آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. أحال البرلمان التونسي في الآونة الأخيرة، مشروع قانون يتعلق بالمجالس المحلية والجهوية ومجلس الأقاليم للنظر فيه، غير أنه لم يكن في مستوى الآمال والانتظارات، وفق رأي خبراء القانون وغالبية أعضاء المجالس المحلية.
وفي حواره مع “أفريقيا برس”، أشار يوسف عبيد، الباحث في القانون، إلى أن “مهمة المجالس المحلية في القانون الجديد صورية، حيث لم يمنحها غير الطابع الاستشاري، كما حرمها من سلطة أخذ القرار، إضافة إلى الضبابية في تحديد مهام مختلف أصناف المجالس المحلية، وخاصة فيما يتعلق بالمجالس البلدية التي وقع تغييبها، رغم أهمية دورها في البعد المحلي” وفق تقديره.
ورأى أن “النظام السياسي الجديد قام بهدم تجربة اللامركزية السابقة وبناء تجربة جديدة، في حين كان الأجدى تقييمها والاستفادة من خطواتها الواعدة وما حققته من انجازات رغم العثرات”، لافتا إلى أنه “لا بوادر إلى الآن تشير إلى قدرة النظام القاعدي على تطوير عملية التنمية في مختلف جهات البلاد”.
ويوسف عبيد هو باحث في القانون العام، وأستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في تونس.
كباحث في القانون، ما هو تقييمك لقانون المجالسة المحلية الذي أحاله البرلمان التونسي مؤخرا على لجنة التشريع العام؟
لتقييم أي مشروع قانون خاصة في علاقة بالجماعات المحلية يجب الاعتماد على الجانب الكمي والنوعي، وقد تفاجئنا كميا في اختزال القانون في عشرة فصول فقط، وهو دلالة على ضعف التأطير القانوني للجماعات المحلية، ويعكس كذلك ضعف مكانة الجماعات المحلية في النظام السياسي الجديد.
بالنسبة للمضمون، فيتم تقييم مختلف الأحكام الواردة بمشروع القانون انطلاقا من المبادئ العامة التي تحكم جميع المحليات في العالم، ومن خلال قراءتنا للفصول العشرة لمشروع القانون، نلاحظ أنه وقع تخصيص فصل للأملاك وآخر للميزانية وفصل يشير إلى ضرورة أن ترافق السلطة المركزية الجماعات المحلية لكن دون توضيح الوسائل والآليات.
وفي تقديري الإشكالية الأولى والجلية في هذا القانون هي مهمة الجماعات المحلية بالأساس التي لا تبدو واضحة ومحددة، وهو ما أثار جدل قانوني كبير بشأنها، حيث تم إجراء انتخابات محلية دون إطار قانوني يحدد صلاحيات الجماعات المحلية، وبعد مرور سنة من تركيزها تم سن مشروع قانون لضبط صلاحياتها، لذلك لا نرى أن هذا الوضع هو أمر عادي، لأن الوضع العادي يقتضي إنشاء المؤسسات وخاصة المجالس المنتخبة في خطوة أولى ثم تحديد صلاحياتها ومهامها ثم القيام بانتخابها، لكن ما وقع هو العكس تماما.
أهم نقطة تشد الانتباه في مضمون القانون هي مسألة الصلاحيات التقريرية من عدمها للمجالس المحلية، نحن نعلم أن مفهوم الجماعات المحلية تتمثل في مجلس منتخب لديه صلاحيات تقريرية أي لديه القدرة على تنفيذ القرارات، لكن بالعودة إلى مشروع القانون فهو يذكر بطريقة صريحة وواضحة أن مهام هذه المجالس يقتصر فقط على التداول، في حين تكون سلطة القرار بيد مجلس الجهات والأقاليم، رغم أن سلطة التداول تعني كذلك أخذ قرارات، لكن من الواضح أن هذه المجالس مهامها تداولية فقط وليست لها سلطة قرار، كأننا نريد أن تغير هذه المجالس المحلية من واقع التنمية بالبلد دون سند قانوني، فقط من خلال الاقتراح، ثم يقوم مجلس الأقاليم والجهات بالتأليف بين مقترحات مختلف المجالس المحلية بالبلد، واختيار ما يراه ملائما وصائبا.
هل تعتقد أن اكتفاء المجلس المحلي بالتداول والدور الاستشاري يجعل وجوده صوريا، وبالتالي بات دوره مهمشا في النظام السياسي الجديد؟
إجمالا لا نستطيع إطلاق التوصيف القانوني على أنها مجالس محلية، لأن هذه المجالس في كل العالم تفترض أن تتمتع بسلطة القرار في حين أنها في تونس مجرد مجالس تداولية فقط. الطابع الاستشاري الذي كان موجودا في المجالس المحلية والجهوية القديمة مازال متواصلا إلى حد الآن، لذلك هي مجرد مجالس صورية لا تتمتع بسلطة أخذ القرار، وفق مشروع القانون الجديد.
