محسن السوداني لـ”أفريقيا برس”: نأمل في تجاوب السلطة لتوحيد التونسيين وإنهاء الاحتقان

65
محسن السوداني: نأمل في تجاوب السلطة لتوحيد التونسيين وإنهاء الاحتقان
محسن السوداني: نأمل في تجاوب السلطة لتوحيد التونسيين وإنهاء الاحتقان

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أبدى محسن السوداني، عضو المكتب التنفيذي بحركة النهضة، في حواره مع “أفريقيا برس” عن أمله في “لمّ السلطة لشمل كل التونسيين وطيّ صفحة الاحتقان خلال المرحلة القادمة، حيث لا مخرج من هذه الأزمة إلا بمصالحة وطنية شاملة، وكلّما تأخرت المصالحة تعمّقت الأزمة وارتفعت الكلفة الاقتصادية والسياسية على البلاد”، وفق تقديره.

وفيما يخص التحولات الجارية بسوريا، أكد السوداني أن “ترحيب الحركة بسقوط النظام هو من باب الانتصار المبدئي لقيم الحرية، وأن تقاطع موقف الحركة مع موقف الإخوان المسلمين لا يعني تطابقا بين الرؤيتين السياسيتين”، لافتا أنه “لا صحة لما يروج عن مسؤولية الحركة في تسفير الشباب إلى بؤر القتال”، وأنه “يستوجب فتح هذا الملف بكل مهنية حتى تنكشف الحقيقة لكل التونسيين”.

ومحسن السوداني هو عضو بالمكتب التنفيذي لحركة النهضة، ونائب سابق بالبرلمان، وأستاذ مبرز بالتعليم الثانوي.

رحبت حركة النهضة بالتغييرات الجارية في سوريا، هل يعكس هذا الترحيب موقف الإخوان المسلمين المعارض للنظام السوري منذ أحداث حماة في 1982؟

الترحيب يكاد يكون إجماعا سياسيا عربيا شاملا بين جل الأحزاب والمنظمات والجمعيات والنخب، ولا يقتصر الأمر على الإسلاميين فقط. فلو كان الأمر كذلك لقلنا أن كل من رحب بسقوط النظام السوري من أحزاب علمانية ويسارية سورية وغير سورية هي أيضا ذات توجهات إخوانية. ولذلك فإنّ تقاطع الموقفين (النهضة والإخوان) لا يعني أن هناك تطابقًا بين الرؤيتين السياسيتين أو أن التقدير السياسي للأوضاع واحد بين الحزبين. ترحيب الحركة بسقوط النظام هو من باب الانتصار المبدئي لقيمة الحرية ولتخلّص السوريين من مستبدّ أذاقهم الويلات طيلة أكثر من نصف قرن.

تشارك إسرائيل وأمريكا وبريطانيا حركة النهضة في الترحيب بسقوط النظام السوري. ما الدوافع والمصالح الغربية التي تقف وراء هذا الموقف من وجهة نظركم؟

الربط الذي ورد في السؤال بين موقف النهضة وهذه الأطراف غير بريء لما ارتبط بهاتين القوتين من جرائم في حق الأمة. ولو كان الأمر على هذا النحو لأصبح ابتهاج كل السوريين الذين تحرروا من الاستبداد خدمةً لمصالح هذه القوى. فبحسب مضمون السؤال سيكون تحرر السوريين أنفسهم ومن ثمة فرحهم بسقوط النظام تحرّكه نفس الدوافع التي تحكم أمريكا وإسرائيل ويلتقي مع نفس مصالحهما. وهو تقدير غير معقول وينطوي على عدم احترام للشعب السوري وتشويه لنضالاته على امتداد أربعة وخمسين عامًا في مقارعة أكبر طغاة العالم.

هل تعتقدون أن الجماعات المسلحة في سوريا قادرة على فتح جبهة ضد “إسرائيل” لتحرير الجولان والدفاع عن فلسطين؟

لا أعتقد أنها قادرة حاليا بسبب ضعف الدولة وما تعرضت له من استهداف منذ طوفان الأقصى والى اليوم. السلطة الجديدة ما زالت في حالة من التخلّق والتشكل. ومن شروط المقاومة أن تكون هناك وحدة داخلية وإجماع وطني على الخيار السياسي وتبعاته العسكرية والأمنية. كما أن المقاومة تحتاج غطاءً سياسيا وإمدادا يؤمن لها ما تحتاجه. وإذا كان النظام السوري لم يُطلق رصاصة واحدة منذ ما يقارب الستين عاما من احتلال الجولان، رغم أنه كان يمسك بكل أدوات القوة ويبسط نفوذه كاملا على البلاد، فكيف بسلطة ما زالت لم تتشكل بعدُ!؟

ألا ترون أن التغيير في سوريا قد يحولها من ديكتاتورية حزب واحد إلى ديكتاتورية جماعات مسلحة، الأمر الذي يهدد النسيج الاجتماعي والقومي السوري؟

الأمر يتوقف على الشعب السوري ووعي النخب والفاعلين فيه من أحزاب ومثقفين وإعلاميين وجمعيات مجتمع مدني. نسيج المجتمع السوري متعدّد وما زال تأثير التدخلات الخارجية قائما، وهناك مناطق تقع تحت سيطرة مجموعات مسلحة. كل هذه العناصر تجعل مهمة الاستقرار والوحدة الوطنية أولوية قصوى. ولا أعتقد أن هذه الاعتبارات والمحاذير تغيب عن السلطة الجديدة. المؤشرات الأولية ايجابية لأننا إلى حد الآن لم نشهد عمليات انتقام أو عنف مثلما يحدث عادة في الثورات بعد سقوط النظام. فدخول دمشق كان دون كلفة تذكر في الأرواح والممتلكات ولم تحدث انفلاتات من أي نوع كان. وكل الأخبار والصور القادمة من هناك تعدّ ايجابية إذا ما استحضرنا منسوب الشحن ومستودع الاحتقان الذي نمّاه النظام السابق بالفظائع التي ارتكبها. فكل المتابعين كانوا يتوقعون أحداثا دامية تتزامن مع سقوط النظام وهروب الرئيس. وهذا لم يحدث. وهو عنصر ايجابي للغاية ويشجع السوريين على الوحدة والمضي قدما نحو مرحلة جديدة.

ما ردكم على الاتهامات الموجهة لحركة النهضة بمسؤوليتها عن تسفير الشباب إلى ساحات القتال في سوريا والعراق؟

هذه تهمة باطلة، مثل كل التهم الأخرى التي وُجّهت إلى حركة. السلطة الآن في تونس بيدها كل مقاليد الأمور. والنهضة خارج الحكم، مقرّاتها مغلقة بقرار ظالم، وقيادتها في السجن، ومع ذلك لم يثبتوا ضدها أي تهمة من تلك التهم. بل أن التقارير الإعلامية وبعض المعطيات التي تأتي من هنا وهناك من سوريا تقول أن الجهات التي تتهم النهضة بالتسفير قد تكون هي نفسها من كانت تنظم تلك العمليات. وبإمكان السلطة التونسية أن تتصل بالجهات المعنية في سوريا للتنسيق في هذا الموضوع بعيدا عن الاتهامات الجزافية وغير المسؤولة.

هل تعتقدون أن عودة المقاتلين من السجون السورية إلى تونس ستفتح الباب أمام المزيد من التضييقات على الحزب وقياداته، أم أنها ستفتح نافذة للتفاوض لاحتواء التداعيات الداخلية للأزمة السورية؟

السؤال يصادر منذ البداية على أن هذه العناصر المفترضة لها صلة بحركة النهضة. وهذا غير صحيح بالمرة. ولذلك فإنني اعتبره سؤالاً اتّهاميّا دون وجه حقّ. نحن نودّ أن يفتح هذا الملف بكل مهنية وتنكشف الحقيقة لكل التونسيين ولا يظل محلّ تداول في الفضاءات الإعلامية التي يغلب عليها عادة البعد الفرجوي وإلقاء التهم في وجه النهضة جزافًا. وعلى كل حال، فإنّه حين يتمّ كشف الحقائق سوف يعلم التونسيون من الذي كان يقاتل في سوريا مع النظام أو ضده.

مع اقتراب ذكرى ثورة يناير 2011، لماذا باتت هذه الذكرى تبدو باهتة بالنسبة للتونسيين؟ هل فقدت الأحزاب مصداقيتها بسبب فشلها في القضاء على منظومة الفساد؟

صحيح، تمر ذكرى أحداث الثورة التونسية بشكل باهت. وهذا يعود إلى عدة عوامل. من بينها ضعف الأحزاب. ولكن أيضا إلى ما تعرضت له الثورة ورموزها وقيمها وشخوصها من إنهاك وترذيل إعلامي على امتداد عشر سنوات حط من قيمتها في وجدان التونسيين. فمن المؤلم أن ثورةً ألهمت العالم وغيّرت المنطقة تؤول إلى هذه الحال. ومع ذلك فإنني متفائل بشأن المستقبل. قد يضعف الأمل وتتراجع جذوة الثورة، لكنها لا تنطفئ البتة. وستظلّ تعتمل حتى تستأنف مسارها وتحقق أهدافها في الحرية والكرامة. الشعب التونسي ذكي جدا. قد ينكفئ على نفسه فيعطي الانطباع بأنه دخل مرحلة القبول والإذعان. ولكنه يفاجئ الجميع بعودة غير متوقعة في التوقيت والشكل.

رغم أن لحركة النهضة أكثر من نصف قرن من النشاط التنظيمي والسياسي، فإنها اليوم تواجه تهديدات لوجودها بعد انسحاب العديد من قياداتها. هل يمكن للحركة استعادة ثقة الجماهير؟

هذا صحيح. الحركة تعيش مرحلة دقيقة بسبب وضعها الداخلي الذي أنهكته الخلافات وفقدت بسببها العديد من الكفاءات. ولكن رغم كل ذلك ما زالت تنبض بالحياة. سَجْنُ قياداتها وغلق مقراتها والتضييق على نشاطها لن يزيدها إلا عزمًا وإصرارًا على البقاء. واستعادة الحاضنة الشعبية مسألة وقت وسياقات. لا ننس أن تاريخ الحركة كله محن. تاريخ سجون وهجرة قسرية وملاحقات أمنية ومراقبة إدارية ومنع من الحقوق المدنية والسياسية. ومع ذلك ظلت الحركة صامدة. ولو تتاح فرصة للتنافس السياسي النزيه والحرّ فسوف تعود النهضة أقوى. وهذا لا يغني عن القيام بمراجعات ونقد ذاتي. وهو ما قمنا به. وننتظر انجاز المؤتمر حتى يكون تتويجا لكل ذلك.

بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، هل هناك بوادر لمصالحة أو فتح قنوات حوار مع نظام الرئيس قيس سعيد؟

نحن أيدينا مفتوحة دائما للحوار. ولم نرفض الحوار مطلقا مع أي طرف في بلادنا. لأن الحوار هو أفضل السبل لحل الأزمات السياسية والأقل كلفة على الجميع. وإنما تظلّ المسؤولية ملقاة بالدرجة الأولى على الرئيس لأنه الماسك بزمام كل شي. بلادنا اليوم تعيش أزمات خانقة على كل المستويات: داخليا هناك ركود اقتصادي، وانحباس سياسي، واحتقان اجتماعي، وغلاء معيشة وتوقف التنمية والتشغيل وتضخّم وانهيار الدينار…، ولا مخرج من هذه الأزمة إلا بمصالحة وطنية شاملة. وكلّما تأخرت المصالحة تعمّقت الأزمة وارتفعت الكلفة الاقتصادية والسياسية على البلاد.

ما هي إستراتيجية حركة النهضة والمعارضة للمرحلة المقبلة؟

بإيجاز، خيارنا هو استعادة المسار الديمقراطي والتنسيق مع الجميع لتحقيق هذه الغاية. فلا حلّ لمشاكل البلاد إلا بالحرية. تجارب الدولة الوطنية في كل البلاد العربية أثبتت ذلك. الاستبداد والانفراد بالرأي لا يبني. بل يراكم النقمة ويقسّم المجتمع ويعمّق الأحقاد. ونحن في غنى عن كل ذلك. تونس بلادنا، جميلة جدا ونمتلك ثروات بشرية وطبيعية ضخمة، وبإمكانها أن تكون أفضل مما هي عليه اليوم. نأمل أن نجد آذانا صاغية وحكيمة لدى السلطة للمّ شمل كل التونسيين وطيّ صفحة الاحتقان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here