بقلم : بولبابة سالم
في أول بادرة من نوعها في العالم العربي ، تنطلق المناظرات التلفزية المباشرة بين المترشحين الى رئاسة الجمهورية و التي ستنقلها 11 قناة في بث موحد .
و تشكل المناظرات التلفزية في سياق الحملة الانتخابية فرصة لطرح البرامج الانتخابية و المجادلة و التنافس السياسي حيث تبرز قدرات المرشحين على اقناع المتابعين و الذكاء و سرعة البديهة و تقديم اجوبة دقيقة و حاسمة للعديد من القضايا الحارقة التي تشغل الشعب ،، لذلك تأتي ردود الفعل بين مرحب و مستهجن و صعود و نزول لأسهم المرشحين كما يحدث في الديمقراطيات العريقة.
لكن السؤال : هل ستحدد المناظرات المنتظرة وجهة الناخبين التونسيين ؟
هناك مواطنون حسموا خيارهم ، و آخرون مترددون ، والبعض يريد معرفة عميقة بالسيرة الذاتية للمرشح و برامجه المستقبلية ، لكن المشهد التونسي مختلف لأننا مازلنا نعيش مرحلة تجذير المناخ الديمقراطي و ترسيخ المؤسسات التي تمنع العودة الى مربع الاستبداد ، كما توجد نسبة كبيرة من الأمية السياسية التي خلفتها عقود من التصحر السياسي .
نجد مثلا ان الرصيد الانتخابي لنبيل القروي ثابت و قد عمل عليه مدة 3 سنوات لذلك تضخم عدد المسجلين ووقتها هرف البعض و قالوا الشباب قادم و استبشروا بمضاعفة نسبة التسجيل .
رصيد القروي لا تهمهم الديمقراطية او صلاحيات رئيس الجمهورية لأنه استهدف الفئات المهمشة و المعدومة بمساعدات جمعية خليل تونس .
من ناحية اخرى يبدو رصيد النهضة ثابت لانها حزب منظم و قواعدها منضبطة و ستصوت للاستاذ عبد الفتاح مورو ، اما رصيد القوى “الحداثية والوسطية” فهو مشتت بين الشاهد و الزبيدي و جمعة و بدرجة اقل مرزوق و العايدي و تشهد هذه العائلة السياسية التي كانت موحدة في نداء تونس سنة 2014 تجاذبات عنيفة و حرب فيسبوكية بين أجنحتها للفوز بالرصيد الانتخابي للنداء ، و زاد في تشظيها انضمام بعض أنصارها الى الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي ،، اما اليساريون فسيصوتون لحمة الهمامي او المنحي الرحوي ..
كما اختار القوميون و أساسا “حركة الشعب ” الصافي سعيد لدعمه ،، و يعوّل المستقلون على الظهور الاعلامي و منها المناظرات لتسويق انفسهم مثل عمر منصور و لطفي المرايحي لأنهم بلا ماكينات حزبية قوية .. بالنسبة للمنصف المرزوقي و محمد عبو لهم ايضا مناصرين لكنهم غير ثابتين خاصة من جمهور يسار الوسط .
عندما يكون الوعي متطورا و الشعب مرفّها تكون المناظرات فرصة لتغيير الرأي العام و تشكل قوة الحجة مؤثرة و هذا ما نلاحظه في البلدان المتقدمة حيث تكون تلك المناظرات حاسمة أحيانا في تصويت الناخبين ، لكن في الحالة التونسية فقد نجد مناصرين لمرشح يدافعون عنه حتى و ان ارتكب حماقات لان الولاء الأعمى يفقد البوصلة و يذهب العقل و بعضهم يقبض المال و تسيطر عليه عقلية الغنيمة ،، و لا يشمل هذا السلوك البسطاء وحدهم بل تنخرط فيها نخب تبحث عن التموقع ، لذلك حبّر بعضهم عرائض لدعم احد المترشحين وهذا لا يحدث الا في الدول المتخلفة التي تعيش الاستبداد .
فكرة المناظرة راقية و تقدم صورة جيدة عن تونس الديمقراطية باعتبارها استثناء عربيا و تدفع باتجاه تراكم الوعي لدى عموم الناس ، و تاثيرها لن يكون حينيا لكنها تبني لمستقبل افضل .