مع ترقب تونس لموعد الانتخابات البلدية، هل البرلمان مطالب اليوم بتحديد طريقة واضحة للعمل البلدي والعمل المحلي والعلاقة بينهما تجنبا للتداخل في المهام؟
طبعا وهذا هو الشق الثاني من الضبابية التي تحكم الجماعات المحلية في تونس، ونحن نعلم أن الجماعات المحلية مرت بثلاث مراحل في بلدنا: مرحلة دستور 1959 الذي صدر فيه القانون الأساسي للبلديات والذي يشمل المجالس الجهوية والبلدية، ثم سنة 2014، قمنا بسن قانون خاص بمجالس الجماعات المحلية في خطوة ثورية، ثم جاء دستور 2022 ليقطع مع الفلسفة الجديدة للجماعات المحلية التي كانت تتجه نحو أكثر استقلالية رغم العثرات المسجلة، ونحن نرى أن سن فصل واحد فقط في الدستور الجديد خاص بالجماعات المحلية بمثابة عودة إلى الوراء، ثم تلى ذلك حل للمجالس البلدية عن طريق المراسيم الرئاسية.
اليوم لدينا ثلاثة أصناف من الجماعات المحلية ولدينا علاقة تصعيدية وعضوية فيما بينها، ثم هناك صنف آخر منفصل وهي المجالس البلدية، التي ليس لديها أي صلة قانونية بالأصناف الجديدة للمجالس المحلية، لذلك يجب ضبط صلاحيات ومهام المجالس المحلية والبلدية بأكثر وضوح، إضافة إلى تعديل مجلة الجماعات المحلية التي مازالت سارية إلى اليوم، وشرح النظرة الجديدة للجماعات المحلية في النظام السياسي الجديد، والسؤال هنا لماذا قمنا بأربعة أصناف من الجماعات المحلية؟، لماذا قمنا بمجالس تتنافس في إطار رقعة جغرافية صغيرة جدا، كان لا بد من الاكتفاء بمجلس وحيد لتحقيق أفضل النتائج.
تعد المجالس المحلية أرضية النظام القاعدي التي يطرحه مشروع الرئيس قيس سعيد، هل تعتقد أن هذه التجربة بوسعها النجاح وتحقيق النتائج المرجوة؟
في الواقع لا يمكننا أن نحكم على أي نظام سياسي خاصة إذا كان حديث النشأة وبصدد التبلور، لكن في المقابل لا توجد بوادر تشير إلى أن هذا النظام قادر على تطوير عملية التنمية في البلاد، لأن البناء القاعدي يفترض أن ينطلق من أصغر دائرة في الجمهورية لمعرفة احتياجات المواطنين وصولا إلى المركز ومرورا بالجهوي، وهو نظام ليس بجديد في فكرته حتى في تونس، حيث أن مشاريع ومخططات التنمية تعمل بهذه الطريقة منذ التسعينات، والفرق الوحيد هو قيام النظام القاعدي بتشكيل مجالس منتخبة على مستوى محلي لكنها دون صلاحيات وسلطة أخذ القرار، كما أن هذا النظام يغيب دور البلديات في حين لها دورها كبير في البعد المحلي، وهي أقدم جماعة محلية في تونس منذ القرن 19 عشر، ولديها تقاليد في عملية تخطيط وبرمجة المشاريع التنموية، وعوض أن ندعم البلديات لتجربتها وخبرتها في عملية التخطيط ولما تتمتع به من ديمقراطية تشاركية، قمنا بحلها وسن مجالس جديدة مبهمة الصلاحيات.
ما هو تقييمك لمسار اللامركزية في تونس، هل وقع التخلي عن مكتسباتها بعد توجه البلاد نحو نظام سياسي جديد؟
في تقديري، كان من المفروض بدل بناء مجالس جديدة، تقييم أداء وتجربة المجالس القديمة، كما نلاحظ اختلاط التقني بالسياسي، حيث أن المسار السياسي الجديد جاء كردة فعل على المسار السابق ومبني على فكرة القطيعة مع الدستور والقوانين التي كانت معتمدة، وحتى فكرة الجماعات المحلية قامت على القطع مع تجربة اللامركزية السابقة رغم أنها كانت تجربة واعدة وإيجابية.
وللإشارة فإن الدولة هي التي خلقت الجماعات المحلية لتخفيف العبء على السلطة المركزية في الخدمات والتنمية على مستوى محلي، وقد كانت التجربة السابقة واعدة وخطواتها الأولى كانت جيدة رغم بعض العثرات بسبب الضغوط السياسية في فترة الانتقال الديمقراطي، وعوض تقييم التجربة بكل موضوعية، فقد قام النظام السياسي الجديد بهدم كل التجربة السابقة، والتوجه نحو تجربة جديدة لا تبدو واعدة انطلاقا من النصوص القانونية الخاصة بها التي لا تمنحها سلطة أخذ القرار.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس