آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. اعتبرت أوساط سياسية وحقوقية في تونس، أن التطور الإيجابي في ملف الموقوفين السياسيين وذلك بعد الإفراج عن رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين والوزير السابق رياض مؤخر والصحفي محمد بوغلاب مؤخرا، قد يدفع السلطة إلى الاستجابة إلى دعوات سحب المرسوم 54 أو تعديله بسبب تداعياته الخطيرة على المشهد الحقوقي بالبلاد.
وجددت نقابة الصحفيين التونسيين خلال جلسة عامة السبت، الدعوة إلى “تسريع تعديل المرسوم 54، مطالبة رئيس البرلمان بـ”ضرورة الكف عن تلاعبه بالقانون وعن تعطيله لمبادرة التعديل، ومحاولات ردمها بين رفوف المجلس”.
وبرأي صحفيين وحقوقيين؛ فإن الوقت قد حان لتعديل المرسوم خاصة بعد إطلاق موقوفين سياسيين، الأمر الذي يشكل صفعة جديدة للمرسوم، بعد أن أثبتت كل الوقائع أنه سلاح للتنكيل بأصحاب الرأي الحر، ووسيلة تستعملها السلطة لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين.
وأشارت جيهان اللواتي عضو نقابة الصحفيين التونسيين في حديثها مع “أفريقيا برس” أن “الأصل في الشيء هو أن يتم إسقاط المرسوم 54 وسحبه، لأنه بمثابة عصا غليظة على كل الأصوات الحرة، سواء كانوا صحفيين أو حتى ناشطين في الحياة السياسية”.
واستدركت “لكن مع تقديم نقابة الصحفيين مشروع لتعديل المرسوم على البرلمان وإمضاء أكثر من 65 نائبا على هذه المبادرة، فإن إمكانية تعديله واردة، لأن الأصل في الشيء العودة إلى القانون، الذي يقر بأنه قانون غير دستوري، حيث يضرب في العمق دستور 2022 ويضرب في العمق كل المعاهدات الدولية التي انضمت إليها تونس، وآخرها معاهدة بودابست”.
ولفتت إلى أن “كل المراسيم بنص القانون تكون موضع مراجعة من قبل البرلمان في حالة إنشاءه وهذا ما لم يقع إلى الآن، كما أنه هناك عديد من المؤشرات التي تؤكد أن رئيس البرلمان يتلكأ، ويتعمد عدم مراجعة المرسوم”.
وتنص المادة 24 من المرسوم 54 الصادر في 13 سبتمبر 2022، على عقوبة “السجن مدة 5 أعوام وبغرامة قدرها 50 ألف دينار (نحو 16 ألف دولار)، بحق كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”.
وتعارض الأوساط الحقوقية هذا المرسوم حيث ترى أنه ساهم في انتهاك الحريات في البلاد وتكميم الأفواه، فيما تذهب آراء أخرى مؤيدة لتوجهات السلطة إلى ضرورة ممارسة حرية التعبير دون المس من كرامة الناس وهيبة الدولة.
ومع قيام السلطة بسلسلة إيقافات طالت سياسيين وإعلاميين ومدونين بشكل لافت في الأشهر الأخيرة، زادت المخاوف من مزيد التضييق على الفضاء العام واستهداف المعارضين، الأمر الذي قاد نواب بالبرلمان بالتحرك استجابة لدعوة نقابة الصحفيين، والعمل على تعديل المرسوم.
ووجه 60 نائبا طلبا إلى رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة في يناير الماضي، يتعلق بعرض مقترح قانون خاص بتعديل المرسوم 54 على اللجنة البرلمانية المعينة بالنظر في القوانين المقترحة، إلا أن مكتب المجلس لم يمرر المقترح المذكور إلى اللجنة تمهيدا للتصويت عليه.
وأوضح النائب محمد علي، أحد النواب الممضين على هذه المبادرة، في حديثه مع “أفريقيا برس” بالقول “كنا ننتظر أن يفتح المجال داخل البرلمان للإفراج عن احتجاز مبادرة تعديل المرسوم على الأقل بعد الخروج من مناخ الانتخابات الرئاسية واستبشرنا بتغيير مكتب المجلس، خاصة وأن كل الجهات تقريبا في السلطة من الموالاة ومن خارج السلطة من المعارضين والصحفيين والناشطين والحقوقيين وشباب الحراك الاجتماعي يطالبون ومصرون على هذا التعديل”.
وعلق “لكن للأسف إلى الآن وحتى أخر اجتماع للمكتب، لازال نفس التعنت من رئيس البرلمان”.
وتابع “ربما بعد الإفراجات الأخيرة التي توحي بنوع من الاتجاه إلى الانفراج سيتغير الموقف داخل البرلمان، وسنشهد إفراجا أيضا عن مبادرة تنقيح المرسوم وترى النور، عدا ذلك تتحمل رئاسة البرلمان ومكتبه مسؤولية التعطيل المقصود مهما كانت المبررات”.
ويقول منتقدو القانون أن الفصل 24 من المرسوم هو العيب الأساسي في هذا القانون من حيث المضمون والشكل، وهو الذي قاد إلى محاكمة السياسيين والصحفيين على خلفية تعارض آرائهم مع السلطة وانتقادهم لأدائها.
وسبق أن ذكرت جبهة الخلاص الوطني المعارضة بأن “300 شخص يقبعون في السجون نتيجة استخدام السلطة المرسوم 54 الخاص بمتابعة الجرائم على وسائل التواصل الاجتماعي، وقانون مكافحة الإرهاب، ضد الناشطين السياسيين والمدوّنين.”
وفي تقدير صهيب المزريقي القيادي بحزب البعث، وهو حزب مؤيد لمسار 25 جويلية، فإن “المسألة اليوم لدى مجلس نواب الشعب لأنه في نهاية المطاف هو مرسوم جاء في ظرف استثنائي عقب الأمر 117 المؤرخ في سبتمبر لسنة 2021″.
وأضاف في حديثه لـ”أفريقيا برس” بالقول “المرسوم هو أقل درجة من القوانين الأساسية والقوانين العادية بالتالي اليوم وبعد تركيز البرلمان تصبح الكلمة الفيصل هي بيد مجلس نواب للنظر في المراسيم إما بالمصادقة عليها وبالتالي تتحول إلى قوانين وإما رفضها وتعطيل العمل بها”.
وبرر عدم وصول مبادرة التعديل إلى المداولات في جلسة عامة إلى الآن بسبب “اختلاف وجهات النظر في القراءة القانونية للمرسوم بين مؤيد و رافض له، لكن اليوم وأمام إصرار النواب المتقدمين بتعديل المرسوم على تمريره للجلسة العامة، قد يكون نقطة تحول في التعاطي مع المرسوم، وقد يشهد تعديله في بعض فصوله خاصة الفصل 24 الذي أثار لغطا كبيرا”.
ويعتقد متابعون ومحللون أن الفرصة باتت سانحة اليوم لتعديل المرسوم خاصة وسط تزايد الانتقادات الدولية لكيفية تعاطي السلطة مع المعارضين أعقاب بيان الأمم المتحدة شديد اللهجة، والتي دعت فيه السلطة التونسية إلى ضرورة “وقف اضطهاد المعارضين”.
ويتوقع هؤلاء أن يشهد الملف الحقوقي انفراجة لتوجس السلطة من خسارة قاعدتها الشعبية في ظل عودة الاحتجاجات الاجتماعية ومساعيها لتخفيف الاحتقان في المناخ العام من خلال مراجعة سياساتها في هذا الملف، وبهدف التغطية عن فشلها في إدارة الأوضاع الاقتصادية.
ويتوقع المحلل السياسي منذر ثابت في حديثه مع “أفريقيا برس” أن “تكون هنالك مراجعات في القوانين والتشريعات ذات الصلة بحقوق الإنسان وتحديدا بحرية التعبير، ويمكن أيضا أن يشهد المشهد الإعلامي والسياسي حراك وديناميكية خلال الفترة القادمة”.
وخلص بالقول “هذا متوقع وهذا مطلوب ويستجيب أيضا لانتظارات الداخل بقطع النظر عن المعطيات والسياقات الخارجية”.
وشهدت تونس منذ فبراير 2023، حملة توقيفات شملت إعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال وسياسيين، بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قياداتها، منهم علي العريض ونور الدين البحيري وسيد الفرجاني.
واتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد بعض الموقوفين بـ”التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”، وهي اتهامات تنفي المعارضة صحتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس