آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. تؤرّق ظاهرة الهجرة غير النظامية السلطات التونسية، في ظل استمرار تدفق المهاجرين قبالة سواحلها، فيما تواجه تونس ضغوطًا أوروبية لفرض مزيد من الرقابة على شواطئها ومنع قوارب الهجرة من مغادرتها.
واعتبر مسعود الرمضاني، الناشط الحقوقي، في حواره مع “أفريقيا برس”، أن “المقاربة الأمنية أثبتت فشلها في حل مشكلة الهجرة، حيث انحازت السلطة إلى مواقف اليمين المتشدد الأوروبي”. وبرأيه، يكمن الحل في “التوجه نحو مقاربة وطنية، بعيدًا عن الخطابات العنصرية والإملاءات الأوروبية، مع محاولة احتواء الظاهرة من خلال فتح المجال لتعاون أنجع وأشمل مع البلدان الأوروبية”.
وأضاف أن “الخطاب الرسمي لم يتغير منذ سنة 2021، حيث لا تزال الدولة الاجتماعية مجرد شعار، ولم يلمس المواطن أثرها في واقعه المعيشي”، داعيًا إلى “ضرورة انتباه السلطة لظاهرة الانتحار في صفوف الشباب، التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، كتعبير عن اليأس والإحباط”. كما بيّن أن “الشارع التونسي جرّب كل الحلول: الثورة، الاحتجاج، وحتى الانتحار للفت الانتباه إلى مشاكله، لكن دون جدوى”، وفق تعبيره.
ويُذكر أن مسعود الرمضاني هو ناشط حقوقي تونسي، وعضو اللجنة التنفيذية الأورومتوسطية للحقوق، والرئيس السابق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ما هو تقييمك لأولى جلسات ما يعرف بقضية التآمر على أمن دولة وسط تواصل الدعوات بضرورة توفير الشروط العادلة في مثل هذه المحاكمات؟
الجانب الإيجابي في القضية أن الرأي العام الداخلي اكتشف أن القضية لا تحتوي على أية أدلة إدانة، وأن السياسيين هم أبعد ما يكون على عقلية التآمر والعنف وتغيير أجهزة الدولة بالعنف، وأن كل ما قاموا به هو استعمال حقهم الطبيعي والقانوني في العمل السياسي ونقد توجهات السلطة وممارساتها، وهو حق جاءت به ثورة الحرية والكرامة، وتضمنه كل المواثيق الدولية التي تحترم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، كما أن هناك وعي بدأ يتبلور، من خلال حضور المحاكمة أو من خلال (بعض) الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي بضرورة إنهاء هذه المظلمة.
أما الجانب السلبي، فهو ما أثاره قرار ختم البحث من ردود خارجية، عبر الصحافة العالمية، وكأن تونس التي كانت منارة للثورة في المنطقة العربية أصبحت عدالتها تثير التهكم والسخرية والنقد اللاذع، وهذا يحزّ في نفس كل إنسان يشعر بالانتماء إلى هذا الوطن، وهناك أيضا، أمر آخر: يبدو أن السلطة، رغم كل المعاناة التي يعيشها المساجين السياسيين ومساجين الرأي وعائلاتهم، ورغم ما أثارته المحاكمات من سخرية أحيانا وسخط أحيانا أخرى، ظلت على نفس النهج، مصممة على المواصلة في نفس الطريق دون تراجع.
هناك أوساط سياسية تحدثت عن إمكانية تعرض تونس لعقوبات في حال واصلت التصعيد في الملف الحقوقي، هل تتوقع صحة هذه الفرضية، وهل حان الوقت حتى تراجع السلطة سياستها في هذا الملف تجنبا لمزيد من الانتقادات الداخلية والخارجية؟
في خصوص العقوبات الدولية حول الملف الحقوقي، لا أتوقع الكثير حول هذا الملف، فالعالم اليوم تحكمه الحمى الشعبوية التي تريد ضرب كل المؤسسات الديمقراطية، بما فيها السلطات المضادة، ولك أن ترى ذلك في أعرق الديمقراطيات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أين يحاول ترامب ضرب كل المؤسسات، نحن نعيش فترة حقوقية صعبة، والصراحة بالنسبة لي، فإنني لا أثق كثيرا في الرأي العام الخارجي وخاصة في الدول التي تحكمها عادة المصالح، وليس القيم، بل أهتم أكثر بما يراه الشعب التونسي ونخبه السياسية والحقوقية، ومدى وعيها السياسي والأخلاقي، أيضا أؤمن، أولا بضرورة الدفاع عن المكاسب الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية التي نادى بها الشباب الثائر في ديسمبر 2010 وجانفي 2011، وثانيا بالقبول بالتعايش والحوار، ذلك المحرك الأساسي للوعي، ولإعادة الأمور إلى نصابها.
ما هو تقييمك لأداء الرئيس التونسي في ولايته الثانية، وهل بوسعه الالتزام بتطبيق شعار الدولة الاجتماعية الذي يتبناه؟
الدولة الاجتماعية، هي ليست شعارا انتخابيا، بل إجراءات ملموسة، لا يراها المواطن العادي الذي يلهث وراء فقدان العديد من المواد الأساسية وغلاء الأسعار وتصاعد التضخم والفوارق الاجتماعية، العدالة الاجتماعية تتحقق بتشريك الكفاءات الاقتصادية، وبكسب ثقة المستثمرين وإشراك رجال الأعمال وإعطاء القضاء المساحة التي يستحقها من المصداقية لتكريس الشفافية في الأعمال، ونشر الطمأنينة والثقة في المستقبل لدى المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتوفير الشغل، أعتقد أن الخطاب الرسمي لازال يراوح مكانه منذ 2021: الحديث عن لوبيات الفساد والمؤامرات والغرف المظلمة، وهو خطاب لم يعد له كثيرا من المصداقية، إضافة إلى أنه يرهب كل من تحدثه نفسه حول إرساء مشاريع أو القيام بمبادرات اقتصادية.
فيما يخص ملف المهاجرين الأفارقة في تونس، هل تعتقد أن إدارة هذا الملف تحتاج إلى الواقعية وليس إلى الشعبوية خاصة في ظل تشدد أوروبي ضد تدفق موجات اللاجئين؟
المشكل الأساسي في قضية الهجرة، أننا انحزنا إلى موقف اليمين الأوروبي الذي يعتبر أن معالجة الهجرة غير النظامية ترتكز على المقاربة الأمنية فقط وبذلك أصبحنا، رغم تكرار الحديث عن السيادة، بين مطرقة تزايد تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء وبين سنديان بلدان أوروبية تضغط علينا من أجل حراسة حدودها، مع أن الحل الأمني أثبت فشله، لأنه ببساطة لم يحد من الهجرة غير النظامية لأسباب يدركها الجميع، وهو ما تعانيه جل البلدان الأفريقية من مشاكل سياسية وحروب أهلية وقمع ومشاكل بيئية، لذلك يكمن الحل، حسب رائي المتواضع، في مقاربة أخرى، تضمن الاستقرار في البلدان الأفريقية، وترى في الهجرة إضافة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وتونس بالأخص مدعوة إلى مقاربة وطنية ترى مصالحنا الخاصة، بعيدا عما تفرضه أوروبا، وتبتعد عن الخطابات العنصرية، وتفسح مجال تعاون أنجع وأشمل مع البلدان الأفريقية.
ما هو تفسيرك لظاهرة انتشار ظاهرة الانتحار حرقا في تونس كتعبير عن سوء الأوضاع الاجتماعية؟
في خصوص ظاهرة الانتحار، هي ظاهرة أصبحت ملفتة ولكنها لم تثر كثيرا من الاهتمام من قبل السلطة، وهذا مؤسف، ولك أن ترى أن أغلب من ينتحرون هم من الشبان، شبان وشابات في مقتبل العمر، كان يمكن أن يكونوا عناصر إنتاج مهمة، وصل بهم اليأس إلى البحث عن “حلول” فردية للاحتجاج بأجسادهم وأرواحهم، لأن كل الحلول الأخرى لم تلفت الانتباه، ولم تعط فسحة أمل، لا الدولة أعطت الأمل، ولا المعارضة كانت قادرة على إعطاء بدائل سياسية واقعية، ولا المجتمع المدني كان قادرا على احتضان الشباب.
هل تعتقد أن الشباب التونسي فقد الثقة في المستقبل وتعرض لخيبة أمل بسبب مماطلة الحكومات المتعاقبة في الإيفاء بوعودها وفي ظل التهاء نخب البلاد بالمعارك السياسية؟
يكفي أن ترى جحافل الهجرات النظامية التونسية وتصاعد أعداد هجرة الأدمغة، من أطباء ومهندسين وممرضين وغيرهم والهجرة غير النظامية التي عرفت في السنين الأخيرة توجها جديدا، إذ أصبحت عائلات بأكملها تركب قوارب الموت، لتتأكد من أن ليس الشباب وحدهم من فقد الأمل ـ بل حتى الكهول والشيوخ والأطفال، وهذا منطقي إلى حد ما، لقد جرّب الشعب كل الحلول: الثورة والاحتجاج وحتى الانتحار للفت الانتباه لمشاغله لكن دون جدوى، لذا لم يبق له إلا الفرار بجلده من بلد لا يدرك قيمته كإنسان وكمواطن وكطاقة إنتاجية مهمة تساهم في تقدم البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس