النهضة المظلومة..

60

بقلم : نصرالدين السويلمي

القاعدة تقول أنه يتحتم على المناضل امتهان النضال وعلى السياسي أن يمتهن السياسة، وذاكرة الماضي وحيثيات الحاضر تؤكد أن النهضة ناضلت زمن الاستبداد والنتيجة 30 ألف سجين وآلاف المشردين وعشرات الشهداء، تلك تكاليف النضال، اما ولما اجتاحت الثورة جلادها وأفسحت للفعل السياسي، فقد مارست النهضة السياسة والنتيجة الاكتساح في التأسيسي، الثانية في البرلمانيات ثم وبسرعة تمكنت كتلتها من استعادة الريادة و الاولى في البلديات، تلك هي ثمرة العمل السياسي وليس غير ذلك، ناضلت فقدمت التضحيات، مارست السياسة فحصدت الأصوات، مقدمات ومآلات يرتضيها المنطق ويركن إليها العقل.

حين تحتمت التنازلات انسحبت النهضة من السلطة، وغادرت القصبة وظل الشركاء في باردو وقرطاج، حين كان يجب ان تحشد حشدت وحين استوجب التوافق توافقت وحين تطلب الحزم حزمت ورفضت الحاق حكومة الشاهد بحكومة الصيد حتى لا تفقد الدولة هيبتها وتتحول الى حقل تجارب، ثم حين اقتضت المصلحة الوطنية التعايش أعلنت قبولها بالتعامل مع كل الأحزاب التي تحصلت على اعتمادها من الدولة، وهي الحزب الذي تعاديه الأحزاب الشيوعية على شرط ارتباطه بالهوية، ربما هو الحزب الوحيد الذي يكرهه خصومه لأنه تقدم في جبهة التضحيات كما تقدم على جبهة الانتخابات كما ثبت على جبهة المرجعيات.

تلك حركة ترزح تحت وقع الظلم منذ تأسست الى يوم الناس هذا، اتهمها بن علي بالانقلاب، واتهمها شركاء الساحة بعد الثورة بالتغول، وحين انتصرت حالوا استبدالها بدبابة، لم يتقدم رئيسها الى أي من المناصب الرسمية طوال 8 سنوات من قيادته للتجربة، بينما تقدم كل رؤساء الأحزاب إلى المناصب المتاحة والغير متاحة، ولما تقدم زعيمها الى انتخابات تشريعية، قامت عليه الدنيا، بينما تقدمت راقصة إلى منصب رئاسة الجمهورية فاستحسنوا ذلك وأدرجوه تحت الاثراء والتنوع . حركة أحجمت عن منصب الرئاسة سنة 2011 حين كانت الحزب المكتسح، وخلال 2014 لما كانت الحزب الثاني ثم الاول، ثم ولما تقدمت بنائب رئيسها لانتخابات 2019 اتهمها خصوم الثورة بالتغول، واتهمها أنصار الثورة بأضعاف الصف الثوري! حركة عمرها نصف قرن، قادت البلاد منذ 2011 الى اليوم، تحصلت على مناصب في الحكومة اقل مما تحصل عليه سليم الرياحي وياسين ابراهيم، حركة بهذا الرصيد من التضحيات والانتصارات تهددها عبير موسي بالحل ويتوعدها البحري الجلاصي بالإعدامات الجماعية ويصفها المنجي الرحوي بالسرطان، حتى قفراش والتبيني والعماري نالوا حركة النهضة!!! صــــحّ ليكم!

ثم وبعد كل هذا الضيم يلاحقها بعض ابناء الثورة يطالبونها بسحب مرشحها الرئاسي الذي يكاد يتصدر نوايا التصويت لصالح مرشح يراوح بين 2و3%، من نوايا التصويت، وحتى تستوي المأساة على عودها، يخرج بعض فلذاتها على شبكات التواصل الاجتماعي ويتبادلون السؤال الأغبى في هذا الكون الفسيح”آخي انت لشكون باش تصوت”!! لم يستح هؤلاء من شهيد الجسور ولا من أنين المعذبين في برج الرومي ولا من صراخ الحرائر تحت وقع أجساد الخنازير الثقيلة ولا من أهوال الزنازين الانفرادية، ولا من قصص الحب العذري الذي مات شقه تحت التعذيب وضفر شقه الآخر ضفائر الشيب على شرفة الانتظار…صحّ ليكم اعملوا هكاكا!

نهضة كل قياداتها منتشرة في الداخل والخارج تتنقل بنسق جنوني بين المدينة والاخرى تسابق الزمن الدعائي، تستنفر مكاتبها وتسرّح النساء والرجال والشباب لتغذية الحملة الانتخابية، ثم يبادرك أحد الأعضاء النهضة أو أحد ابناء الثورة او المحيط القريب ” آخي انتم مرشحين مورو بجدية” !! حركة تتعرض الى هذا القهر الأزرق وتبقى على قيد الحياة ، هي حركة كُتبت لها أكثر من مجرد الحياة العادية، كُتبت لها القيادة والريادة.. أما أنتم فصحّ ليكم!

تفشل الأحزاب في قطع بعض الامتار فوق زربية ناعمة، بينما تقطع النهضة أدغال بورقيبة ومجاهل بن علي والغام بن زايد ثم هي بعد كل ذلك تنتصر وتترفق بالمهزوم، وفي آخر المطاف يبرز إليها بعض أجنة السياسة وبعض العلق الحزبي ومضغة إعلامية متعفنة، ويسألونها “انت شكــون”! صحّ ليكم!

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here