آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد السياسي التونسي والوزير السابق محمد عبو في حواره مع “أفريقيا برس” أن “كل ما يقع الترويج له بأن تونس ساهمت في تأجيج الأزمة السورية أعقاب استضافتها لمؤتمر أصدقاء سوريا سنة 2012، بموافقتها على تسليح المعارضة السورية غير صحيح، وعلى العكس من ذلك فقد عارض الرئيس منصف المرزوقي آنذاك هذه الخطوة، وهو ما أغضب الولايات المتحدة الأمريكية”.
ورأى أنه “على السوريين في خضم المرحلة الجديدة التي يشهدها تاريخهم السياسي، الانتباه لأي تلاعب من دول أخرى قد يتم عبر اختراق فاعلين سوريين، وأن يبحثوا عن حلول عقلانية وتوافقية في علاقات كل الأطراف فيما بينها”، كما “لا يمكن تجاهل مفارقة أن تكون القيادة التي فرضت نفسها حاليا قد ارتبطت بالإرهاب والتطرف للفكري”، متوقعا إجهاض العدالة الانتقالية إن تولتها هيئة سورية كما حصل في تونس، وذلك لكثرة المتورطين ولكثير من التعقيدات”.
ومحمد عبو هو محامي وسياسي تونسي، وقد شغل منصب وزير لدى رئيس الحكومة التونسية مكلف بالإصلاح الإداري في حكومة حمادي الجبالي بعد الثورة التونسية بين ديسمبر 2011 ويونيو 2012، كما شغل منصب وزير دولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد في حكومة إلياس الفخفاخ بين فبراير 2020 ويوليو 2020، وهو مؤسس حزب التيار الديمقراطي وأمينه العام، وقد اختار الاستقالة عن الحزب في ديسمبر 2020.
نفيت في آخر تصريحات لك أن تونس قد ساهمت في الأزمة السورية من خلال تنظيمها مؤتمر أصدقاء سوريا، هل وقعت مغالطات في هذا الملف للرأي العام؟
نشر البعض في إطار المناكفات السياسية الداخلية خبرا مفاده أن تونس ساهمت في الأزمة السورية بعقدها لمؤتمر أصدقاء سوريا في شهر فيفري 2012، وصدقهم الكثيرون، واعتقدوا طيلة سنوات أن هذا المؤتمر ساهم في تحويل تحركات سلمية إلى حرب أهلية وإرهاب، وأن الغاية هي تقسيم سوريا، وبقية سيناريوهات نظرية المؤامرة المعروفة في بلادنا كما في العالم العربي.
ذكرت أيضا أن موقف تونس كان ثابتا من خلال عدم تسليح المعارضة، وأن هذا الموقف أثر على علاقة تونس بالولايات المتحدة آنذاك؟
موقف الولايات المتحدة وقتها كان تسليح المعارضة، وهذا ما عارضه الرئيس منصف المرزوقي، وكذلك ممثلو دول أخرى، وهذا حسبما ذكرتُ، أغضب وزيرة الخارجية الأمريكية، لكنه لم يؤثر في العلاقة مع الولايات المتحدة التي قدمت مساعدات لتونس بعد ثورتها وضمنت قروضها لمدة بما مكن من الاقتراض بنسب فائدة ضعيفة، بالإضافة إلى تعاونها الأمني مع تونس.
وعلى كل مازال هناك كثير من الوقت للحديث عن صحة هذا الموقف أو ذاك من مسألة تسليح المعارضة، وعن حق الشعب السوري وقتها أو أي شعب كان في المستقبل، في التصدي غير السلمي لنظام مستبد وتحديد درجة الانتهاكات التي تبرر ذلك.
كيف يمكن أن ينجح التغيير في سوريا وهي مهددة بالفوضى كما باتت مساحة للحروب بالوكالة، وفي مرمى الاستهداف الإسرائيلي؟
كل الثورات في التاريخ وجدت عراقيل داخلية وخارجية. هذا أمر حتمي، وأتمنى لإخوتنا السوريين، وقد قدموا في ثورتهم ثمنا باهظا، أن ينتبهوا لأي تلاعب من دول أخرى قد يتم عبر اختراق فاعلين سوريين، وأن يبحثوا عن حلول عقلانية وتوافقية في علاقات كل الأطراف فيما بينها، ولا يمكن هنا تجاهل مفارقة أن تكون القيادة التي فرضت نفسها حاليا والتي ظهرت في التحرير، قد ارتبطت بالإرهاب والتطرف للفكري، ويصعب إن تركت لها الكلمة العليا أن تقود سوريا الجديدة نحو الحرية ونحو دولة قانون واحترام لحقوق الإنسان والمساواة بين كل السوريين بقطع النظر عن انتماءاتهم السياسية والعرقية.
أرجو أن تتغلب روح الوفاق والعقلانية لدى جميع القوى السورية، وخاصة أن تتوفر الإنسانية لدى الجميع، سيكون من الإجرام أن يدفع أي طرف ولأي سبب سياسي أو طموح شخصي لصراع جديد في سوريا. السوريون عاشوا مأساة لا مثيل لها، وعلى المجتمع الدولي أيضا أن يساعد أساسا في موضوع إعادة الإعمار وفي الدفع في اتجاه محاكمات دولية لرموز الانتهاكات الجسيمة في حق الشعب السوري، ولتصفية تركة الماضي الثقيلة التي تستوجب عدالة لا يوجد قضاء في سوريا حاليا يمكنه إقامتها، ويصعب أن تنجح فيها هيئة وطنية للعدالة الانتقالية وكشف الحقيقة، غالبا سيتم إجهاضها كما تم في تونس لكثرة الفاعلين والمورطين ولكثير من التعقيدات.
كيف تنظر الدولة التونسية للتغيرات التي حدثت في سوريا، كيف ستتعامل الدبلوماسية التونسية مع هذه التحولات وقد عرف عن الرئيس قيس سعيد دعمه للنظام السوري؟
الدولة التونسية سابقا حاولت دعم حق الشعب السوري في نظام ديمقراطي، فاحتضنت أول مؤتمر لأصدقاء سوريا تم ببلادنا سنة 2012، ودفعت في اتجاه اعتبار المؤتمر الوطني السوري ممثلا للشعب السوري، وبادرت بغلق سفارتنا في سوريا وسفارة نظام بشار في تونس، كعملية رمزية تعكس عدم الاعتراف بنظام قتّل شعبه وانتهك حقوقه بما شكّل جرائم ضد الإنسانية، بما لا يعقل معه الاعتراف بشرعيته على المستوى الدولي.
طبعا هناك خطاب معارض لهذا لدى جزء من التونسيين، منهم الرئيس الحالي الذي اعترف بنظام بشار، وعلى كل حال سفارة تونس في دمشق تعمل الآن، وأصدرت وزارة الخارجية بيانا بعد هروب بشار الأسد يدعم الشعب السوري، أردفته ببيان ثان للتنديد بالاعتداء الصهيوني على الأراضي السورية وببعض الاتصالات الدولية في هذا الصدد.
في نهاية الأمر مهما كان توجه هذا النظام العربي أو ذاك، دعم الشعب السوري في بناء مؤسساته ومداواة جراحه وإعمار بلاده، هو واجب على كل الدول العربية، الإخلال به من أي حكومة عربية سيكون أمرا غير شعبي ومستفزا لشعبها.
كيف يمكن أن يؤثر إطلاق سراح آلاف المقاتلين من الجماعات المسلحة على الأمن والاستقرار في تونس؟
هناك معلومات متفرقة ومتناقضة، لا نعرف إن كان عددهم، أو عدد من بقي منهم حيا، بالآلاف أو المئات، ربما لأجهزة الأمن في تونس معلومات أكثر دقة، وعلى كل حال من ثبت عليه انضماما لتنظيمات إرهابية أو إجراما تحت راية هذه التنظيمات في سوريا، فيجب أن يطبق عليه القانون، وأن يخضع لمحاكمة عند عودته طوعا أو تسليمه.
ما هي التدابير التي يمكن أن تتخذها تونس لتقليل التهديدات الناشئة عن وصول الجماعات المسلحة للحكم في سوريا؟
أرى أن الأولوية اليوم للتخوف على أشقائنا في سوريا من أي اضطرابات أو تمركز في الحكم من قبل، من لا يؤمن بالحرية والاختلاف، وكذلك من أي صراع عنيف بين السوريين، وفي هذا لا نملك غير الجانب الدبلوماسي.
حسب تقديرك، هل ستتواصل تونس رسميا مع الجماعات المسلحة التي سيطرت على الحكم في سوريا، أم ستعلن موقفها الرسمي بعد مزيد من التنسيق والتشاور مع دول الجوار؟
في رأيي، الشعب السوري فرح بتحريره ويعيش حاليا مرحلة احتفال هو في أمس الحاجة إليها بعد أهوال عاشها، ولسوريا سياسيون وحقوقيون ومفكرون وشعب يتوق للعيش بكرامة ولنسيان مصابه.
دور تونس في علاقة بسوريا من المفروض أن يمارس في إطار جامعة الدول العربية وفي علاقاتها الثنائية مع الدول المؤثرة في الغرب ومع تركيا، المهم أن تدفع تونس في اتجاه دعم ما يقرره الشعب السوري، وقبل ذلك في اتجاه أن تكون للشعب السوري حرية إبداء رأيه بكل حرية ودون خوف من أي طرف.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس