إلهام اليمامة
أفريقيا برس – تونس. في السنوات الأخيرة، بدا لافتا في تونس خاصة في المستشفيات، النقص الفادح في الأطباء والكوادر الطبية وشبه الطبيّة، بدرجة أثرت بشكل كبير على سير العمل وعلى المنظومة ككلّ، والسبب في ذلك تدفقات هجرة إلى ألمانيا وكندا بنسب كبيرة للعاملين في قطاع الصحة، والأمر ينطبق على قطاعات حيوية أخرى.
دقّت هذه الظاهرة ناقوس الخطر محذرة من أن هجرة الأدمغة تفقر تونس من الكفاءات، الأمر الذي دفع نوّاب في البرلمان التونسي مؤخرا إلى طرح مشرع قانون مثير للجدل يقترح إلزام الأطباء والمهندسين ومختلف الكفاءات المتخرجة من جامعات تونسية عمومية وممن يعتزمون الهجرة للعمل بالخارج “دفع تعويضات مالية للدولة نظير كلفة تعليمهم وتكوينهم بالجامعة” التونسية.
وعلى خلفية الجدل الذي أثاره هذا المقترح، أوضحت النائبة فاطمة المسدي، في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، أن “أولا هذا المقترح هو من ضمن عدة مقترحات التي تشتغل عليها وتهم مسائل تنموية وغيرها، لكن هذا المقترح بالذات أثار الكثير من الجدل لأن الناس لم تفهمه وتم شرحه بشكل مغلوط”.
وتوضّح المسدي أنه “منذ سنة 2011 أصبح لدينا مشكل كبير هو هجرة الكفاءات التونسية والأرقام مرعبة حيث أن الآلاف من الكفاءات تغادر البلاد مباشرة بعد التخرج والعمل في مؤسسات أجنبية. نحن نعلم أن التعليم مجاني ومجانية التعليم، التي استثمرت فيها تونس منذ الاستقلال هدفها خلق كفاءات وطنية تستفيد منها البلاد ولا نضطر لاستيرادها من الخارج”، مشيرة إلى أن “الأموال المحصلة ستخصص لتحسين جودة التعليم العالي وتطوير البنية التحتية للجامعات التونسية”.
وقالت المسدي لـ”أفريقيا برس”، “مشروع القانون ينص على التزام خريجي الجامعات التونسية في مجالات الطب والهندسة والتخصصات التقنية العالية، الذين يقع انتدابهم مباشرة في الخارج بالمساهمة في تطوير البحث العلمي والتعليم العالي عبر استرجاع مقدار معين من مصاريف التعليم التي تكفلت بها الدولة. يعني دفع جزء مالي من مصاريف الدولة كمساهمة لتحسين جودة التعليم العالي وتطوير البنية التحتية للجامعات التونسية”.
وتتوقع فاطمة المسدي في ختام حديثها لـ”أفريقيا برس”، أن “يتطور المقترح إلى مبادرة تشريعية بعد ما لاقته من تفاعل لتوضيحها عبر دراسة وطرح حلول لمعالجة ظاهرة هجرة الكفاءات”، لافتة إلى أن “هذا المقترح يستثني الخريجين الذين يعودون للعمل في تونس قبل انقضاء 5 سنوات من تاريخ مغادرتهم، شريطة البقاء والعمل في تونس لمدة لا تقل عن 3 سنوات متتالية”.
في ذات السياق ذهب رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والشباب والرياضة بمجلس نواب الشعب فخرالدين فضلون، الذي قال في تصريح لإذاعة “ديوان آف آم” المحلية الخاصة، إن “المبادرة تهدف إلى حفظ حق البلاد، وليس المس من مصالح الكفاءات في حد ذاتها”.
وأشار إلى أن “تكون الكفاءات التونسية، غرار الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين، يكلفت الدولة من المجموعة الوطنية ومن دافعي الضرائب. وخلال الثلاث سنوات الأخيرة هاجر قرابة 4 آلاف طبيب تونسي، وفي ظرف 5 سنوات هاجر حوالي 40 ألف مهندسا”.
وقدرت نسبة الكفاءات المهاجرة من الأطباء والمهندسين بحوالي 80 بالمئة في السنوات الأخيرة. ووفق الأرقام التي أوردها المرصد الوطني للهجرة على موقعه وحسب المدير العام للمرصد عبد الرؤوف الجمل فإن أكثر من 36 ألف تونسي يغادرون البلاد سنويا. وكشف دراسة ميدانية قام بها المعهد أن 65% من الشباب يرغبون في الهجرة حتى وإن كانت غير نظامية.
في المقابل، واجه هذا المقترح انتقادات كثيرة من التونسيين الذين أكّدوا أن أول سبب يدعهم إلى مغادرة أوطانهم وعائلاتهم وديارهم في الحالة المتردية والبيروقراطية التي تقتل كل طموح بالإضافة إلى حالة انعدام الأمن التي أصبحت مستشرية خاصة في المستشفيات بعد 2011.
ويؤكّد عدد كبير من الأطباء خاصة أن ظروف العمل الصعبة في المستشفات التونسية، حيث يتهجم المواطنون بشكل مستمر على الأطباء والطاقم الطبي، وفي ظل غياب الكثير من الأجهزة والاكتظاظ في المستشفيات العمومية، تعتبر السبب الرئيسي في دفعهم إلى الهجرة والبحث عن فرص أخرى.
وفي رده على هذا المشروع، قال رئيس عمادة المهندسين كمال سحنون في تصريحات صحفية “تونس ليست سجنا ومن غير المنطقي اتخاذ إجراء دون النظر في تبعاته المستقبلية”، مشدا على أن الحلول لهذه الأزمة لا تأتي من خلال “مشاريع ومقترحات هدفها خلق الإثارة”، بل “بالعناية بالمهندسين ماديا ومهنيا ومنحهم المجال للعمل المريح والمحفّز على الابتكار من خلال تغيير مناخ الاستثمار بصفة عامة من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد مرتكز على المعرفة ويصبح المهندسون من خالقي الثروة.
وردّا على ذلك، يشير رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تصريحات لـ”أفريقيا برس”، إلى “أن هذا القرار يعتبر من جملة المقترحات الشعبوبية التي زادت وتيرتها في تونس.. للأسف النسق الشعبوي وصل إلى أبرز المؤسسات السياسية وأهمها وهو مجلس نواب الشعب”.
ويضيف بن عمر “حق التنقل مكفول لجميع التونسيين وعوض تقديم مشاريع قوانين للإحاطة بأبنائنا المهاجرين والمزيد من الاستفادة منهم ومن خبراتهم وكيف يمكنهم دعم تونس وهم في الخارج ذهبنا إلى منطق الابتزاز وكأن الدولة تنتظر في مقابل لتدريس وتعليم أبناءها”.
ويلفت بن عمر عن نقطة هامة فيما يتعلق بالمهاجرين التونسيين، وهي دورهم دعم الاقتصاد المحلي، وتحديدا في رفع رصيد البلاد من العملة الصعبة حيث تعدّ تحويلات التونسيين بالخارج اليوم المصدر الأول من مخزون تونس من العملة الأجنبية.
ويقول “في الوقت الذي يساهم فيه المهاجرون بشكل كبير في إنقاذ الوضع الاقتصادي من خلال ما يتم تحويله من أموال، وعوض الذهاب إلى مبادرات لحمايتهم في أماكن تواجدهم وربط الصلة بينهم وبين بلدهم أكثر والاستفادة من خبراتهم ذهبنا إلى منطق الابتزاز وهي مبادرة برأيي غير واقعية وتندرج في إطار شعبوي ولا يمكن تطبيقها في الواقع”.
لا شكّ في أن كلا الطرفين على حق، فمن جهة تحتاج تونس إلى أبنائه من الكفاءات الذين تعلّموا في المدارس والجامعات التونسية العمومية، لكن من جهة أخرى من حق هؤلاء أن يبحثوا عن فرص جيدة للدخول إلى الحياة المهنية والاستقرار بعد سنوات الدارسة الطويلة. وتبقى الفرضية الأقرب للواقع هي تلك التي تدعو إليها أغلب الأطراف والقائمة على تحسين الأوضاع في المستشفيات وفي مختلف المؤسسات والتخفيف من العراقيل الإدارية والمؤسساتية وأيضا رفع مستوى التشغيل بشكل يضمن حقوق البلاد والعباد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس