أفريقيا برس – تونس. مع ترقب تونس لانتخابات تشريعية مقرر إجراؤها في كانون الأول – ديسمبر القادم، وهي إحدى إجراءات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية، رأى مهدي مبروك وزير الثقافة السابق ومدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في حواره مع “أفريقيا برس” أنها ستثبت مرة أخرى عزلة الرئيس الذي فشل في 25 جويلية الماضي في الحصول على نسبة تأييد مهمة في الاستفتاء على الدستور الجديد.
وعلى الرغم المخاوف الحقيقة على المسار الحقوقي في البلاد جراء عودة القبضة الأمنية والقضائية، إلا أن مبروك استبعد أي إقصاء سياسي لسعيد في المستقبل القريب حيث أن دعم الغرب له وخاصة فرنسا جلي ومستمر، إضافة إلى ما يحظى به من دعم داخلي من قبل الأجهزة الصلبة للدولة والدولة العميقة نفسها.
آمنة جبران
عودة الاحتجاجات الاجتماعية فرضية واردة، هل برأيك ستساهم في تغيير المشهد السياسي نحو ثورة جديدة أم ستنجح الحكومة في شراء السلم الاجتماعي؟
يستبعد أن تؤدي الاحتجاجات التي تندلع بين الحين والآخر منذ أشهر قليلة، إلى نوع من الثورة الجديدة أو نوع من الانتفاضة العارمة لعدة أسباب من بينها: أنها احتجاجات محلية لم ترتقي إلى المستوى الوطني حيث انحصرت في مدن وأحياء مثل جرجيس وحي التضامن، ولكن لم تتخذ طابعا وطنيا وظلت القضايا المطروحة والشعارات المرفوعة مربوطة بقضايا محلية لم ترتقي إلى قضية وطنية جامعة. أيضا بسبب إحجام النخب السياسية وعديد مكونات المجتمع المدني عن تأطير الاحتجاجات خصوصا في ظل عزوف اتحاد التونسي للشغل لعدة اعتبارات، لذلك تفتقد هذه الاحتجاجات إلى حاضنة سياسية مدنية قوية، بدورها تعود إلى أن بعض الأطراف السياسية لم تعد لها رصيد ولم تعد لها ثقة من قبل الشارع، لذلك ظلت الاحتجاجات معزولة عن الحاضنة السياسية المدنية الكبيرة. أما السبب الثالث بسبب المجابهة الأمنية مثل ما وقع في أحياء مثل المحمدية وحي التضامن مع تواصل الاعتقالات ما يعني عودة القبضة الأمنية والآلة القضائية، حيث أن هناك نوع من عودة الثقافة الأمنية كما لاحظه الباحث الفرنسي “فرانسوا جيسير” إثر زيارته الأخيرة إلى تونس لدى الناس، وهي جملة من الأسباب التي تمنع تحول الاحتجاجات إلى ثورة أو انتفاضة على المدى القريب.
ماهي توقعاتك بشأن الانتخابات المرتقبة خاصة أنها ستنظم في مناخ اقتصادي وسياسي مأزوم؟
في اعتقادي أن الانتخابات ستحدث دون أي مشكلات أمنية أو سياسية كبرى، هناك مقاطعة من طيف سياسي واسع، كما نلاحظ أن الديمقراطية التونسية مع قيس سعيد يحدث فيها غرائب وعجائب، من بينها هناك عشرة فائزين في سباق انتخابي وتراجع لمترشحين عن الدوائر الانتخابية وصعود مترشحين دون انتظار صناديق الاقتراع، وهي انتخابات فاقدة لأي رهان سياسي وستثبت مرة أخرى عزلة الرئيس وانحصار شعبيته وغرابة مناصريه.
ما تقييمك لموقف اتحاد الشغل من الأزمة السياسية والاقتصادية، يبدو متناقضا تارة يدعم سعيد وتراه يصعد ضد حكومته؟
هناك اضطراب في مواقف اتحاد الشغل، حيث قال في جويلية الماضي في ندوة انه ارتأى إلى أن دستور 2014 لا يحتاج إلى تغيير إنما يحتاج إلى تعديلات قانونية، لكن للأسف بعد فترة نرى أعضاءه قد شاركوا في الاستفتاء في تناقض مع موقفه السابق. هذا يعود على جملة من العوامل، وهي أن هناك توازنات يراد الحفاظ عليها داخل المكتب التنفيذي المنقسم للاتحاد بين أنصار قيس سعيد وهم من رموز التيار العروبي والتيار المناكف له، وهو ما يبرر ويفسر الارتباك والتردد داخله، إلى جانب ما يقال أن الرئيس له ملفات ملتبسة على الاتحاد على غرار قضية الاقتطاعات المالية، والتي يقال أنها من وسائل الضغط الرئاسة ضده، ومع ذلك نرجو أن يتخذ الاتحاد موقفا مناسب حين يقدر أن البلاد ماضية في طريق الاستبداد.
ذكرت في تصريحات سابقة أن تونس خرجت من نادي الدول الديمقراطية، هل يشكل ذلك برأيك تهديدا لمستقبل قيس سعيد السياسي؟
تصنيفات دولية عدة تضع تونس في منزلة هشة ما يجعلها تغادر نادي الدول الديمقراطية، والآن هناك مخاوف حقيقة من أن نسقط في مربع الاستبداد والقانون 57 مثال على ذلك. وحتى من كان يثق ويتوقع خيرا وله فال كبير في هذا النظام يقف على أننا اليوم أمام خطر داهم وخطر الاستبداد، صحيح أنه مازال لدينا مجتمع مدني وهامش من الحرية في الوسط الأكاديمي وحرية التنظم، لكن هناك مواطنين قتلوا برصاص الأمن قرابة 21 مواطن أثناء الإيقافات حسب تقارير حقوقية، وهذا مقلق للغاية.
هل تشكل هذه الممارسات تهديدا لمستقبل قيس سعيد السياسي جراء تراجع الدعم له خارجيا.؟ وهل الدولة العميقة تريد التخلص من الرئيس سعيد بعد أن استفادت منه؟
لا أعتقد ذلك، فالرئيس جاء عبر صناديق الاقتراع، وبالنسبة للدعم الخارجي فالغرب مازال يدعم سعيد وأنا ضد كل الأطروحات التي تعتقد عكس ذلك، حيث أن الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا بالأساس من داعميه فضلا عن دعم إقليمي جواري وهذا لا ننفيه، أعتقد أنه مازال يحظى بدعم ولولا هذا الدعم لما ظل سعيد موجود في السلطة وأساسا مازال مستمرا لما يحظى به بدعم داخلي سواء من الأجهزة الصلبة أو بعض مراكز النفوذ والقرار في الدولة العميقة. لكن أنا طبعا مع احتكام رئيس سعيد إلى صناديق الاقتراع وعرض الرئيس نفسه على الشرعية والمشروعية، نحن انتخبناه على دستور 2014، الآن نحن أمام دستور جديد وبالتالي المنطق السياسي والعلوم السياسية والقانونية والدستورية تقتضي أن يعرض الرئيس نفسه على ثقة الشعب في مناخ انتخابي سليم، مع العلم أن الاستفتاء يعد درسا بليغا حيث أن نسبته الضئيلة تجعله فاقدا للمشروعية، ومع كل ذلك، أنا مع الاحتجاج السلمي السياسي داخل الروح المدنية للجماعة الوطنية التونسية.
لماذا لا يكون الحل في تونس داخليا، لماذا الحكومة تتطلع فقط إلى دعم الخارج؟
وضع الاقتصاد التونسي يفترض هذا من يظن انه لنا أموال فهم واهم، أنا أؤيد إجراءات صندوق النقد ومع عقلنة الدعم بشرط حسن التصرف والحكم في المؤسسات العمومية المالية ومع خصوصة بعض القطاعات، والاستعانة بالحوكمة والشفافية للخروج من هذه الأزمة.
كوزير سابق للثقافة، هل الأزمة السياسية كانت لها تداعيات في هذا المجال؟
طبعا لا نستطيع أن نضع جدارا فولاذيا بين ما هو ثقافي وماهو سياسي، هناك تداعيات لا يوجد فصل بينهما، وإلى حد الآن الحريات الثقافية لم يقع مسها ومازال الناس ينتجون دون سنسرة، وأتمنى آن تبقى الثقافة بمنأى عن الأزمة السياسية.
أي سيناريوهات تتوقعها للمستقبل السياسي في تونس؟
“اشتدي يا أزمة انفجري”..قوسا الانقلاب سيُغلقا عاجلا آم آجلا، لكن ربما التكلفة ستكون باهضة على الثقافة السياسية مثلما غادر العقيد معمر القذافي ليبيا وترك فيها ثقافة سياسية عشارئية لا تؤمن بالمكسب الحداثي، وأخشى ما أخشى حين يقع إغلاق قوس الانقلاب سيكون حينها قد تأخر الوقت وستكون حينها الثقافة السياسية العشائرية التي لا تؤمن بتحكيم القانون والعقلانية وبالمؤسسات، وبالتالي نعود إلى المربع البدائي من العمل السياسي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس