الفلسطينية في وجدان الناس وخاصة الأجيال الصاعدة.
يقول الناشط الحقوقي أحمد القلعي لـ”أفريقيا برس”: “هي حركة رمزية عالية المقاصد والمعاني. إنها تحفز همم الشباب في ظل التقاعس المخزي للحكومات”. ويؤكّد على ذلك النائب في مجلس نواب الشعب النائب محمد علي، لافتا في تصريحاته لـ”أفريقيا برس” إلى أن “قافلة الصمود مبادرة ترسّخ القضية في وجدان الأجيال الجديدة.. هي خطوة رمزية غير مسبوقة بهذا الزخم في تاريخ دعم المقاومة”.
وفي ذات السياق، يؤكّد المحلل السياسي التونسي يقول خالد كرونة لـ”أفريقيا برس”: “ستكون لهذه القافلة آثارا ممتدة في الزمان لأنها ستلهم الأجيال معاني عدالة قضية فلسطين وستكون إدانة جديدة لهمجية الاحتلال ودمويته. إن أهم ما تتميز به أنها شكل شبابي مبتكر يصور رمزيا فكرة الزحف إلى فلسطين “.
ويصف النائب في مجلس نواب العشب محمد علي في تصريحاته لـ”أفريقيا برس” قافلة الصمود بأنه “ملحمة تاريخية وإبداع تونسي عاشق لفلسطين غير مسبوق يضاف إلى ملحمة المقاومين الذين التحقوا سيرا على الأقدام أثناء حرب 48.. أصبح اليوم الإسناد جوا من اليمن وبحرا من سفينة مادلين وبرا من تونس إلى غزة ليفتح طريق أخرى أمام أحرار العالم وشبابه لوقف إبادة شعبنا في فلسطين”.
على مدى طريقها نحو معبر رأس الجدير الحدودي مع ليبيا، استقبل أهالي المدن التونسية القافلة وركّابها بالترحاب، خرجوا إلى الطرقات يلوّحون بأعلام فلسطين. الكلّ يتمنى لو لديه القدرة على استكمال الرحلة معهم.
لم يختلف الأمر في ليبيا، حيث أكّد لنا أصدقاء مشاركون في القافلة عبر حديث سريع أنه لم تعترضهم صعوبات عند دخول ليبيا. وأظهرت صور نشرها مشاركون في الرحلة عبر فايسبوك استقبالا كبيرا للقافلة من الليبيين أدحض كل من سعى إلى التشويش على هذه المبادرة بالتخويف من الأوضاع الأمنية في ليبيا وأنه من الصعب أن تمرّ.
وضع الليبيون خلافاتهم جانبا من أجل فلسطين. خرج الناس للشوارع يهتفون لغزة. في صورة نادرة “اتحدت” ليبيا حتى تمرّ القافلة بسلام نحو مقصدها.
ويقول الكاتب اللبناني، المقيم في باريس، علي المرعبي لـ”أفريقيا برس”: فلسطين تؤكد مجددا أن الطريق إليها، هو طريق الوحدة العربية..إخوة من الجزائر إلى تونس إلى ليبيا إلى مصر وصولا إلى قطاع غزة الفلسطيني..إنها قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزّة..تاريخ واحد.. هدف واحد.. صوت عربي واحد: يا غزة نحن قادمون… رد بسيط على غلاة دعاة الانفصال والتقسيم”.
لن تحمل القافلة معها مساعدات مادية، لكنها تحمل ما هو أهم وأقوى وأكثر ما تحتاجه القضية الأم، وهو إبقاء جذوة القضية مشتعلة في وجدان أجيال لم تعايش النكسات والنكبات، أجيال لم يسمع أغلبها عن مجازر صبرا وشاتيلا، عن دير ياسين وحيفا ويافا والناصرة وبيت لحم وقانا…
قافلة الصمود حملت الأمل في جيل سعت الآلة الصهيونية إلى استقطابه وغسل أدمغته بكل الوسائل الممكنة، لكن في كل مرة ينقلب السحر على الساحر. فايسبوك تحوّل إلى صوت من أصوات دعم القضية، وغيره من وسائل الترفيه والاستقطاب والتأثير لم تنجح في جعل القضية “ماضيا”، بل صامدة أكثر.
