نقص المواد الغذائية يثير مخاوف التونسيين مع اقتراب رمضان

138
نقص المواد الغذائية يثير مخاوف التونسيين مع اقتراب رمضان
غلاء المعيشة عبء يثقل كاهل المواطن

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. يثير نقص المواد الغذائية الأساسية في المحال التجارية وارتفاع أسعارها حالة من القلق والتوتر لدى التونسيين، خصوصا مع اقتراب حلول شهر رمضان الذي يعرف بتضاعف منسوب الاستهلاك اليومي، وسط مخاوف من مزيد تأزم الأوضاع الاقتصادية بسبب التداعيات الوخيمة للحرب الروسية في أوكرانيا، ما من شأنه أن يهدد بعاصفة جديدة من الاحتجاجات في الشارع.

ويتوجس التونسيون من نقص حاد في مادة الحبوب باعتبار أن القمح، وهو مكون رئيسي في أغلب الأكلات التونسية، مصدره الرئيسي أوكرانيا، وقد توقف التوريد بسبب الحرب. ويبلغ معدّل واردات البلاد من الحبوب ضعف الإنتاج المحلي، أكثر من نصفها يأتي من روسيا وأوكرانيا.

وفيما تبدي الحكومة التونسية تطمينات حيث أكدت وزارة الزّراعة، في بيان عبر فيسبوك بأن “حاجيات البلاد من الحبوب مؤمَنة حتى نهاية مايو المقبل بالنسبة للقمح الصلب والشعير، وإلى نهاية يونيو بالنسبة للقمح الليّن”، إلا آن النقص الفادح في المواد الغذائية مثل مادة الخبز أحدث حالة من الهلع في الشارع.

الخبز قبل المناصب

وزاد الإقبال على شراء الطحين والسكر وغيرها من المواد الأساسية بشكل لافت في الآونة الأخيرة على الرغم من تأكيد السلطات على توفر كميات كافية، فيما تعلن وزارة التجارة يوميا عن حجز أطنان من هذه المواد يتم تخزينها بطرق غير قانونية في مستودعات، ويتزامن ذلك قبل شهر رمضان الذي يتزايد فيه الاستهلاك.

وتجد رئيسة الحكومة نجلاء بودن نفسها أمام تحدي توفير المواد الغذائية خاصة مع تراجع حالة الرضا الشعبي حول أدائها، كما تحرج الرئيس قيس سعيد الذي يطالبه الشارع بحلول عاجلة لأسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ ثورة يناير 2011، وعدم الاكتفاء بسياسة المماطلة والوعود.

وفيما ترزح البلاد تحت أزمة سياسية حادة منذ إعلان الرئيس سعيد إجراءات يوم من يوليو الماضي، القاضية بتجميده البرلمان وإعلان التدابير الاستثنائية، إلا أن الشارع يرفض صرف الأنظار عن مشاغله المعيشية والالتهاء بالمعارك السياسية وتصفية الحسابات وسط مناخ قاتم ومستقبل اقتصادي مجهول.

مأزق اقتصادي

ويحذر خبراء الاقتصاد من تداعيات خطيرة للحرب في أوكرانيا من شأنها أن تزيد الأوضاع الاقتصادية سوءا وتعقيدا. وشرح الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي في حديثه لـ”أفريقيا برس”؛ تداعيات كثيرة للحرب بين أوكرانيا وروسيا على الاقتصاد في تونس كحال دول عدة التي بات أمنها الغذائي مهددا وعلى شفا الانهيار بسبب الاضطراب في السوق الدولية.

رضا الشكندالي، خبير إقتصادي

وحذر الشكندالي من التداعيات على الميزان التجاري بسبب ارتفاع أسعار للمواد الأساسية من ضمنها الأسعار العالمية للنفط والحبوب مما قد يدفع إلى زيادة معدل الواردات وبالتالي زيادة العجز التجاري و تدهور قيمة الدينار التونسي.

ولفت الشكندالي إلى “تداعيات تضخمية بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وبالتالي تداعيات تضخمية على كل المواد التي تعمل بالطاقة كمادة أولية. وأمام صعوبة التزود بهذه المواد سنشهد زيادة مشطة في الأسعار وهو ما نلاحظه في الوقت الحالي”.

وفي شأن قدرة الحكومة على مواجهة نقص المواد الأساسية، يعتقد الشكندالي أن الحكومة أمام مهمة صعبة بسبب التقاء شروط الأزمة، وبين أن هناك صعوبة في التفاوض مع المانحين الدوليين ما يقود إلى صعوبة في توفير الموارد اللازمة الخارجية.

وبرأي الشكندالي؛ لا توجد أمام الحكومة حلولا إلا الانطلاق في إصلاحات اقتصادية قاسية يشترطها صندوق النقد الدولي حيث ليس لها خيارات أخرى. وقد انطلقت الحكومة في إصلاحات اقتصادية مع زيادة الأسعار وسط توقعات بانفجار اجتماعي وشيك مرده رفض الشارع تحمله الكلفة الباهظة لهذه الإصلاحات.

وتجري تونس مفاوضات حول حزمة إصلاحات لإنقاذ المالية العمومية تشمل أساسا كتلة الأجور والدعم وإصلاح المؤسسات العمومية مقابل اتفاق قرض تحتاجه البلاد لإنعاش الاقتصاد، إلا أن هذه الإصلاحات تحتاج إلى توافق في الداخل مع الشركاء الاجتماعيين في ظل تحفظ الاتحاد العام التونسي للشغل عن خطط مراجعة الدعم لأسعار المواد الأساسية كما وصفها الرئيس سعيد بخطوط حمراء لا يمكن القبول بها تجبنا لمزيد تفقير الضعفاء حسب تعبير الشكندالي

مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان

ويؤكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، في تصريح لـ “أفريقيا برس”؛ أن هناك أزمة حقيقية في وفرة المواد الغذائية والسبب الرئيسي برأيه هو عدم التوازن بين العرض والطلب، وقد فاق حجم الطلب مقارنة بالعرض ومرد ذلك الشح الكبير في المواد الأولية من قمح وشعير لمدة طويلة بسبب نقص السيولة الشيء للذي جعل مصانع الإنتاج تشتغل بمعدل أقل من النصف مقارنة بالسنة الماضية مما أدى إلى نقص العرض وهذا بث الهلع في نفوس المواطنين.

ولاحظ عبد الكبير، أنه مع اقتراب شهر رمضان ازدادت المخاوف من فقدان العديد من المواد الأساسية التي لا يستطيع المواطن التونسي الاستغناء عنها، وغالبها تعتمد في صناعتها على مواد مفقودة مثل الطحين والزيت والسميد الرفيع المعد لتحضير الحلويات والمرطبات.

وفي اعتقاده، فإن على الحكومة أن تصارح مواطنيها بصعوبة الوضع الاقتصادي وشح السيولة لتوريد عدة مواد أساسية ووضع خطة إستراتيجية خاصة بشهر رمضان، إضافة إلى التكثيف من حملات المراقبة وتشديد العقوبات ومحاربة الاحتكار.

قيس سعيد بدأ يفكر كيف يجنب حكومته الاحتياجات الشعبية

في مرمى الاحتجاجات لا يستعبد متابعون أن تعقد هذه الأوضاع المأزومة المسار على سعيد، لكنها في نفس الوقت لا تعني فرصة لخصومه ولمنظومة الحكم السابقة حيث لفظها الشارع بشكل قاطع ويرفض عودتها مهما كان الأمر.

مع ذلك يفتح غلاء الأسعار ونقص المواد الغذائية الباب لعودة الاحتجاجات في ظل حالة من الغضب الشعبي واستياء من عجز الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلول لمطالب معيشية بسيطة.

وما يحرج الرئيس التونسي؛ توسع نطاق المعارضة لمساره وسط اتهامه برغبته في التمسك بمقاليد الحكم، حيث باتت السلطة هوسه وشغله الشاغل، وباتت في سلم أولوياته. ويتوقع متابعون أن تهدد سوء إدارة الأزمة الاقتصادية مكاسب سعيد السياسية، كما ستكون حكومته في مرمى الاحتجاجات في حال زادت قتامة المشهد.

وبرأي عبد الكبير، فإن رئيس الجمهورية اليوم بحكم أنه أيضا رئيس الحكومة الحقيقي؛ في وضع لا يحسد عليه على اعتبار قلق المواطن وارتفاع منسوب الغضب والاحتقان خاصة لدى الفئة الشعبية الفقيرة التي ملّت من الخطابات والوعود، وهي التي يعتبرها الرئيس دوما خزانه الانتخابي ويعتبر نفسه ابنها وجاء للحكم من أجلها. وأشار عبد الكبير إلى هبوط ثقة الناخب به، وهذا يعتبر هاجسا مخيفا للرئيس؛ وهنا يقول عبد الكبير: “نلاحظ ارتباكا واضحا في الحكم، والرئيس بدأ يفكر كيف يجنب حكومته عاصفة الاحتياجات الشعبية والغليان التي قد تعصف بحكومته”.

وخلص عبد الكبير بالقول: “الرئيس وحكومته اليوم بين المطرقة والسندان… مطرقة الوضع الدولي وأزمة السيولة بحكم عدم القدرة على إقناع المانحين الدوليين وارتفاع أسعار الطاقة بعد حرب روسيا، وسندان غضب الشارع واحتقان المواطن”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here