محمد الكيلاني لـ”أفريقيا برس”: اليسار التونسي عاجز ولا يملك جرأة المراجعة

77
محمد الكيلاني لـ
محمد الكيلاني لـ"أفريقيا برس": اليسار التونسي عاجز ولا يملك جرأة المراجعة

أفريقيا برس – تونس. قيم محمد الكيلاني رئيس الحزب الاشتراكي في تونس في حوار مع “أفريقيا برس”واقع اليسار التونسي، لافتا أن اليسار لا يملك بعد جرأة القيام بمراجعة حيث مازال حبيس الأيديولوجيا وعاجزا عن الإقرار بفشله وغير قادر على تخطيه وذلك لافتقاده مشروع بالأساس.

وأشار الكيلاني أن ” مسار 25 جويلية زاد من فرقة اليسار التونسي أكثر بل أسس لفرقة جديدة بين مكوناته” حسب وصفه، بسبب الانقسام حول تأييد هذا المسار أو معارضته، مبينا أن الأزمة التي تعصف بالبلد تستوجب وحدة صف المعارضة وخاصة بين الأحزاب الليبرالية واليسارية.

حوار آمنة جبران

شرع الحزب الاشتراكي مؤخرا مع أحزاب أخرى في صياغة برنامج بديل، برأيكم هل ستنجحون في إقناع الشارع التونسي بهذا البرنامج؟

النجاح أو الفشل مرتبط دائما بالمجموعة المتفقة وهو ما سينعكس على عملهم في الميدان، إذا فعلا متفقون على برنامج موحد ويعملون على إبلاغه وتقديمه وتوضيحه بطبيعة الحال سيقبل به الناس لأنهم متعطشون لإيجاد مخرج للأوضاع، فالوضع صعب جدا في حين لا يوجد هناك إمكانية لصياغة حلول أخرى بشكل مباشر، لذلك هو مرتبط بعملنا فيما بعد وطالما مؤسسي هذا البرنامج هم مناضلون من مختلف المشارب ومتحفزون للعمل لأجل برنامجهم الناتج عن حوار مفتوح وتشاركية مطلقة بمختلف المكونات، لذلك لدي أمل هذه المرة أن يكون ذلك بمثابة الفرصة المتاحة لأجل أن نقدم شيئا مفيدا للناس.

كيف تقيم أحزاب اليسار التونسي هل تعتقد أن مسار 25 جويلية عمق انقسامه أكثر بين مؤيد ومعارض؟

اليسار في مختلف مراحله في علاقة بالنضال بصفة عامة وفي علاقة بمعارضته للسلطة لم يملك برنامجا مشتركا حيث أن جميع الأحزاب اليسارية اهتمت بالأهداف الإستراتيجية وتعاملت مع بعضها البعض على أساس ذلك.. إذا لا تؤيدني في قضية ما إذن تنتهي العلاقة فيما بيننا.. وقد نتقابل مع الأعداء مثل حركة النهضة على شاكلة ما حدث قي 18 أكتوبر أو لقاءات أخرى تاريخية ويتكرر الآن المشهد نفسه بعد 25 جويلية حيث أن هناك أحزابا يسارية مؤيدة لـ25 جويلية وأخرى رافضة لهذا المسار، لذلك زادت الفرقة بل تأسست فرقة جديدة في حياة اليسار التونسي، ولم نعد نفكر بأن اليسار موحد أو لا بل هو الآن كما في السابق هو يسارات متعددة لا أكثر ولا أقل، لا جامع بينهم حتى الأدنى الضروري، فقط هي أصوات احتجاجية شعبية ليست أحزابا متوجهة للسلطة إنما هي أحزاب احتجاجية تعبر على مواقف إلى جانب عامة منتصرة لقضايا الشعب حسب فهم كل طرف. لكن في السياسة الفعلية تجد من هو منتصر فعلا إلى قضايا الشعب ومن هو يبحث عن كرسي حتى لو كان مجرد منصب بسيط مثلما نرى اليوم أطرافا من اليسار التي تهلل باسم الرئيس قيس سعيد في حين أن 25 جويلية كان تعديا صارخا على الدستور بتأويل الرئيس للفصل 80 على هواه وبالتالي تجاوز الدستور الذي أقسم على احترامه وصيانته والدفاع عنه، وهو أول من انتهك الدستور ثم ألغاه وعوضه بدستور آخر.

برأيي فإن العمل الذي قام به الرئيس لإزاحة حركة النهضة من الحكم هو عمل قائم على إزاحة الدستور وعلى التعدي على ركن أساسي في الجمهورية وهو القانون الوضعي وسعى إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وقد أنهى برأيي 25 جويلية الانتقال الديمقراطي، وفي حقيقة الأمر معارضة اليسار لا تصح بعد هذا المسار لأنه يؤسس لسلطة استبدادية والى حكم فردي، بالنسبة لي هناك مفاهيم أساسية ليست موجودة في قاموس اليسار اليوم، الديمقراطية في عمقها ليست موجودة.

لماذا اليسار التونسي عاجز عن تجاوز خلافاته، وهل بإمكانه أن يكرس الواقعية بعيدا عن أفيون الأيديولوجيات و يؤسس لخريطة طريقة مشتركة مع الإسلاميين إن كان في المعارضة؟

بالنسبة لي خلافات اليسار وهمية لأنها قائمة على مقولات ونظريات لم يؤسس لها، فهناك طرف يؤيد الماركسية اللينينية وآخر مع الستالينية أو غيرها وهي صراعات وخلافات فكرية ونظرية صارت في وقت آخر مع أطراف أخرى وتم تجاوزها فيما أن اليسار التونسي لم يوضح ارتباطه بهذه النظريات بل لم يؤسس لذاته أي نظرية ولم يبني نظرية ثورية خاصة بتونس حتى يعرف الشعب التونسي ويتعرف على ما يحتاجه وهو ما ينقص النضال في بلدنا حيث يفتقد اليسار لمشروع.

هذه الخلافات الإيديولوجية ماذا تهم تونس أو العالم هذا تاريخ وانتهى..الخلافات من هذا النوع برأيي وهمية، أما في السياسة هي خلافات جدية بين موال أو معارض ضد الديكتاتورية والفساد أو لا، هذه المشاكل الحقيقية سواء في تونس أو بقية الدول العربية.

وبخصوص المراجعة وامكانية التحالف مع الإسلاميين ، في تقديري لا يستطيع اليسار القيام بها لأنه لا يملك الجرأة بعد، هو متشبث بمقولات قديمة وغير مستعد حتى تقييم فشل التجربة الشيوعية والاشتراكية، عاجز لأنه يتعامل مع الماركسية كعقيدة، عاجز حتى على طرح السؤال وسؤال الفشل هو سؤال منطقي، اليسار في تونس عاجز على طرح السؤال..

وبالنسبة لنا كحزب اشتراكي لم نؤسس الحزب إلا بعد أن طرحنا هذا السؤال وعالجناه وقلنا إذا أردنا أن نقدم شيئا لبلدنا علينا إن نضيف روحا جديدة وهي روح العصر للتجربة الاشتراكية وكذلك الماركسية، أما المقولات فهي تتغير لأنها تنشأ حسب الأوضاع لا توجد مقولات قارة هي مقولات علمية حسب الأوضاع وتتغير بحد ذاتها، وقد قيمنا التجربة قبل تكوين الحزب وارتأينا أولا أنه يجب أن نهتم ببلدنا وعلى تفكيرنا أن ينشأ من داخل البلاد وليس من خارجها وهو ما جعلنا نؤسس رؤية خاصة لقضايا بلادنا والعالم بشكل مختلف عن بقية اليسار في تونس دون أن نعادي أي طرف منها، لدينا مفاهيمنا الخاصة ونعمل بطريقتنا الخاصة ونتعامل مع كل القوى حسب عطائها وحسب الموقع الذي تختاره.

هل برأيك التحالف مع حركة النهضة هو سبب تشتت اليسار؟

السبب الرئيسي لهذا التشتت هو أن المعارضة التونسية ليس لها مشروع موحد بديل عن حركة النهضة وبديل عن الشعبوية الموجودة في السلطة وعلى النوفمبرية الجديدة التي تقودها عبير موسي اليوم، ولافتقادها المشروع البديل لتحديد هذه الجمهورية، وهو ما جعل هذه المعارضة مشتتة، وحين تكون المعارضة الديمقراطية والجمهورية دون برنامج من الطبيعي أن تظهر قوة في الصف المعارض مثل جبهة الخلاص التي تترأسها النهضة من شأنها أن تربك القوى المعارضة الأخرى، وبذلك ستظهر الخلافات فيما بينها من يقبل التحالف معها ومن يرفض ذلك، حيث يعتقد البعض أن الصيت الدولي لحركة النهضة يمنح المعارضة الدعم لصد هجوم قيس سعيد لا أكثر وأقل، بمعنى أنهم يرون السياسة من زاوية نفعية ، أما النهضة هي الطرف القوي فيما لم تستطيع الأطراف الأخرى أن تفعل شيئا وهي من تمسكت بالسلطة في حين القوى الأخرى بقيت على الهامش بسبب عدم امتلاكها لمشروع.

وفي ظل انعدام المشروع وفي ظل السياسة النفعية هذا ما يؤدي بالمعارضة إلى هذا التشتت والآن أمامنا في الصف الجمهوري من مازال محايدا وقد طلبنا من بعض القوى أن تشتغل معنا لكن لم نستطيع إقناعهم بذلك، أيضا هناك مجموعة أخرى من اليسار لديها موقف ضد الأحزاب الليبرالية لذلك اليسار بمفرده لا يستطيع أن يقوم بشيء ، في حين أن الضرورة تقتضي أن يتوحد هذين الجناحين حول مشروع مشترك فهو المخرج الذي يساعد البلاد في أزمتها.

لماذا لم يتجاوز اليسار الأيديولوجيات في التعاطي مع أزمات البلاد؟

المشكل ليس في الأيديولوجيا فكل العالم قائم عليها، فالنيوليبرالية هي أيديولوجيا أيضا إلى جانب كونها قائمة على تصور اقتصادي واجتماعي ، لكن حين تجعل الأيديولوجيا كعقيدة بمثابة الدين هنا الأزمة، فالتعامد الديني مع الأيديولوجيا الماركسية اللينينية والشيوعية العلمية وتحويلها إلى عقائد مثل الدين وكل من يخرج عنها بمثابة مارق أو عدو هنا المشكل الحقيقي أي الدغمائية في التفكير والدغمائية في العقائد مع المقولات والنظريات الماركسية، لذلك مازال اليسار التونسي عاجز وحين أقول يسار يعني يسارات هم عاجزون على مراجعة هذا الموقف لأن وجودهم في حد ذاته قائم على هذا التبني العقائدي، فهم متوجسون أنه حين يقع التفريط فيه يجدون أنفسهم دون جمهور هذا هو الإشكال.