ووفق النائب محمد علي “القافلة أشعلت جبهة أخرى شعبية ونوعية في إسناد المقاومة وستكون مثالا يحتذى به من شعوب المنطقة والعالم لحشر العدو في الزاوية وحشر النظام الرسمي المتخاذل عن إسناد غزة وفك الحصار عنها ووضع حد لجرائم التجويع وهدم الحياة والبيوت والمشافي والكنائس والجوامع وإبادة الأطفال والنساء”.
ويوجّه الكاتب التونسي عبدالرحمن البراهمي عبر “أفريقيا برس” “تحية لقافلة الصمود وهي في طريق فك العزلة غزة الصامدة”، لافتا إلى أن “فلسطين كانت وستبقى قضية التونسيين المركزية… وأن القضية الفلسطينية تزداد رسوخا في أذهان كل الأحرار…وأن دم الأطفال والنساء والشيوخ سيظل نارا ومشاعل تضيء درب الأجيال القادمة باتجاه قضية إنسانية لا تنتهي بالتقادم بل تزداد حضورا ورسوخا…إنها القضية الفلسطينية”.
ويضيف البراهمي: “فلسطين جرح غائر..نازف في قلب الوطن العربي، ومظلمة إنسانية حلت بشعب أعزل منذ ثلاثينات القرن الماضي، وتعمقت المأساة بعد 1948عندما تم تمكين العصابات الصهيونية من تأسيس كيان هجين أسموه إسرائيل تلقى الدعم اللامحدود من الغرب خاصة… وبدأت نكبة الشعب الفلسطيني تتوسع وتتعمق بعد هزائم النظام الرسمي العربي في 1948 و1967 وحتى 1973… قام الفلسطينيون بالعديد من العمليات الفدائية والانتفاضات منذ إعلان الكفاح المسلح 01 جانفي 1965، غير أن الصهيوني المدعوم من القوى الغربية ظل يطحن الأرض والبشر في فلسطين ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق الدولية الإنسانية، وآخرها حرب الإبادة التي يمارسها في غزة منذ 7 أكتوبر 2024 رغم الأصوات الحرة المنددة بجرائمه في كل أرجاء العالم”.
لم يعلن النظام في تونس عن مشاركة رسمية أو يصدر تصريحا حول القافلة لكنه دعمها من خلال توفير كل السبل الأمنية واللوجستية اللازمة لضمان وصول القافلة دون تعطيل إلى معبر رأس الجدير والمرور إلى ليبيا ومنها إلى مصر. وقد ينتهي المسير هناك في رفح دون الوصول إلى غزة، فحتى لو منحت السلطات المصرية للقافلة التصريح للعبور فإن القوى الإسرائيلية ستكون بالمرصاد، وستمنع قافلة الصمود المغاربية مثلما اعترضت السفينة مادلين، مادلين التي كانت متجهة إلى غزة تضامنا مع أهالي القطاع المحاصرين وغيّرت مسارها؛ ومن قبل منعت أسطول الحرية وأعاقت كل المحاولات الدولية لإغاثة الفلسطينيين.
وقد سعى البعض إلى التقليل من شأن هذه المبادرة مرتكزا على ردة الفعل الإسرائيلية، فيما حرّك آخرون، تونسيون ومصريون، ورقة الإخوان والإسلاميين، لكن لم يجدوا إلاّ السخرية والسخط، فالأمر يتجاوز المعارك السياسية والمصالح الضيقة.. وكتبت الباحثة التونسية ألفة يوسف في تدوينة قائلة: “لا أفهم من ينتقدون قافلة الصمود…عادة انتقاد فعل يكون لضرره، فما هو الضرر الممكن من هذه الهبّة الجماعية من أجل نصرة شعب أعزل… البعض يتحدث عن ضرورة الاهتمام بالقضايا المحلية أولا…هنا النقد يتصل بالأولويات، لكن كل شخص حر في تحديد أولوياته…لاسيما أن الموضوعين لا علاقة لهما ببعضهما بعضا… البعض يتحدث عن عدم جدوى المبادرة، هنا يأتي مفهوم الجدوى”.
وتضيف ألفة يوسف: “الجدوى ليست فقط إجرائية (كسر الحصار فعلا، تحرير الأرض…)، الجدوى قد تكون رمزية أمام العالم، قد تكون نفسية تسعد من يقومون بالفعل وتشعرهم بالانتماء الإنساني، قد تكون حتى قشة يتغطى بها البعض من الاكتئاب وغياب المعنى… أعتقد أننا أصبحنا مولعين بشتم بعضنا بعضا وتقزيم أفعال بعضنا بعضا… مشكلنا الحقيقي مجتمع متناحر منقسم متشظ…وقلوب سوداء مفتقرة إلى طوفان من المحبة والتسامح والتعاطف… نحتاج أيضا قافلة تنشر قيم التعايش والسلام بتونس…”.
حالة الانقسام العربية وتشظي المجتمعات هي ما يقوّي الكيان الصهيوني، ويعطيه الاستمرارية، وهي السياسة التي سعى الإسرائيليون إلى نشرها، وهم يعترفون بذلك، حيث جاء في كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون “: “… إن المشكلة الرئيسية لحكومتنا هي: كيف تضعف عقول الشعب بالانتقاد وكيف تفقدها قوة الإدراك التي تخلق نزعة المعارضة، وكيف تسحر عقول العامة بالكلام الأجوف…”.
يقول الناشط أحمد القلعي لـ”أفريقيا برس”: “يوجّه هذا التراكم النضالي من كل الأقطار، مشرقها ومغربها صفعة مدوية للكيان الصهيوني الذي سعى بقوة السلاح ودموية وسائله إلى عزل المقاومة والادعاء كذبا عليها، هو يعزل نفسه ويفضح حقيقة طبيعته الفاشية النازية أمام شريحة واسعة من مناصريه سابقا فكيف إذن ممن يجعلون القضية الفلسطينية في صلب قيمهم واهتماماتهم”.
ويضيف القلعي: “سيرى العدو الصهيوني أن القضية لن تندثر تحت قنابله ودعايته طالما هناك شباب إذا ما تنادوا لنصرتها قالوا إنا هاهنا، لبيك فلسطين، هم على خطى أجدادهم الذين لبوا نداء فلسطين المنكوبة سنة 1948 عندما هبوا جموعا للفداء وأرجعتهم على أعقابهم أكاذيب الأنظمة العربية الجبانة الخائفة على أركان عروشها المتهاوية”.
ويذهب في ذات السياق خالد كرونة مشدّدا في تصريحاته لـ”أفريقيا برس” على أن “قافلة الصمود وصلت رفح قبل أن تنطلق.. الوسائط الجديدة سمحت لأهلنا في فلسطين أن يروا بكل فخر إخوانهم من تونس والجزائر في انتظار موريتانيين وليبيين يقبلون على هذه الحركة التضامنية الرمزية ذات البعد العالمي بما أن وفودا أخرى من العالم يفترض أن تلتقي هذه القافلة يوم 15 جوان في الجهة المصرية من معبر رفح”.
تأتي المبادرة في إطار تحركات عالمية لآلاف المتضامنين من 32 دولة، في محاولة لإيقاف الحرب الإسرائيلية وكسر الحصار على قطاع غزة وإدخال المساعدات لأكثر من مليوني فلسطيني يموتون جوعا، وفق منظمي القافلة.
اعتاد الإسرائيليون على أنه مع كل عدوان على الكرامة الفلسطينية أقصى ما يمكن أن يقابله من ردّة فعل عربية دعوة إلى قمة عاجلة على المستوى السياسي، وعلى المستوى الإعلامي مجموعة أغنيات وطنية قديمة، وبضع مسيرات منظّمة واحتجاجات شعبية سرعان ما يخفت صوتها.
ولكن غرور إسرائيل التي اعتادت على هذا الصمت العربي الذي شجّعها على التمادي في فرض الحصار على قطاع غزّة، كسرته التحركات الدولية الأخيرة من مقاطعات عالمية وتنديدات دولية، ووصلا إلى قافلة الصمود التي كسرت الحصار وكسرت الصمت العربي وطوّقت الكيان الإسرائيلي بجدار شاهق من الكراهية ستحترق خلف أسواره.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس