آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أكد مصطفى عبد الكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “عودة المقاتلين والمتشددين من سوريا أعقاب سقوط النظام إلى تونس، بمثابة القنبلة الموقوتة التي تهدد أمن البلاد”، مشيرا إلى “استنفار الأجهزة الأمنية تحسبا لعودة هذه العناصر الخطرة من بؤر التوتر، وأن جهود السلطات ستتضاعف لمواجهة هذه التحديات”.
واستبعد “أي تواصل رسمي مع الحكام الجدد في سوريا، حيث ستعلن تونس عن موقفها الرسمي من التحولات الجارية، بعد التنسيق والتشاور مع دول الجوار”، لافتا إلى أن “تونس تنظر إلى الملف السوري من زاوية أمنية فقط، حيث ستلعب دورا استخباراتيا لمتابعة التونسيين الموجودين بساحات القتال، فهي ليست من الدول المعنية بترتيب الأوراق في الأزمة السورية”. وفق تقديره.
كيف تنظر للتغيير الذي حصل في هرم النظام السوري؟
انهيار النظام السوري لم يكن أمرا مفاجئا بل هو أمر طبيعي ومتوقع لكل من يتابع هذا الملف، فالحرب لم تتوقف يوما في سوريا، كانت البلد تعاني طيلة 13 عاما من حصار وحرب اقتصادية إضافة إلى التدخلات الخارجية، الأوضاع السياسية بالتأكيد كانت صعبة في ظل هذه الظروف، كما يجب التذكير بأن صمود النظام طيلة هذه السنوات نتيجة لما تلقاه من دعم دولي وتحديدا الدعم الروسي والإيراني.
لكن بعد المتغيرات الدولية الأخيرة خاصة بعد عودة ترامب إلى الرئاسة، وبعد الإطاحة بأبرز الرموز الداعمة للمقاومة بالمشرق العربي وخاصة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، انتهت بذلك كل الأوراق التي تغطي سماء سوريا ومن كانت تقوي النظام وقواه العسكرية، وجد بذلك النظام نفسه مجبرا على دخول حرب أهلية أخرى سيخسرها لا محالة، وبعد مفاوضات مع الأطراف الدولية الفاعلة في هذا الملف، خير الرئيس السوري بشار الأسد المغادرة، بعد أن أدرك جيدا أن نظامه قد سقط بمجرد انسحاب عديد القيادات العسكرية من المعارك منذ انطلاقها في الأيام الثلاث الأولى.
كيف تنظر الدولة التونسية للتغيرات التي حدثت في سوريا؟
سقوط النظام السوري له تداعيات وانعكاسات كبيرة على المنطقة والعالم والعديد من الدول ومن بينها تونس، التي تنظر إلى سقوط النظام بمثابة القنبلة الموقوتة التي تهدد أمنها، فهو ليس حدثا عاديا، لا تهتم تونس بتداعيات هذا الانهيار على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي بل لجوانب أمنية صرفة. الكل يعلم أنه لدينا مئات من الشباب التونسيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا، ونحن نفتقد المعلومات الكافية عنهم، نعلم أن العديد منهم في السجون، وآخرين أحرار في مناطق حدودية مع تركيا ومناطق كردية مع العراق، وسيجد هؤلاء أنفسهم محاصرين مع سقوط النظام، وقد تتخلى عنهم شبكات التسفير والدول التي جندتهم لإسقاط النظام، لقد انتهت لعبتهم وستكون وجهة العودة إلى تونس، وبالتالي تونس تنظر لسقوط النظام السوري من جوانبه الأمنية وهي على يقين أن هذا الحدث بمثابة قنبلة موقوتة.
كيف يمكن أن يؤثر إطلاق سراح آلاف المقاتلين من الجماعات المسلحة على الأمن والاستقرار في تونس؟
التداعيات الأمنية كما ذكرت تتصل أساسا بفتح السجون وبانتهاء المهمة الموكولة للشباب الذين تم تسفيرهم إلى سوريا، وانتهاء مهمة الجماعات التكفيرية المقاتلة ذات الأصول التونسية والمغاربية، وبالتالي تونس تتابع ملف هؤلاء الإرهابيين بكل دقة، ومن المؤكد أن سقوط النظام، والفوضى التي تحدث الآن بسوريا والتحركات الدولية الأخيرة، سيكون لها تداعيات على أمن البلد، باعتبار أن وجهة هؤلاء المقاتلين ستكون العودة إلى بلدانهم سواء عبر الحدود البرية أو عبر مسالك أخرى، وبالتالي تونس في حالة استنفار أمني وتستعد جيدا لعودة هؤلاء العناصر الخطرة من بؤر التوتر.
ما هي التدابير التي يمكن أن تتخذها تونس لتقليل التهديدات الناشئة عن وصول الجماعات المسلحة للحكم في سوريا؟
هذه الجماعات المسلحة لها تأثير كبير وخطير، فهي تحمل أفكارا تكفيرية وقد تدربت على السلاح، وعقيدتها تتمثل في أن الأنظمة القائمة كافرة ولا تحكم بما أنزل الله، فهم لا يؤمنون بمدنية الدولة، وينظرون إلى تونس كإحدى الدول التي يجب أن تقام فيها دولة الخلافة، وقد كانت لهم محاولات لفرض هذه الدولة سنة 2016 لكن تونس وأجهزتها الأمنية انتصرت عليهم. وبالتالي هناك مخاوف حقيقة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنظر تونس إلى الأمر كأمر هين، بل هو أمر خطير ويحتاج إلى عمل استخباراتي كبير، وإلى مراقبة الحدود والتنسيق مع كل دول الجوار.
أما فيما يخص التدابير الأمنية، فقد راكمت تونس تجربة كبيرة في هذا المجال، والدليل أنها استطاعت العودة بالعديد من العناصر التكفيرية خاصة التي كانت تتواجد بليبيا، كما استطاعت تونس أن تنتصر على الإرهاب في 7 مارس 2016 في معركة بن قردان وقد تمكنت من القبض على أكثر من 56 عنصرا تكفيريا وهم يقبعون الآن في السجون، أيضا استطاعت القبض على العديد من العناصر التكفيرية الأخرى المتواجدة بجبل الشعانبي، كما استطاعت تفكيك عديد الشبكات التكفيرية.
لقد بات للدولة التونسية جهاز متدرب على مكافحة الإرهاب، كما أنها تستفيد من جميع الاتفاقات المبرمة مع عديد من التكتلات الدولية على غرار حلف ناتو وجامعة الدولة العربية ودول الاتحاد الأوروبي، كل ذلك سيساعد تونس على تبادل المعلومات والخبرات في إطار تحديد أماكن تواجد هذه العناصر وعددها، وفي ظل المتغيرات الدولية الأخيرة، من المؤكد أن تونس ستضاعف من إمكانياتها وستقوي جهاز مكافحة الإرهاب أكثر، كما ستقوي اللحمة الوطنية الداخلية لأجل التكاتف وحماية أمن الدولة ومدنية الدولة والانتصار على الإرهاب والدواعش، وبرأيي يجب أن تكون العلاقة قوية بين الأمن التونسي والمواطن التونسي من أجل عدم التستر على أي معلومة، لأن المواطن هو الدليل الأمني في عملية مكافحة الإرهاب.
هل يمكن أن نشهد نوعا من العفو عن سجناء حركة النهضة لاحتواء التداعيات المستقبلية لبقائهم في السجون؟
لا أعتقد أن الحديث عن السجناء السياسيين وسجناء حركة النهضة تحديدا له علاقة بما يقع بسوريا، فهما ملفان منفصلان وكل ملف لديه أسبابه وتداعياته، فالمصالحة السياسية الداخلية تتعلق بأطر أخرى بعيدا عن هذا الملف.
هل ستتواصل تونس رسميا مع الجماعات المسلحة التي سيطرت على الحكم في سوريا؟
من المبكر الحديث والتساؤل عن ذلك، فتونس بعيدة جغرافيا عن سوريا، وليست من الدول المعنية بترتيب الأوراق بسوريا، وليست من الدول المؤثرة على الجانب العسكري والاقتصادي، فقط ستلعب دورا استخباراتيا مهما لمتابعة التونسيين المتواجدين بساحات القتال وبؤر التوتر، لكن مبدئيا لن يكون لها أي تنسيق لأنها غير معنية بالملف، وأيضا لا تملك من القدرات ما يمكن أن يجعلها لاعبا رئيسيا في الأزمة السورية.
كيف ستكون العلاقة بين تونس والأطراف المسلحة التي ستحكم سوريا؟
لا أعتقد أنه ستكون لتونس علاقات بالأساس مع الجماعات المسلحة والحكام الجدد في سوريا، تونس غير معنية بهذا الملف إلا في جانبه الأمني فقط، حيث ستقوم بالمتابعة الاستخباراتية لأجل حماية أمنها من عودة الشباب الذين ذهبوا للقتال هناك، لن تكون لها علاقات مع الحكام الجدد كما ذكرت، هي غير معنية بذلك وستتريث وسيكون الإعلان عن الموقف التونسي مما يحدث في سوريا بعد تنسيق كبير مع دول الجوار خاصة الجزائر ولبيبا، حيث أن تونس تنظر إلى الملف السوري من زاوية أمنية بالأساس من خلال متابعة العناصر التكفيرية الموجودة على الأراضي السورية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس