لماذا بات اتحاد الشغل على هامش المشهد السياسي في تونس

84
لماذا بات اتحاد الشغل على هامش المشهد السياسي في تونس
لماذا بات اتحاد الشغل على هامش المشهد السياسي في تونس

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أجمعت أوساط سياسية في تونس على أن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، قد بات على هامش المشهد السياسي في البلد، حيث تعددت الأسباب التي قادت إلى تراجع تأثيره، أبرزها ما يعيشه من تصدع داخل بيته الداخلي بسبب مواقفه من السلطة في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021.

وكشف الأمين العام لإتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، خلال إشرافه على إحياء ذكرى أحداث النفيضة، عن “وجود خلافات داخل الاتحاد، وهي ظاهرة صحية تعكس الحيوية والديناميكية صلب المنظمة”.

وأضاف أن “الاتحاد يعيش مخاضا وفترة تأمّل وتفكير.. ماذا نريد من المنظمة في القرن الـ21 في خضم ما يشهده من تطور تكنولوجي وذكاء اصطناعي وتداعيات ذلك على اليد العاملة”، مقرا بارتكاب المنظمة الشغيلة بعض الأخطاء قائلا “أخطأنا وأصبنا وقد آن الأوان للموازنة بين التجربة والطموح وضخّ العقل الشبابي في هياكل الاتحاد”، وفق تعبيره.

وعلى رغم أن الاتحاد كان رقما صعبا بالمشهد التونسي منذ اندلاع ثورة يناير 2011 حيث كان شريكا مع كل القوى السياسية في إدارة المرحلة الانتقالية، وقد لعب دور الوسيط بين الأحزاب والحكومات المتعاقبة لأجل حلحلة الخلافات وتجاوز العثرات فيما بينهم بهدف حماية البلاد من خطر الانزلاق نحو صراع حاد بسبب ما شهدته تلك المرحلة من توترات اجتماعية وسياسية، إلا أن صوت الاتحاد قد خفت في مرحلة ما بعد 25 جويلية بشكل لافت رغم تأييده في البداية لمشروع الرئيس قيس سعيد.

تحركات محدودة

يرى سياسيون أن سبب تراجع دور الاتحاد يعود بالأساس للتغيير السياسي العميق الذي عاشته تونس منذ نجاح الرئيس قيس سعيد في الفوز بانتخابات 2019 بصفته مرشحا من خارج المنظومة التقليدية، ثم إعلانه عن مسار 25 جويلية سنة 2021 الذي رسم فيها حدودا للمنظمات والأجسام الوسيطة وأهمها اتحاد الشغل.

ويعتقد القيادي بحركة الشعب منصف بوزازي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه “لا يمكن أن نعتبر أن هناك تراجعا لدور الإتحاد في المشهد بقدر ما هو تحول وتغيير في الأداء من جهة السلطة ومن جهة الأحزاب والمنظمات بعد انطلاق مسار 25 جويلية”.

ويبين أن “ما يعيشه الاتحاد ليس تراجعا أو انكفاء أو خوف أو ركود، بل يندرج في إطار المراجعة لتموقعه وأداءه، حيث أن كل الأطراف تقوم بتعديل لأوتارها السياسية بعد كل تغيير سياسي وتترقب ما ستؤول إليها الأوضاع”.

وباتت تحركات الاتحاد محدودة في الآونة الأخيرة بعد أن لعب أدوار سياسية مهمة في أزمات سابقة عاشتها البلاد مثل مساهمته في إنجاح الحوار الوطني سنة 2013، كما نجح في توظيف ورقة المطالب الاقتصادية والاجتماعية في الضغط على الحكومات الأمر الذي جعله شريكا أساسيا في تشكيل كل حكومة طيلة العشرية السابقة.

لكن وبالرغم من تأييده لمسار 25 جويلية منذ إعلان الرئيس سعيد عنها، وجد الاتحاد نفسه بعيدا ومقصيا عن المشهد السياسي وباتت تحركاته تقتصر فقط على الدور الاجتماعي والنقابي، الأمر الذي قاد إلى ارتباك واضح في تعاطيه مع مواقف السلطة بين التهدئة معها تارة والتصعيد معها في تارة أخرى.

ويلفت سياسيون إلى أن النهج الفردي والشعبوي الذي اختاره الرئيس سعيد نتج عنه تهميشا لكل الأجسام الوسيطة حيث أراد فرض مشروعه السياسي بشكل أحادي مغلقا باب الحوار في وجه القوى السياسية والنقابية والمدنية.

ويفسر السياسي التونسي مصطفى بن أحمد في حديثه لـ”أفريقيا برس” سبب تراجع دور الاتحاد بأنه “غابت عنه الرؤية الصحيحة خلال لحظة 25 جويلية”.

وعلق “لم يقرأ الإتحاد جيدا موقفه واصطفافه اللا مشروط حينها مع مسار 25 جويلية”.

وتابع “لقد تحرك الاتحاد دون أن يدرك محتوى هذا المسار، هذا الخطأ الكبير الذي ارتكبه حيث منح صكا أبيض لـ 25 جويلية في حين لا يعرف مضمونه الحقيقي، إضافة إلى أن الفكر الشعبوي بصفة عامة هو فكر معاد للحركات المنظمة ومعاد للتعددية ويقوم على الأحادية المطلقة على جميع المستويات”.

تصدع داخلي

على رغم أن الاتحاد لعب دور الوسيط والشريك في الحوار السياسي والاجتماعي خلال العشرية السابقة إلا أنه يحسب على منظومة الحكم في تلك الفترة حيث يحمله طيف واسع من الشارع مسؤولية تردي أوضاعه المعيشية لاستخدامه ورقة الاضطرابات والاحتجاجات للضغط على الحكومات في استرضاء لمنظوريه دون مراعاة لتكلفتها الاقتصادية الباهظة.

وبرأي محللين فإن تراجع دور الاتحاد يعود بالأساس إلى ما ارتكبه من أخطاء في تلك الفترة وقبوله بالدخول في المعركة السياسة لتقوية نفوذه وزيادة مكاسبه متخطيا بذلك دوره النقابي.

ويشير المحلل السياسي باسل الترجمان في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “الاتحاد منذ قبوله المشاركة في حوار وطني سنة 2013 وحصوله على جائزة نوبل للسلام، اختار الشراكة السياسية مع أطراف همها الأساسي تقاسم الحكم وتأبيد الفساد”.

واستدرك “للأسف الشديد قبول الاتحاد أن يكون شريكا في الحكم أغرقه في قضايا فساد كبرى، نحن نتذكر كيف كان له وزراء في كل فريق حكومي، وقد أثر ذلك بشكل كبير على خيارات الاتحاد حيث تحول إلى منظومة بيروقراطية تدافع على مصالحها ومكاسبها، إضافة إلى ما يعيشه من تصدع داخلي”.

ويضيف “لقد انتقل الاتحاد اليوم من موقع العمل النقابي والشراكة النقابية مع الحكومة لأجل تحسين موقع العمال إلى الصراع السياسي مع الحكومة لأنه يعتبر أنه خسر الكثير من مكاسبه السابقة”.

وأردف “كل هذا أثر على واقع وأداء اتحاد الشغل، كما يجب التذكير بأن أمينه العام قد أعلن موقفا سياسيا واضحا ضد الرئيس سعيد في مارس 2023 كاشفا عن اصطفافه ضد مشروعه السياسي، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك تفاعل وحوار بين السلطة والمنظمة الشغيلة”.

وأثار الموقف من مسار 25 جويلية خلافات داخل اتحاد الشغل بين تيار يرى ضرورة تأييد ومساندة السلطة في مواجهة منظومة 24 جويلية، وآخر ينادي بضرورة التصدي لها ومعارضتها باعتبار أنها المسؤولة الأولى عن تحجيم دور الأحزاب والمنظمات الوطنية.

وبعد أن كان يعيش أزمة صامتة، ظهرت صراعات الاتحاد إلى العلن حين كشف الكاتب العام المساعد لاتحاد الشغل بجهة صفاقس محمد عباس مؤخرا، بأن “جهات أخرى بصدد القيام بتحركات للضغط على قيادة اتحاد الشغل وتقديم مؤتمره”.

ويكشف هذا التصعيد ضد قيادة الاتحاد عن وجود تيار داخله غير راض عن أداءه وتوجهاته منذ انطلاق مسار 25 جويلية، الأمر الذي يثير الشكوك حول مدى استمرارية الطبوبي على رأس قيادة المنظمة.

وحسب محللين، فإن هذا التيار سيستخدم ورقة تعديل الفصل 20 من قانون المنظمة، الذي سمح للقيادة الحالية بالتمديد لنفسها، للضغط عليها لأجل التوافق حول مؤتمر عادي للمنظمة في آجال قريبة والتمهيد بذلك لانتخاب قيادة جديدة، وذلك بعد أن فشلت القيادة الحالية في إدارة الأزمة والحفاظ على ثقل ومكانة الاتحاد.

وتعزو آراء أخرى تراجع دور الإتحاد في المشهد السياسي إلى نفور الشارع من الشأن العام وعدم ثقته في أداء ونجاعة الأحزاب والمنظمات في تحسين أوضاعهم المعيشية بعد تبعات مشاركتهم في الحكم وما نجم عنها من تركة ثقيلة اقتصاديا واجتماعيا.

وأوضح المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “الحركات الجماهيرية تشهد حالات مد وجزر، لكنها في السنوات الخمس الأخيرة في حالة جزر فقط، حيث نلاحظ خفوت وتراجع وحالة من حالات السبات الاجتماعي وبالطبع السبات الاجتماعي لا يخدم النقابات”.

وأبرز بالقول “اتحاد الشغل يكون عادة في طليعة القوى الاجتماعية المعارضة والمعدلة، المعارضة للحكم والمعدلة للاحتجاج الاجتماعي، هذا إضافة إلى معطى هام هو أن اتحاد الشغل ساند مسار 25 جويلية وأعلن بصريح العبارة أنه قطع مع منظومة ما قبل 25 جويلية رغم أنه كان جزءا منها”.

وخلص بالقول “الاتحاد وجد نفسه في وضع سياسي مغاير جذريا لأوضاع ما قبل مسار 25 جويلية حين كانت القوى السياسية تلجأ للاتحاد كقوة تحكيمية وتعديلية، هذا الوضع فككته منظومة 25 جويلية.. الاتحاد لم يعد قوة تعديلية أو تحكيمية، بالتالي المشهد قاد إلى تهميش دوره على المستوى السياسي على الأقل”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here