وأعتقد أيضا أن وضع الحركة الديمقراطية والجمهورية في تونس هو نفس وضع اليسار لأن الجمهوريين والديمقراطيين لم يكافحوا فعلا لأجل البناء الجمهوري ومن قام ببناء الجمهورية الحديثة هو بورقيبة، هو أب الدولة الحديثة في تونس وبالتالي من بناها هو الحزب الدستوري طبقا لتصوره وهو تصور أقرب منه لكمال أتاتورك حيث الدولة قائمة على ديكتاتور، وحين انتهت تجربة بورقيبة، واصل بن علي نفس الطريق بنفس الاستبداد والتحكمية، ولم تجرأ هذه القوى على التأسيس لفكر ليبرالي في تونس، لذلك حين جاءت لحظة 14 جانفي/ يناير 2011 وجدت نفسها أمام إعادة تأسيس دولة وإعادة بناء جمهورية وتحقيق انتقال ديمقراطي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية بيد فارعة وأخرى لا شيء فيها زد على ذلك كانت غير منظمة، ولم تكن غير القوى الإسلامية من تمتلك مشروعا حيث تشكلت قوى منظمة مثل حركة النهضة وحزب التحرير الإسلامي وغيرها من التيارات الإسلامية وهي من كانت تملك مشروعا.

هل ترى أن حياد الرئيس سعيد عن أي ايديولوجيا هو سبب نجاح مشروعه سياسيا وشعبيا في حين أن الأحزاب لم تعد لها القدرة على إقناع الشارع؟

برأيي قيس سعيد هو صاحب أيديولوجيا شخص محافظ وقد رأينا في الانتخابات الرئاسية كيف اتفق مع النهضة على مشروع مشترك وسانده راشد الغنوشي حينها الذي ضحى بعبد الفتاح مورو لفائدة سعيد فهو صاحب انتماءات أيديولوجية، من زاوية القناعات هو غير منتمي حزبيا لكن الأفكار ليس لها حدود، الأيديولوجيا هي قاسم مشترك بين الناس الذين يتبنون مقولات موحدة لأن سعيد وضع في الدستور أن المهمة الرئيسية للدولة هي الدفاع على مقاصد الإسلام والتي عجزت النهضة على وضعها في دستور 2014 كما تضمنها الاستفتاء.

وأرى أيضا أن قيس سعيد يسير بنا الآن نحو سياسة الأمر الواقع وفرض ذلك على الشعب التونسي والرأي العام وجعل الدستور الذي سنه الطريقة والوسيلة التي ينظم بها الدولة ، لذلك نستطيع القول أنه صاحب أيديولوجيا عميقة والخطوة التي قام بها في الدستور هي تأسيس للدولة الدينية حسب تقديري، ثم سيفرض ما يريد مستندا للمرسوم 54 فهو ينفذ في مشروعه بثبات، حيث يتبع سياسة خطوة بخطوة أو الخطوات الصغيرة.

هل باتت المعارضة التونسية ضعيفة اليوم خاصة بعد حملة الاعتقالات الأخيرة؟

لا أعتقد ذلك، المعارضة فقط قامت بتغيير في تكتيكاتها حيث استنتجت أن الخطر داهم على الجميع، حيث أي فرد معارض ستلتصق به تهمة التآمر على أمن الدولة والتحريض والإرهاب ضمن المرسوم 54 من الدستور وهو مرسوم كارثي مثل ما حدث مع راشد الغنوشي الذي وقع إيقافه على أساس تصريح في مسامرة قال فيه أن البلاد مهددة بحرب أهلية ولا يمكن الاستغناء عن اليسار أو الإسلاميين، هذا يسمى رأيا وتحليلا لكن وقع تأويله استنادا للمرسوم54 بطريقة أخرى واعتبر تصريحه تحريضا ضد الدولة، واعتبر ذلك قمة من الهوس في التأويل القانوني فالغنوشي الذي يتحمل مسؤولية عشرية كاملة من السياسات والخيارات على جميع الأصعدة بدل محاسبته عليها، وقع محاسبته على تصريح الذي سيحوله بذلك إلى بطل ورمز للدفاع على الديمقراطية كأن هذه السياسة هي تبيض للنهضة التي ارتكبت أضرارا جسيمة بحق الجمهورية والخطأ كان كليا وهو ما سيجر بالبلاد نحو مطبات خطيرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here