أفريقيا برس – تونس. أبدت أوساط إعلامية وصحافية في تونس مخاوفها من تحول الإعلام الرسمي إلى واجهة للترويج للسلطة، وذلك اثر تعيينات جديدة فتحت باب الجدل بشأن حيادية الإعلام الرسمي من جديد.
وتباينت الآراء إثر تعيين الصحافي في التلفزيون الرسمي التونسي ناجح الميساوي رئيسا مديرا عاما لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية، بين من أثنى على التعيين لما يحظى به الميساوي من كفاءة مهنية، وبين من اعتبره كثيرون محاولة من السلطة للسيطرة على الإعلام باختيارها شخصيات إعلامية مشكوك في حيادها، خاصة وأن الميساوي مصنفا من المحسوبين على المنظومة الإعلامية السابقة التي عملت على تلميع صورة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
والميساوي (51 عاما) صحافي بمؤسسة التلفزة التونسية وحاصل على رتبة كبير المخبرين بتلك المؤسسة منذ يناير الماضي، وهو متحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الحقوق بتونس وعلى الأستاذية في الصحافة وعلوم الأخبار.
لكن تعيينه لم يكن محل ترحيب نقابة الصحافيين التي أبدت رفضها من اعتبرتهم “رموز منظومة الدعاية النوفمبرية وفقا لإعلام الرأي الواحد الموجّه”، بهدف “السيطرة على مؤسّسات الإعلام العمومي ووضع مشهد إعلامي يقوم على البروباغندا على حساب الموضوعية والمهنية”.
وقالت النقابة في بيانها “أجرت السلطة تعيينات لوجوه معروفة بانتمائها إلى منظومة البروباغندا النوفمبرية (نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي) على رأس مؤسسات الإعلام العمومي (وكالة تونس أفريقيا للأنباء والإذاعة التونسية والتلفزة التونسية)، مقابل إقصاء ممنهج ومتعمد للكفاءات الصحافية المستقلة والمهنية وتجميدها”.
واستنكرت الخطاب المتناقض للسلطة التي تتحدّث من جهة عن الثورية والمحاسبة ونظافة اليد وفي نفس الوقت تستعين بمن مارس التعتيم وساهم في حرمان الشعب التونسي من حقه في الإعلام قبل الثورة، وتكافئه بالمناصب الهامة في المؤسسات الإعلامية.
وأشارت نقابة الصحافيين إلى أنّ التغيير الحقيقي في المؤسّسات الإعلامية لا يجب أن يقتصر على التعيينات، بل يجب أن يتجاوز ذلك نحو إصلاح تنظيمي شامل لتخليصها من الإرث القديم الذي يعيق تطويرها وأداءها لمهامها، ووفق حوكمة تستجيب لمعايير الديمقراطية.
ودعت نقابة الصحافيين في بيانها رئاسة الجمهورية إلى إطلاق نقاش عام حقيقي حول مستقبل قطاع الإعلام لوضع سياسات عمومية شاملة تعالج بشكل جدّي كلّ مشكلات الإعلام الحالية، حتى تتمكن المهنة بشكل خاص والقطاع بشكل عام من المساهمة في تطوير المجتمع.
ويأتي الجدل الدائر حول التعيينات الجديدة على رأس الإعلام الرسمي وسط تزايد القلق من التضييق على الإعلام وقمع الآراء المخالفة للسلطة خاصة اثر حملة اعتقالات واسعة استهدفت معارضين من بينها صحافيين، في خطوة اعتبرتها الأوساط الصحافية والمدنية استهداف صارخ لحرية التعبير وضمن سياسة تكميم التي تمارسها السلطة.
الصوت الواحد
لطالما توجهت الأنظار إلى الشخصية التي ستتولى إدارة وكالة الأنباء الرسمية في تونس والتي كانت قبل ثورة يناير ذراعا للدعاية لنظام بن علي، فيما حاولت بعد الثورة استرجاع مصداقيتها وتقديم تغطية موضوعية ومتوازنة مستفيدة من مناخ الحرية الواسع في البلاد.
وسبق أن أبدى صحافيون رفضهم لتعيين كمال بن يونس عام 2021 لاتهامه للولاء لحركة النهضة وخدمة أهدافها في الحكم آنذاك.
وعادت المخاوف من سيطرة السلطة على الإعلام الرسمي منذ تطبيق الرئيس سعيد إجراءات استثنائية في 25 جويلية 2021 واختياره نهجا فرديا اقصائيا لا يراعي فيه لملف الحريات والحقوق وحرية التعبير الذي يعد أحد أبرز أسباب الثورة ضد نظام بن علي.
ويرى محللون ومتابعون أن التعيينات الجديدة تأتي تحت إطار سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها الرئاسة حيث تعمل على فرض أجنداتها على الشارع من خلال إحكام قبضتها على الإعلام الرسمي والمضي في تضييق الخناق على المعارضين حيث لا صوت يعلو غير صوت الرئاسة التي تريد بسط مشروعها متحدية الانتقادات التي تطالها محليا ودوليا.

ويشير الصحفي والمحلل السياسي وسام حمدي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه” لا يمكن تصنيف التعيينات الأخيرة في مؤسسات الإعلام العمومي خارج سياق توجه السلطة الحالية إلى مزيد تكريس وتغليب نظرية الصوت الواحد والرأي الواحد وهذا ما ظهر فعلا في الأشهر الأخيرة خاصة في التلفزيون الرسمي الذي لا يستضيف أي أصوات معارضة للرئيس قيس سعيد”.
وحسب تقديره “لا يمكن طرح هذا الملف دون التأكيد على أن التعيينات الأخيرة خاصة في وكالة تونس إفريقيا للأنباء أو الإذاعة الوطنية قد أسقطت بشكل واضح القناع الثوري الذي كانت ترتديه السلطة الحالية وعلى رأسها قيس سعيد حيث تنحدر التسميات الأخيرة من نظام بن علي أو ما يعرف بالوجوه النوفمبرية التي ساهمت في جعل الإعلام مجرّد بوق دعاية طيلة حقبة كاملة حكم فيها بن علي”.
ويعتقد حمدي أن “مثل هذه التعيينات ليست بداية الزيغ بالإعلام عن دوره الوطني الحقيقي بل هي نهاية لعدة محاولات وضغوط مورست على الصحفيين طيلة سنتين توّجت بإبعاد وإقصاء بعض الصحافيين المهنيين والمشهود لهم بالكفاءة وتعويضهم بإعلاميين مشهود لهم فقط بتنفيذ التعليمات و خير دليل على ذلك إبعاد الصحفية جيهان علوان عن أهم برنامج سياسي في الإذاعة الوطنية بتهمة استضافة المعارضين. ”
واستنتج حمدي إلى أن “السلطة الحالية تراهن مجدّدا على أسماء ساهمت في تدجين الإعلام وجعله غير مهني ومنحاز لمن يحكم لأنها تدرك جيّدا أن توجيه الرأي العام لا يكون إلا عبر وسائل الإعلام وذلك في إعادة مفضوحة لممارسات نظام بن علي القمعي والسالب للحريات والمروج فقط لأفكار وأطروحات رأس السلطة. ”
إعلام ضعيف
على عكس الأصوات المنددة بالتعيينات الجديدة، تلفت آراء أخرى إلى أن الإعلام الرسمي في تونس يعاني من عديد المشكلات حيث أن أدائه مرتبكا وضعيفا إضافة لما ينقصه من إمكانيات منذ اندلاع ثورة يناير، لذلك تجد مبررا في الاستعانة بكفاءات محسوبة على النظام السابق، وذلك لامتلاكها الخبرة والمهنية للازمة.
وبرأي هؤلاء، عوض التركيز على القطيعة بين الإعلام والرئاسة، يستلزم على المشرفين على القطاع إصلاحه ومعالجة هناته، حيث يواجه الإعلام الرسمي الكثير من التحديات وعلى رأسها الإبقاء على الحياد والموضوعية في ظل ما يواجهه من ضغوط سياسية.
وسبق أن دعت هياكل مشرفة على قطاع الإعلام في تونس، مثل نقابة الصحافيين والهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري “الهايكا”، إلى ضرورة تنظيم مؤتمر وطني حول الإعلام في البلاد، من أجل إرساء مفهوم للإعلام العمومي ووضع مخططات إصلاحية للقطاع، فضلا عن سنّ إطار قانوني ومؤسساتي جديد لبناء إعلام هادف يحترم أخلاقيات المهنة.

ويلفت الصحفي التونسي خالد الهدوي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه“ لا بد من النظر لمسألة التعيينات في الإعلام العمومي بشيء من الروية والتمحص، ذلك أنه من السابق لأوانه تقييم مستوى عمل معين أو مردود وظيفي قبل خوض التجربة حتى وإن كان الشخص يتوفر على قدر من الكفاءة والخبرة والإلمام بكل جوانب العمل. وجب الفصل بطريقة موضوعية في مثل هذه المسائل بين الجانب المهني والوظيفي والميولات الشخصية والفكرية والعلائقية ورصد التطورات الحاصلة في مستوى المردودية وطرق العمل وآلياته.“
وخلص بالقول“ ما زلنا في تونس لا نفرق بين الخبرة والتخصص في الميدان من جهة، فترانا نسارع للانسياق في أحكام مسبقة تقتصر على أمور سطحية وهوامش جانبية دون الخوض في عمق المفاهيم وجوهرها“.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس